Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 76, Ayat: 7-22)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
مستطيرا : منتشرا ، فاشيا . عبوسا : تعبس فيه الوجوه . قمطريرا : شديد الشر مظلما . والفعل اقمطرّ الشر : اشتد وتجمع . لقّاهم : اعطاهم . نضرة : حسنا وبهاء . الأرائك : واحدتها أريكة : السرير ، والمقعد الوثير المنجد . الزمهرير : أشدُّ البرد . دانية : قريبة منهم مظللة لهم . وذُللت قطوفها تذليلا : سخرت لهم ثمارها بحيث تكون في تناول أيديهم . القطوف : واحدها قِطف بكسر القاف وهو ما قطف من الثمر ، والعنقود . بآنية من فضة : واحدها إناء بكسر الهمزة وهو كل ما يوضع فيه الشراب . والأكواب : واحدها كوب وهو الكوز الذي لا عروة له . والقوارير : واحدها قارورة : اناء رقيق من الزجاج . قدّروها تقديرا : قدرها الساقون بأحجام تناسِب الذوق والحاجة مما يحقق المتعة والجمال . مزاجها زنجبيلا : الزنجبيل نوع من النبات طيب الرائحة . السلسبيل : الشراب السائغ اللذيذ ، واسم عينٍ في الجنة . وِلدان مخلدون : دائمون في بهائهم وحسنهم . السندس : نوع من الحرير الرقيق . الاستبرق : نوع من الحرير الغليظ . في هذه الآيات الكريمة عرضٌ وتفصيل لصور النعيم الذي أفاضه الله تعالى على عباده الأبرار في جنة الخلد ، وهذا العرض من أطولِ ما وردَ في القرآن الكريم لصُورِ النعيم ومشاهده . وقد بدأ ببيان أعمالهم وما قدّموا من خير للناس فقال : { يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } . هؤلاء الابرارُ يوفون بما أوجبوه على انفسهم من نَذْرٍ في طاعة الله ، ويخافون من هولِ يوم القيامة ، ذلك اليوم المخيفِ الذي يعمّ شرُّه ويستطير بين الناس إلا من رحمَ الله . وهم يُطعِمون الطعام رغم حاجتهم إليه الى المسكين واليتيم والفقير … والمرادُ من اطعام الطعام الاحسانُ الى المحتاجين ومواساتهم بأي وجه . وبعد ان ذكر ان الأبرار يحسِنون الى المحتاجين بين ان لهم في ذلك غرضَين : طلبَ رضا الله عنهم ، وخوفَ يوم القيامة : { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً } لا نريد عن عملنا هذا عِوَضاً ولا نريد منكم ثناء . { إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً } . إنا نفعل ذلك ليرحمنا ربُّنا يوم القيامة ، ويتلقّانا بلطفه في ذلك اليوم الشديد الهولِ والشر . ثم بين الله تعالى انه أمَّنَ لهم مَطلبهم فقال : { فَوَقَاهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ ٱلْيَومِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً } فحماهم اللهُ من شر ذلك اليوم وشدائده ، وأعطاهم نضرةً وحُسناً في وجوههم وسروراً في قلوبهم . ثم زاد من كرمه وإحسانه فقال : { وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً } ، أعطاهم على صبرهم ، واحسانهم للناس ، وإيمانهم الصادق - هذا النعيمَ في الجنة والخلودَ فيها ، ولباسَ الحرير الذي كان ممنوعا في الدنيا . ثم وصف شرابَهم وأوانيه والسقاةَ الذين يطوفون عليهم به ، وما هم فيه من سعادةٍ أبدية فقال : { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً } . يجلسون على أفخرِ الأسرّة والمقاعد متكئين عليها يتحدّثون ويتسامرون ، لا يجِدون في الجنة حَرّاً ولا بردا . وهم في جنةٍ وارفة الظلال ، ثمارُها قريبة من متناول أيديهم ، تغمرهم السعادةُ . { وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } ويطوف عليهم الولدانُ من خَدَمهم بأوعية شرابٍ من فضة ، وبأكواب من زجاجٍ شفاف عليها غشاءٌ من فضة ، قدّرها لهم السقاةُ الذين يطوفون عليهم على قَدْرِ كفايتهم وحاجاتهم وحسب ما يشتهون . ثم وصف مشروبهم بأنه شرابٌ لذيذ منعش ممزوج بالزنجبيل ، ويُسْقَون من عين في الجنة اسمها السلسبيل ، لسلاسَتها وسهولةِ مساغها … وهذا كله ما هو الا أسماء لما هو شبيهٌ بما في الدنيا . وهناك ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ، وكل ما في الآخرة مغاير لما في حياتنا الدنيا . ثم بين أوصافَ السقاةِ الذين يطوفون عليهم بذلك الشراب فقال : { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } . ويطوف على هؤلاء الأبرار من أهل الجنة ولدان يظلّون على ما هم عليه : من الشباب والنضارة والحُسن ، منظرُهم مبهج مفرح ، وإذا رأيتَ جماعةً منهم حسبتَهم لحُسنِ ألوانهم ونضارة وجوههم ورشاقتهم في الخدمة كأنهم لؤلؤ منثور . وبعد ان ذكَر اللهُ تعالى نعيم أهل الجنة بما تقدَّم - بين أن هناك امورا أعلى وأعظم من كل ما ذُكر فقال : { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً } واذا رأيتَ ما في الجنة من النعيم وما تفضّل الله به على عباده الابرار من مظاهر الأنس والسرور ، رأيت نعيماً لا يكاد يوصف ، ومُلكاً كبيرا واسعا لا غاية له ، يختلف كل الاختلاف عما نراه في هذه الدنيا الفانية . وفي الحديث القدسي : " أعددتُ لعبادي الصالحين ، ما لا عين رأتْ ، ولا أُذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " . { عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوۤاْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } في هذه الآية الكريمة يصف الله تعالى ملبسَهم أنه من حريرٍ ناعم رقيقِ هو السندس ، وحريرٍ غليظ هو الديباج ، ويلبسون الحليةَ من فضة وذهب كما جاء في آية اخرى في سورة فاطر : { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ } [ الكهف : 31 ] . ثم ذكر شرابا آخر يُسقَونه يفوق النوعَين السابقين اللذَين مر أنهما يمزجان بالكافور والزنجبيل . فقال هنا : { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } يطهُر شاربه ، ويتلذّذ به فيصبح في منتهى السعادة والسرور . ثم بين الله تعالى ان هذا كله جزاءٌ لهم على ما قدموا من صالح الأعمال ، وما زكَّوا به أنفسَهم من صفات الكمال فقال : { إِنَّ هَـٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً } . ان هذا الذي أعطيناكم من الكرامة جاءَ ثواباً لكم على ما كنتم تعملون ، وكان عملكم مشكورا ، رضيَه ربُّكم وحَمِدَكم عليه ، فأثابكم بما اثابكم به من الكرامة . { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِي ٱلأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ } [ الحاقة : 24 ] . كل هذا يتلقَّونه من الله العليّ القدير ، وهذا يعدِلُ كل ما تقدّم من أصناف النعيم ، ويمنحها قيمة اخرى فوق قيمتها ، ويزيد في سرورهم وحبورهم . قراءات قرأ حفص وابو عمرو وابن ذكوان { قَوَارِيرَاْ ، قَوَارِيرَاْ } بالألف من غير تنوين وقرأ ابن كثير : قواريراً بتنوين الاول وقوارير الثانية من غير تنوين . وقرأ نافع والكسائي وابو بكر : { قَوَارِيراً ، قَوَارِيراً } بالتنوين لهما . وقرأ حمزة : قوارير قوارير بعدم التنوين فيهما . وقرأ نافع وحمزة وابن محيصن : عليهم بإسكان الياء وكسر الهاء . وقرأ الباقون عاليهم بنصب الياء وضم الهاء . وقرأ ابن كثير وابو بكر وابن محيصن ثياب سندس خضر بجر خضرٍ نعتاً لسندس ، ورفع استبرق عطفا على ثياب . وقرأ نافع وحفص برفع خضر واستبرق . وقرأ حمزة والكسائي بجر خضر واستبرق .