Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 95-99)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الفلق : الشق . الحب : الحنطة ، وكل انواع الحبوب . النوى : واحدها نواة وهي بزرة التمرة والزبيبة . الإصباح : الصبح جعل الليل سكنا : ليسكُن الإنسان فيه ويستقر . الحسبان : الحساب والتوقيت . المستقر : موضع القرار والاقامة . المتسودع : موضع الوديعة . خضرا : نباتا غضا اخضر . متراكبا : بعضه فوق بعض . الطلع : اول ما يظهر من زهر النخل قبل ان ينشق عنه الغلاف . القنوان : واحدها قنو : العذِق وهو مثل العنقود من العنب . دانية : قريبة التناول . ينعه : حين ينضج : تؤفكون : تضلون ، تصرفون . بعد ان أثبت الله سبحانه امر التوحيد وثبّته ، ثم أردف أمر النبوة والبعث ، وردّ على منكري الوحي ، وأوعدهم يوم الجزاء شراً - جاء هنا ليطلع الناس على آياته العظمى في هذا الكون العجيب . { إِنَّ ٱللَّهَ فَالِقُ ٱلْحَبِّ وَٱلنَّوَىٰ يُخْرِجُ ٱلْحَيَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ ٱلْمَيِّتِ مِنَ ٱلْحَيِّ } . ان دلائل قدرة الله على البعث ، واستحقاقه وحده للعبادة ، متوافرة متنوعة . فهو وحده الذي يشق الحب ويخرج منه النبات ، ويشق النوى ويخرج منه الشجر . انه هو الذي يخرج الحي من الميت ، كالانسان من التراب ، والميتَ من الحي ، كاللبن من الحيوان . ولقد اقترنت ( فالقُ الحب والنوى ) بآية ( فالق الإصباح ) وهي تدل على وجود الضوء والضلام ، وان الضوء مرتبط ارتباطاً وثيقاً بنمو النبات والاشجار . ذلك أن الحب والنوى بعد ان تُفلق نباتاً إنما تحتاج الى غذاء … وهذا الغذاء يتكون من عناصر الأرض الخِصبة ، ومن ضوء الشمس ، فجذور النبات تتغذى من الارض ، وأغصانه واوراقه تتغذى من حرارة الشمس التي يؤذن بها الصباح . وهذه من قدرة الله وحده ، فلا يقدر إلا الله أن يجهّز الكائن الحي بالقدرة على إحالة الذرات الميتة الى خلايا حية ، او تحويل الخلايا الحية مرة اخرى الى ذارت ميتة . يقول الدكتور ايرفنج وليام في ماقل عنوانه : المادية وحدها لا تكفي ، في كتاب " الله يتجلى في عصر العلم " . " ان العلوم لا تستيطع ان تفسر لنا كيف نشأت تلك الدقائق الصغيرة المتناهية في صغرها والتي تتكون منها جميع المواد . كما لا تستطيع ان تفسر لنا ، بالاعتماد على فكرة المصادفة وحدها ، كيف تتجمع هذه الدقائق الصغيرة لكي تكوّن الحياة . ولا شك ان النظرية التي تدّعي ان جميع صور الحياة الراقية قد وصلت الى حالتها الراهنة من الرقي ، بسبب حدوث بعض الطفرات العشوائية والتجمعات والهجائن ، نظريةٌ لا يمكن الأخذ بها الا عن طريق التسليم فهي لا تقوم على اساس من المنطق والاقناع " . ويقول الدكتور البرت ماكوب ونشستر ، المتخصص في علم الاحياء ، في مقال : العلوم تدعم ايماني بالله ، من كتاب " الله يتجلى في عصر العلم " . " لقد اشتغلت بدراسة علم الآحياء ، وهو من الميادين العلمية الفسيحة التي تهتم بدارسة الحياة وليس بين مخلوقات الله اروع من الاحياء التي تسكن هذا الكون . انظر الى نبات برسيم ضئيل ، وقد نما على احد جوانب الطريق . هل تستطيع ان تجد له تظيراً في روعته بين جميع ما صنعه الانسان من تلك العدد والآلات الرائعة ؟ انه آلة حيّة تقوم بصورة دائبة لا تنقطع آناء الليل واطراف النهار ، بالآف من التفاعلات الكيماوية والطبيعية . ويتم كل ذلك تحت سيطرة البروتوبلازم ، وهي المادة التي تدخل في تركيب الكائنات الحية . فمن أين جاءت هذه الآلةُ المعقدة ؟ ان الله لم يصنعها هكذا وحدها ، ولكنه خلَق الحياة ، وجعلها قادرة على صيانة نفسها ، وعلى الاستمرار من جيل الى جيل ، مع الاحتفاظ بكل الخواص والمميزات التي تعيننا على التمييز بين نبات وآخر . ان دراسة التكاثر في الأحياء تعتبر أورع دراسات علم الاحياء ، واكثرها اظهارا لقدرة الله . ان الخلية التناسلية التي ينتج عنها النبات الجديد ، تبلغ من الصغر درجة كبرى بحيث يصعب مشاهدتها الا باستخدام المجهر . ومن العجيب ان كل صفة من صفات النبات ، كل عرق ، وكل شُعَيْرة ، وكل فرع على ساق ، وكل جذر أو ورقة - يتم تكوينها تحت اشراف مهندسين قد بلغوا من دقة الحجم مبلغا كبيرا ، فاستطاعوا العيش داخل الخلية التي نشأ منها النبات ! ! تلك الفئة من المهندسين هي فئة الكروموسومات ( ناقلات الوراثة ) . وكل ذلك يتم بإذن الله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ، وبقدر الله الذي تتم به كل حركة في الوجود كله " . { ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ } ربُّكم مبدعُ المعجزة المتكررة ذات السر العجيب { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } ؟ فكيف تُصرفون عن هذا الحق الواضح للعقول والعيون ! كيف تشركون به من لا يقدر على شيء من ذلك ! ؟ . ويجيء ذكر معجزة انبثاق الحياة من الموت كثيرا في القرآن الكريم كما يجيء ذكر خلق الكون ابتداءً - في معرض التوجيه الى حقيقة الالوهية ، وآثارها الدالة على وحدة الخالق وقدرته . ويهدف ذلك الى تقويم تصور البشر بإعطائهم العقيدة الصحيحة . { فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ وَجَعَلَ ٱلْلَّيْلَ سَكَناً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً ذٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ } . هو الذي يجلو غبش الصبح بضوء النهار ليسعى الاحياء الى تحصيل أسباب حياتهم ومعاشهم ، وجعل الله الليل سَكَناً يستريح المتعَب فيه من العمل بالنهار ، وتسكن فيه نفسُه . وأكثر الأحياء من الإِنسان والحيوان تترك العمل والسعي في الليل ، وتأوي الى مساكنها للراحة . كما سيّر الشمس والقمر بنظام دقيق يعرف به الناس مواقيتَ عبادتهم ومعاملاتهم ، وهذا النظام المحكم تدبيرُ من الله المسيطِر على الكون ، المحيط علمه بكل شيء ، البعيد المدى في الابداع والاتقان ، والذي قال : { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ } . قراءات : قرأ اهل الكوفة " جعل الليل سكنا " وقرأ الباقون " جاعل الليل " . { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ . … } . جعل : خلق النجوم : جمع نجم وهي الاجرام السماوية التي نرى كثيرا منها بالعين المجردة . والمراد بالظلمات ظلمة الليل ، في اسفارنا برا وبحرا . ان الله هو الذي خلق لكم النجوم ايها الناس تستدلّون بها على الطريق فتسلكونها وتنجون من الأخطار في البر والبحر . فالله سبحانه وتعالى يذكّرنا ببعض فضله علينا في تسخير هذه النيرات التي نراها