Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 82-86)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

العداوة : البغضاء . المودة : المحبة . القَس : جمعه قُسوس ، والقسيس : جمعه قسيسون ، الذي يكون بين الشمّاس ، والكاهن . الراهب : العابد المنقطع عن الناس في دير أو صومعة حرم نفسه فيها من التنعم بالزواج ولَذَّات الطعام . تفيض من الدمع : تمتلىء دمعا حتى يتدفق من جوانبها . مع الشاهدين : الذين شهدوا وصدّقوا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم . فأثابهم : جازاهم . نزلت هذه الآيات في نجاشي الحبَشَة وأصحابه ، حين هاجر فريق من المسلمين إلى هناك . قالت أم سَلَمة وكانت من المهاجرات الى الحبشة قبل ان يتزوجها الرسول الكريم : لما نزلنا بأرض الحبشة جاوَرَنا بها خيرُ جارٍ ، النجاشي … امِنّا على ديننا وعبدْنا الله تعالى لا نؤذَى ولا نسمع شيئاً نكرهه . وقد بقي المهاجرون فيها الى ان هاجر الرسول الكريم الى المدينة ، ولم يقدِروا الوصول اليه ، فقد حالت بينهم وبينه الحرب . فلما كانت وقعة بدر وقُتل فيها صناديد قريش ، قال كفار قريش : ان ثأركم بأرض الحبشة ، فابعثوا الى سيّدها رجلين من ذوي الرأي فيكم مع هدايا له ولرجاله لعلّه يعطيكم مَن عنده فتقتلونهم بقتلى بدر . فبعث كفار قريش عمرو بن العاص ، وعبد الله بن ابي ربيعة بهدايا . فخرجا حتى قدما على النجاشي ، فأهدَوا الى البطارقة مما معهما من الهدايا ، وطلبوا منهم ان يساعدوهما عند الملك بأن يسلّمهما أولئك المهاجرين . ثم قابلا النجاشي وقدّما له هداياهما فقبلها منهما . ثم كلماه فقالا له : أيها الملك ، قد جاء الى بلدك غلمان سفهاء فارقوا دين قومهم ، ولم يدخلوا في دينك ، وجاؤا بدينٍ ابتدعوه لا نعرفه نحن ولا أنت . وقد بعثنا من آبائهم وأعمامهم أشرافُ قومهم لتردهم إليهم . فقالت بطارقته حوله : صدَقا أيها الملك ، فأسلمْهُم إليهما . فغضب النجاشي ثم قال : لا واللهِ لا أُسلمهم حتى أدعوَهم ، فأسألهم عما يقول هذان في أمرهم . ثم أرسَل إليهم . فلما جاؤا ، قال لهم النجاشي وأساقفته : ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ، ولا في دين أحد ؟ فقام جعفر بن ابي طالب ، فقال : أيها الملك ، كنا قوماً أهلَ جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القويُّ منا الضعيف . وظللنا على ذلك حتى بعث الله الينا رسولاً منّا ، نعرف نسبه وصدقه وعفافه ، فدعانا الى الله ، أن نوحّده ونعبده ، ونخلع ما كنّا نعبد قبله من الحجارة والأوثان . ولقد أمرَنا بصِدق الحديث ، وأداء الامانة ، وصلة الرحم وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء . كما نهانا عن الفواحش ، وقول الزور ، وأكلِ مال اليتيم ، وقذف المحصنات . وأمرنا ان نعبد الله وحده ولا نشرك به شيئا ، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام . فصدّقناه وآمّنا به ، واتّبعناه على ما جاء به من الله . … فعدا علينا قومُنا فعذّبونا ، وفتنونا عن ديننا لنرتدّ الى عبادة الأوثان … فلمّا قهرونا وضيقوا علينا ، خرجنا الى بلادك ، ورغبنا في جوارك . فقال النجاشي : هل معك مما جاء به من الله من شيء ؟ قال جعفر : نعم أول سورة مريم . قالت أم سلمة : فبكى والله النجاشي ، حتى اخضلّت لحيته . وبكت اساقفته حين سمعوا ما تلا جعفر . ثم قال النجاشي : ان هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة . إنطلِقا ، فوالله لا أسلّمهم إليكما . الخ القصة . فهذه القصة من أسباب نزول هذه الآيات . فبعد أن حاجّ اللهُ تعالى أهل الكتاب ، وذكر مخالفتهم لكتبهم وأنبيائهم ، وانهم اتخذوا الاسلام هزواً ولعبا ، وبلغت الجرأة باليهود ان يتطاولوا على الله بقولهم { يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ } ، وان النصارى اعتقدوا بأن المسيح ابن الله ذكر هنا احوالهم في عداوتهم للمؤمنين ، أو محبتهم لهم . ومقدار تلك العداوة أو المحبة : { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ } قسَمَاً أيها الرسول لسوف تجد أشد الناس عداوة لك وللمؤمنين معك ، اليهودَ والمشركين من عبدة الاصنام . وقد وقع ذلك . فإن أشد إيذاء واجهه النبي عليه السلام إنما كان من اليهود في المدينة وما حولها ، ومن مشركي العرب ، ولا سيما قريش . ويشترك اليهود والمشركون في بعض الصفات والاخلاق ، كالتكبّر والغرور ، وحب المادّة ، والقسوة . والمعروف عن اليهود انهم يعتبرون كل من عداهم لا حرمة له ولا قيمة ، فكل مَن كان غير يهودي مباح لهم دمه وماله وعرضه ، هذا مقرَّر في تلمودهم . { وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّا نَصَارَىٰ } أما أقرب الناس محبة للذين آمنوا بك وصدّقوك فهم النصارى . رأى النبي من نصارى الحبشة أحسن المودة . ولما أرسل كتبه الى الملوك ورؤساء الدول كان النصارى منهم أحسنَ ردا ، واستقبالاً للرسل . والواقع ان مودة النصارى للمسلمين في عصر النبي الكريم كانت ظاهرة ملموسة . { ذٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً … } وسببُ تلك المودّة أن فيهم قسيسين يعلّمون دينهم ، ورهبانا يخشون ربهم . هذا كما أنهم لا يستكبرون عن سماع الحق واتّباعه . وفيهم من إذا سمعوا القرآن وتأثروا به ، فتفيض اعينهم بالدمع . انهم يعرفون ان ما سمعوه حق ، فتميل اليه قلوبهم وتنطلق ألسنتهم بالدعاء الى الله قائلين : رنبا آمنا بك وبرسُلك ، وبالحق الذي انزلته عليهم ، فتقبّل منا إيماننا ، واجعلنا مع الشاهدين من أمة محمد الذين جعلتهم حجة على الناس يوم القيامة . وأي مانع يمنعنا من الايمان بالله ، وتصديق ما جاء على محمد ونحن نرجو ان يُدخلنا ربنا الجنةَ مع خيرة عباده ! ! لذا كتب الله لهم ثواباً ، جنات تجري من تحتها الانهار ، خالدون فيها الى الأبد . هذا جزاء المحسنين من ربهم . اما عقاب المسيئين الى انفسهم بالكفر والجحود والتكذيب ، اي : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ } فهو الجحيم . انهم أهل النار ، وسيبقون في العذاب الشديد الدائم . ويجب ان نوضح هنا موضوعاً مهما ، وهو أن النصارى الذين تعنيهم الآية إنما هم اصحاب النجاشي الذين عاصروا النبيّ ، وقد جاء بعضهم مع جعفر بن ابي طالب الى المدينة وأسلم . اما اذا استعرضنا النصارى الأوروبيين ، وما كادوا للاسلام والمسلمين ، وما شنّوه من حروب صليبيّة مجرمة في المشرق الاسلامي كما في الاندلس ، وما قاموا به من مذابح يسعّرها التعصب والحقد فإننا لا نجدهم يختلفون عن اليهود . بل إن احقادهم مستمرة في مؤازرة الصهيونية . وقد قلنا سابقا ، ونكرر هنا ان هذا لا يشمل النصارى العرب ، الذين لم يقصروا في واجبهم نحو وطنهم واخوانهم .