Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 100-102)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
رضي الله عنهم : قبِل طاعتهم . ورضوا عنه : بما افاض عليهم من نعمة . مَردوا على النفاق : ثبتوا عليه ، واتقنوا اساليبه . بعد تصنيف الأعراب الى مؤمنين ومنافقين ، صنف الله تعالى المجتمع كله حاضِرَه وبادِيَه الى اربع طبقات : الأولى : السابقون الأولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم بإحسان . الثانية : المنافقون الذين مردوا على النفاق من أهل المدينة والأعراب . الثالثة : الذين خلطوا عملاً صالحا وآخر سيئا . والرابعة : الذين ارجئ الحكم في أمرهم حتى يقضي الله فيهم بقضائه . { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنْصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ … } . هؤلاء هم الطبقة الأولى : السابقون من المهاجرين الذين لاقَوا من الشدائد والعذاب والاضطهاد ما اضطرهم إلى الهجرة ، والسابقون من الأنصار ، الذين آووا الرسول ونصروه ، والذين ابتعوهم بإحسان . هذه الطبقة بمجموعاتها الثلاث هم القاعدة الاساسية للمجتمع المسلم . هؤلاء جميعا رضي الله عنهم في ايمانهم وإسلامهم ، فقبِلَ طاعتهم وسجيزيهم أحسنَ الجزاء ، ورضوا عنه بالاطمئنان اليه ، والثقة بقَدَره . ولذلك { أَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } . وهذا الوعدُ الكريم من رب العالمين هو الذي يستبشر به أولئك المسلمون … إنه جنات تجري الأنهار تحت اشجارها ، فينعمون فيها نعيماً أبديا ، وأيّ فوز بعد هذا ! ! ثم إنه يذكر حال الطبقة الثانية ، وهم منافقو أهلِ المدينة ومن حولَها : { وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ } . لقد سبق الحديثُ عن المنافقين عامة ، لكن الحديث هنا عن صنف خاص منهم ، حَذَقَ النفاقَ ومَرَنَ عليه ، حتى لَيخفى امره على رسول الله مع كل فراسته وتجربته . والله تعالى يقرر ان هذه الفئة من الناس موجودةٌ في أهل المدينة وفي الأعراب المحيطين بالمدينة ، ويُطمئن الرسولَ الكريم والمؤمنين معه ، من كيدِ هذه الفئة الماكرة ، وانه سيتولى أمرهم ولن يدعَهُم ، بل سيعذّبهم عذاباً مضاعفا : مرتين في الدنيا ، مرةً بنصر المسلمين على اعدائهم مما يغيظ أولئك المنافقين ، ومرة بفضيحتهم وكشف نفاقهم . أما في الآخرة فسيَصْلَون عذاب جهنم وهولها الشديد . وجملة القول ان المنافقين فريقان : فريق عُرفوا بأقوال قالوها ، وأعمال عملوها … وهؤلاء مكشوفون معرفون ، وفريق حذَقوا النفاق حذَقوا النفاق حتى لا يشعر احد بشيء يستنكره منهم . وهذان الفريقان يوجَدان في كل عصر ، والأمة مبتلاةٌ بهم في كل قطر ، وهم يزعمون انهم يخدمون الأمة باسم الوطنية او اسم الدين ، ويستغلّون مناصِبهم ، ويجمعون الاموال لأنفسِهم . نسأل الله السلامة منهم . { وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . هذه هي الطبقة الثالثة : هؤلاء من المؤمنين ليسوا منافقين ، ولا من السابقين الأولين ولكنهم من الذين خَلطوا الصالحَ من العمل بالسيء منه ، كالّذين تخلّفوا عن الخروج الى غزوة تبوك من غير عذر صحيح ، ولم يستأذنوا كاستئذان المرتابين ، ولم يعتذِروا بالكذب كالمنافقين . ومنهم ثلاثةٌ معرُوفون ، هم أبو لُبابة بن عبد المنذر ، وثعلبة بن وديعة ، وأَوس ابن حذام ، من الأنصار ، تخلّفوا عن رسول الله في غزوة تبوك . " فلما رجع من غزوته ، ندموا على ما فعلوا وأوثقوا أنفسَهم في سَواري المسجد . فلما مر بهم سأل عنهم فقالوا له تخلّفوا عنك يا نبي الله ، فصنعوا بأنفسم ما ترى ، وعاهدوا الله ان لا يُطلقوا انفسهم حتى تطلقهم انت فقال : وأنا لا أُطلقهم حتىأوَمَرَ بإطلاقهم . فأنزل الله تعالى : { وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ … } الآية " . وهذا الصنف الناس كثير ، فالانسانُ ضعيف والمغريات كثيرة ، والنفس أمّارة بالسوء . ونحمد الله تعالى على أن باب التوبة مفتوح دائما ، ولذلك قال تعالى : { عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . فالاعتراف بالذنب والشعورُ بوطأته دليلٌ على حياة القلب ، ومن ثَمّ فإن التوبة مرجُوَّة القبول ، والمغفرة مرتقبة من الغفور الرحيم . وقد قبِل الله توبتهم ورحِمَهم … وهذا ينطبق على كل مسلم يخطئ ثم يرجع الى الله . بل ان هذه الفئة من الناس هي الغالبية العظمة من البشر … يخطئون ويتوبون ، لكن الله رؤوف رحيم تواب يقبل التوبة .