صغيرة ، لبعدها عنا ، بعد ان سبق وذكّرنا ببعض فضله في الشمس والقمر اللّذين يبدوان كبيرين في أعين الناس لقربهما . وأقرب كوكب منا هو القمر ، يبعد عن الارض بنحو مائتين وأربعين الف ميل ، وهو يدور حول الأرض ويكمل دورته في تسعة وعشرين يوما ونصف يوم . وتبعد أرضنا عن الشمس ثلاثة وتسعين مليون ميل ، وهي تدور حول محورها بسرعة الف ميل في الساعة ، وتدور حول الشمس في دائرة مساحتها مائة وتسعون مليون ميل ، وتستكمل دورتها في هذه الدائرة مرة واحدة في سنة كاملة . وتوجد تسعة كواكب مع الارض هي : عطارد والزهرة والمّريخ وزحَل والمشتري واورانوس ونبتون وبلوتو ، وكلها تدور حول الشمس بسرعة فائقة ، بعضها يكمل دورة كاملة في ثمانية وثمانون يوماً وهو عطارد ، اقرب الكواكب الى الشمس ؛ وبعضها يكمل دورة كاملة في مدة مائتين وثمان واربعين سنة وهو بلوتو ، أبعد الكواكب من الشمس . وهو يدرو في دائره مساحتُها سبعةُ بلايين وخمسمائة مليون ميل . وحول هذه الكواكب يدور واحد وثلاثون قمراً أخرى . وتوجد غير هذه الكواكب حلقة من ثلاثين ألفا من " النجيمات " وآلاف المذنبات ، وشهب لا حصر لها ولكها تدور حول ذلك السيّار العملاق الذي نسميه الشمس ، التي يبلغ قطرها : ثمانمائة وخمسة وستين الف ميل . وهي اكبر من الارض بمليون وربع ميلون مرة . ولا تشكّل هذه الشمس وما حولها من الكواكب المذكورة ، والاقمار ، والنجيمات ، والشهب التي تشغل هذا المجال الواسع - ذرةً صغيرة في هذا الكون الواسع الذي لا يدركه عقل ولا بصر . ثم إن هذه الشمس ليست بثابتة او واقفة في مكان ما ، وانما هي بدورها ، ومع كل هذه الاجرام التي ذكرناها - تدور في النظام الرائع البديع بسرعة 600 . 000 الف ميل في الساعة وفي هذا الكون الفسيح العجيب آلاف الانظمة غير نظامنا الشمسي يتكون منها ذلكم النظام الذي نسمّيه " المجرّات " او مجاميع النجوم ، وكأنها جميعها طبق عظيم تدور عليه النجوم والكواكب منفردة ومجتمعة ، كما يدور الخذروف " البلبل " حين يعلب الاطفال . ومجرّات النجوم هذه تتحرك بدورها ايضا ، فالمجرّة التي يقع فيها نظامنا الشمسي تدور حول محورها بحيث تكمل دورةً واحدة كل مائتي بليون سنة ضوئية 200 . 000 . 000 . 000 وهذا شيء مذهل ومحيِّر لا تتصوره العقول . ويقدّر علماء الفلك أن هذا الكون يتألف من خمسمائة مليون من المجرات ، في كل منها " مائة مليار " من النجوم ، او اكثر او اقل . ويقدّرون ان أقرب مجموعة من النجوم ، وهي التي نراها في الليل كخيوط بيضاء دقيقة والتي نسميها درب التبّانة ، تضم حَيّزاً مداه ألف سنة ضوئية . وسرعة الضو 300 . 000 الف كيلو متر في الثانية . وبمعرفة هذه الحقيقة يتبين لنا اتساع السنة الضوئية ومقدار زمنها ، وكم تكون مسافة الف سنة ضوئية . انها شيء مذهل حقا ، فوق تفكير البشر وطاقته . ونبعد نحن سكان الارض عن مركز هذه المجموعة بمقدار ثلاثين الف سنة ضوئية ، وهذه المجموعة جزء من مجموعة كبيرة تتألف من سبع عشرة مجرة . وقطر هذه المجموعة الكبيرة ( ذات السبع عشرة ) مليونان من السنين الضوئية . والحديث في هذا الموضوع طويل جدا ، ومحيّر ومذهل . وحين ينظر العقل الى هذا النظام العجيب ، والتنظيم الدقيق الغريب المدهش لا يلبث ان يحكم باستحالة