Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 97-99)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الأعراب : سكان البادية من العرب . مَغرما : غرامة الدوائر : مفردها دائرة المصيبة . قربات : واحدها قربة ، طلب الثواب ، والكرامة من الله . صلوات من الرسول : دعوات منه . كان يجاور المؤمنين السابقين المخلصين من المهاجرين والانصار ، جماعاتٌ اخرى : الأعراب : وفيهم المخلِصون والمنافقون ؛ والمنافقون من أهل المدينة ، وقد كشفهم الله تعالى بهذه السورة المباركة ؛ وآخرون خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ولم ينصهِروا في بوتقة لاسلام تماما ؛ وطائفة مجهولة الحال لا تُعرف حقيقة مصيرها ، أمرُها متروك لله ؛ ومتآمرون يتستّرون باسم الاسلام ، ويدبّرون المكايدَ ويتَّصِلون بأعداء الاسلام في الخارج . والقرآن الكريم يتحدث عن هذه الجماعات كلِّها باختصار مفيد ، ويقرر كيف يجب ان تُعامل هذه الجماعات . وهو يقسِم الناسَ على أساس التقوى والإيمان الخالص بالله والعملِ الصالح ، فقد تحدّث عن أحوال العرب مؤمنيهم ومنافقيهم ، وبيّن في هذه الآيات الثلاثِ أحوالَ الأعراب مؤمنيهم ومنافقيهم فقال : { ٱلأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } . الأعراب من أهل البادية اشدُّ كفراً ونفاقا من أمثالهم أهلِ الحضر ، لأنهم يقضون جُلَّ أعمارهم في البادية يخدمون مواشيَهم وأنعامهم ، بعيدين عن أهل العلم والحكمة . وهم حقيقون أن يجهَلوا حدودَ الله ، وما أنزلَ على رسوله من شرائع واحكام ، واللهُ عليم حكيم ، واسعُ العلم بشئون عباده وأحوالهم ، حيكم فيما يقدِّره من جزاء ومن نعيم . وقد وردت أحاديث كثيرة تشير الى جَفاء الاعراب ، وغِلْظَتِهم ، وبُعدهم عن الآداب والمعرفة . قال ابن كثير في تفسيره : " جلس أعرابي إلى زيد بن صوحان ، أحدِ التابعين العلماء الشجعان ، وقد شهِد الفتوحَ وقُطعت يده في نَهاوَنْد ، فقال له الاعرابي : واللهِ إن حديثك لَيُعجبني ، وإن يَدك لتُريبني . فقال زيد : وما يريبك من يدي ، إنها الشِّمال ! فقال الاعرابي : واللهِ ما أدري اليمينَ يقطعون أو الشمال فقال زيد بن صوحان : صدق الله ورسوله : { ٱلأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ } . وعن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من سكنَ الابديةَ جفا " وهناك روايات كثيرة تكشف عن طابَع الجفوة والفظاظة في نفوس الأعراب حتى بعد الاسلام . وبعد هذا الوصف العام للأعراب يقسِمهم القرآن قسمين فيقول تعالى : { وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } . هنا بدأ بذِكر المنافقين من الأعراب ، لأن الحديث أصلاً كان من المنافقين عامة . ومعناه : ان بعض المنافقين من اهل البادية يعتبرون الإنفاق في سبيل الله غرامةً وخسرانا ، فالرجل منهم مضطر لأن ينفِق من ماله في الزكاة وغيرها تظاهراً بالإسلام وهو كاره لذلك . وهو لا يفعل حُبّاً في انتصار الاسلام والمسلمين ، وإنما ليستمتعَ بمزايا الحياة في المجتمع المسلم . ومثلُ هذا المنافق البدوي ينتظِر متى تدور الدوائر على المسلمين ، فعليه وعلى أمثاله وحدهم ستحلّ دائرة السَّوء والمصيبة . ان الشر ينتظرونه لكم ، أيها المسملون سيكون محيطاً بهم ، فاللهُ سميع لما يقولون عنكم ، عليمٌ بأفعالهم ونيّاتهم تجاهكم . وبعد اؤلئك الأعراب المنافقين ، يذكر الكتابُ حال المؤمنين الصادقين ممن خالطت قلوبهم بشاشةُ الإيمان : { وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَاتِ ٱلرَّسُولِ أَلاۤ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . أما المؤمنون بالله واليوم الآخر ، والّذين يتخذون الانفاق في سبيل الله وسيلةً يتقربون بها إلى الله ، وسبباً لدعاء الرسول لهم ( اذ كان يدعو للمتصدقين بالخير والبركة ، ويستغفر لهم ) فإن ما ينفقونه في ، الخير وصلوات الرسول عليهم - قُربةٌ عظيمة قد تقبّلها الله وأثاب عليها ، وسيُدخلُهم في رحمته الواسعة ، فهو واسع المغفرة لمن يخلصون في أعمالهم . قراءات : قرأ ابن كثير وابو عمرو : " السوء " بضم السين . والباقون : " السوء " بفتح السين . وقرأ ورش واسماعيل عن نافع : " انها قربة " بضم القاف والراء والباقون : " قربة " باسكان الراء .