Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 79, Ayat: 15-33)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الواد المقدس : الوادي المبارك ، طوى : اسم ذلك الوادي ، وهو بين العقبة ومصر . طغى : تجاوز الحد فتكبر وكفر . تزكّى : اصلها تتزكى بتاءين : تتطهر من الشرك . أهديك : أدلّك . الآية الكبرى : العلامة الدالة على صدق موسى ، وهي انقلاب العصا حية . أدبر يسعى : ذهب يدبّر المكايد لموسى . فحشر : فجمع السحرة . النكال : العذاب . رفع سَمكها فسوّاها : خلقها بأحسن نظام . أغطشَ ليلها : جعله مظلما . أخرجَ ضحاها : اظهر نورها وضياء شمسها . دحاها : مهّدها وجعلها قابلة للسكنى . مرعاها : نباتها . ارساها : أثبتها . متاعا : متعة ومنفعة لكم ولأنعامكم . يذكر الله تعالى قصةَ موسى وفرعون تسليةً للرسول الكريم على ما يلاقيه من قومه ، بحكْمِ تكذيبهم له وإنكارهم للبعث ، وتماديهم في العُتُوِّ والطغيان . وذلك أن فرعون مع أنه كان أقوى من كفار قريشٍ وأشدَّ منهم شوكةً وأعظمَ سلطانا فإن الله أخَذه حينَ تمرد على ربه ولم يؤمن بموسى ، فاحذَروا أن يصيبَكم ما أصابه . وقصة موسى وفرعون من أكثر القصص التي ترِدُ في القرآن في اساليب متنوعة . وهنا جاءت مختصرة سريعة في اسلوب استفهام رشيق مشوّق لتناسب طبيعة السورة . { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ … الآيات } هل أتاك - يا محمد - حديث موسى مع فرعون ، حين ناداه ربُّه في وادي طوى المقدّس في سيناء ، حيث أمره أن يذهب الى فرعون وقومه ليهديهم الى الطريق المستقيم ، بعد أن طغى واستكبر واستعبد الناس ! ثم طلب الله تعالى الى موسى ان يُلينَ له القولَ فذلك أنجحُ للرسالة . { فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ } هذا كلام جميل في غاية الرقة واللطف . قل له يا موسى : هل ترغبُ أن تطهِّر نفسَك من الآثام التي انغمستَ فيها ، وتعملَ بما أدلُّك عليه من طُرُق الخير ، فترجعَ الى ربك وتؤمن به ، وتخشى عاقبة مخالفته . ثم أراه الدليلَ الحسّيَّ على صدق نبوته { فَأَرَاهُ ٱلآيَةَ ٱلْكُبْرَىٰ } وتلك هي قلبُ العصا التي معه حيّةً تسعى . فلم يقنع فرعون بما رأى وقال إنّ هذا سِحرٌ { ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ } في تدبير سحرٍ مثله ، { فَحَشَرَ فَنَادَىٰ فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } حيث جَمَعَ السحرةَ وخطب فيهم قائلا إنه هو الربّ الأعلى ، لا سلطانَ يعلو سلطانه . { فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلآخِرَةِ وَٱلأُوْلَىٰ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ } . فعذّبه الله تعالى بالغَرَقِ في الدنيا ، وبعذاب جهنم في الاخرة … وفي هذا عبرة وموعظة لمن يخاف الله وله عقل يَتدبر وينظر في عواقب الأمور . إن الله سينصرك يا محمد على قومك كما نَصَرَ موسى على فرعون ، وكان أشدَّ بأساً وأكثر جنداً من قومك هؤلاء . فاتبع يا محمد نهج موسى ، ولِنْ لهم في الحديث ، واصبر فإن الفوز لك . وبعد أن أورد قصص موسى وفرعون هذه عاد الى مخاطبة الجاحدين المنكرين من قريش بأن من خَلَقَ هذا الكونَ العجيب الكبير وما فيه - لا يُعجِزه بعثهم من جديد بعد موتهم . فإن كانوا قد غفلوا عن أنه خالقُهم ، فلْينظروا الى السماءِ والى الأرضِ ليعلموا من خَلَقَهما وانشأهما . { أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا } . أيّهما أعظم : اعادةُ الناس كما بدأهم أولَ مرة أم إنشاء السماء في هذا النظام البديع الذي لا يختلف ولا يختلّ بل يسير فيه كل جرم في مداره ! لقد رفع صانعُها أجرامها فوق رؤوسنا ووضعَ كل جرمٍ في وضعه . { وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا } . لقد جعل ليلها مظلماً عندما تغيبُ الشمس ، وأضاءها بشروق الشمس وارتفاعها وقت الضحى ، وهو أشرفُ اوقاتها وأطيبها . { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } . ثم بسط الأرضَ ومهّدها للسكنى وسيّر الناسَ والأنعام عليها . فلفظةُ دحاها تعني التكويرَ والبسطَ في ذات الوقت ، فتكون أدلَّ الالفاظ على الأرض المبسوطة في الظاهر المكوّرة في الحقيقة … وهذا منتهى الإحكام في اختيار اللفظ المناسب . ثم بيّن ما لا بدّ منه في تأتّي سكناها من أمرِ المآكل والمشارِب وإمكان القرار عليها فقال : { أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا } فجّر منها العيون والينابيع والانهار لأن الماء أساس الحياة ، { وَجَعَلْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ } [ الأنبياء : 30 ] . وأنبت فيها النبات الذي يأكله الناسُ والحيوان . ثم بعد ذلك ثبَّتَ الجبالَ في أماكنها وجعلَها كالأوتاد ، حتى تحفظَ توازن الأرض . وهذا كله جعله الله { مَتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ } أي لخيرِ الإنسان يتمتع به . فهل الذي أوجده وأنشأه أولَ مرة يعجز عن إعادته وإنشائه مرة أخرى ؟ { وَهُوَ ٱلَّذِي يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ } [ الروم : 27 ] . قراءات : قرأ الجمهور : تزكّى بفتح الزاي من غير تشديد ، وقرأ نافع وابن كثير : تزكى بتشديد الزاي ، وقرأ أهل الحجاز والبصرة : طُوى بغير تنوين . والباقون بالتنوين .