ان يكون هذا كله قائما بنفسه ، بل ان هنالك طاقة غير عادية هي التي تقيم هذا النظام العظيم ، وتهيمن عليه . ولما في عالم السماوات وهذا الكون الذي بينا لمحة موجزة عنه - من بديع الصنع والنظام - ختم سبحانه وتعالى الآية بقوله : { قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } . أي أنّا قد بينّا دلائل رحمتنا وقدرتَنا لقوم ينفعون بالعلم . فهو يوجّهنا إلى هذا الكون ، وما فيه من حقائق مذهلة ، تدفعنا الى التدبر والتذكّر . الله اجعلنا ممن ينتفعون بالعلم والمعرفة ، وثّبت قلوبنا بالإيمان الصادق . وبعد ان بيّن لنا تعالى بعض آياته في هذا الكون العجيب ليذكّرنا بذلك ، وينبّه الناس من غفلتهم ، عطَف الحديث هنا ليذكّرنا بآياته العجيبة في انفسنا . ذلك لأن الإنسان هو أعظم شيء في الوجود . { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ } . الانشاء : ايجاد الشيء وتربيته . النفس : تطلق على الروح وعلى الشخص المركّب من روح وبدن . والنفس البشرية الأولى هي آدم ، والله تعالى هو الذي أوجدَكم من أصل واحد هو أب البشر آدم . وتبدأ الحياة من حيوان صغير لا يُرى بالعين المجردة ، فالنفس هي مستودع لهذه الخلية في صلب الرجل ، وهي مستقر لها في رحم الأنثى . ثم تأخذ الحياة في النمو والانتشار في هذه الارض التي هي مكان استقراركم في حياتكم ، ومستودعٌ لكم ، بعد موتكم . هكذا فصّلنا الآياتِ لقوم يفقهون ، وبيّنا دلائل قدرتنا لقوم يفقهون ما يُتلى عليهم ، ويدركون الأشياء على وجهها فالفقه هنا ، وهو اعمق الفهم ، ضروريٌ لإدراك صنع الله في هذه النفس الواحدة التي يخرُج منها أشكال وألوان ، فيهب الله لمن يشاء اناثا ، ويهب لمن يشاء الذكور . قراءات : قرأ ابن كثير وابو عمرو : فمستقِر بكسر القاف والباقون بفتح القاف . { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً … } الآية . خضراً : أخضر قنوان : جمع قنو وهو الفرع الصغير في النخلة ، ويسمى العذق والعِرجون وهو الذي يحمل الثمر . دانية : قريبة متدلية ينعهِ : نضجه . ثم ينقلنا الى مشاهد الحياة المتفتحة في جنبات الارض ، فيذكر آية اخرى من آيات التكوين ويبين لنا دور الماء الظاهر في إنبات كل شيء . وهو الذي أنزل من السحاب ماءً فأخرج به نبات كل صنف ، جاء بعضه غضّاً طريا ، يخرج منه حبٌّ كثير بعضه فوق بعض . ومن غبار طلع النخل تخرج عراجين محمّلة بالثمار قريبة سهلة التناول . كذلك أخرجنا بفضل الماء جناتٍ من الأعناب والزيتون والرمان ، منها ما هو متشابه الثمر في الشكل ، وما هو متشابه في الطعم والرائحة . فانظروا ايها الناس في تدبرٍ واعتبار إلى ثمره حين يثمر ، والى نضجه كيف تم بعد اطوار مختلفة . ثم وازِنوا بين صفاته في كل من الحالين ، يتبين لكم لطف الله وقدرته . أليس في ذلك دلائل عظيمة على وجود القادر الحكيم لقوم ينشدون الحق ؟ ! قراءات : قرأ حمزة والكسائي : ثمره بضم الثاء والميم ، جمع ثمرة والباقون : ثمره بفتح الثاء والميم . بعد هذا العرض الواضح لدلائل وجود الله ووحدانيته وقدرته يبين لنا الله تعالى شِرك المشركين وأوهامهم وسخفهم ، فيعقّب على ذلك كلّه بالاستنكار فيقول : { وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ ٱلْجِنَّ … } .