Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 25-27)

Tafsir: Taysīr at-tafsīr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

مواطن : جمعَ موطن وهو مقر الانسان ومحل اقامته . والمراد هنا الاماكن التي نصروا فيها . حُنين : واد بين مكة والطائف على ثلاثة اميال من الطائف . لم تغن عنكم شيئا : لم تنفع ولم تدفع عنكم شيئا . رحبت : اتسعت . مدبرين : هاربين . السكينة : الطمأنينة . { لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ } . لقد نصركم اللهُ أيها المؤمنون على أعدائكم في كثيرٍ من المواقع بقوة إيمانكم ، وخالصِ نيّاتكم ، لا بكثرةِ عَددكم ولا بقُوتّكم . { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } . وحين غرّتكُم كثرتكم في معركة حُنين ، ترككم اللهُ لأنفسِكم أولَ الأمر ، فلم تنفعْكم كثرتكم ، شيئا ، ولشدّة الخوف والفزَع ضاقت عليكم الأرضُ على اتّساعها ، فلم تجدوا وسليةً للنجاة إلا الهربَ والفرار من العدوّ ، فولَّيتم منهزمين ، وتركتم رسول الله في قلة من المؤمنين . وقد كانت وقعة حُنين بعد فتح مكة في شوّال سنة ثمانٍ من الهجرة . فبعد ان فرغ النبيّ من فتحِ مكة ، بلغة ان هوازن جمعوا له ليقاتلوه ، كما انضمّ إليهم بنو ثَقِيف وبنو جُشم ، وبنو سعد بن بكر ، وبعضُ بني هلال ، واناس من بني عمرو بن عامر ، وكان اميرهم مالك بن عوف النضري . وكان عدد جيشِ المسلمين عشرةَ آلاف من المهاجرين والأنصار وقبائل العرب ، مع ألفين من الذين أسلموا من أهل مكة . وكان عدد هوازن ومن معها أربعةَ آلاف مقاتل ، ومعهم نساؤهم وولدانهم وجميع ما يملكون من شاءٍ ونعم . " خرج الرسول الكريم بهذا الجيشِ في غَلَس الصبح ، وانحدروا بوادي حُنين . وكان جيش العدو قد سبقهم الى احتلال مَضايِقِه ، وكَمَن لهم فيها وما إن وصل المسلمون قلب الوادي ، حتى أمطرهم العدو بوابلٍ من سهامه ، واصلتوا السيوف ، وحملوا حَمْلَة رجلٍ واحد . فكانت مفاجأة أذهلت المسلين حتى فرّ معظمهم . وثبت رسول الله وهو راكب بغلته الشهباء وعمُّه العباس آخذٌ بركابها الأيمن ، وابو سفيان بن الحارث ابنُ عمّه آخذٌ بركابها الأيسر ، ويحيط به أبو بكر وعمر وعلي بن أبي طالب والفضل بن العباس ، وايمن بن ام ايمن ، ونوفل بن الحارث ، والمغيرة بن الحارث ، وربيعة بن الحارث … وكلّهم أبناء عم الرسول ، واسامةُ بن زيد وغيرهم نحو مائة رجل ، والنبيّ عليه الصلاة والسلام يدعو المسلمين إِلى الرجوع ويقول : إِليّ يا عبادّ الله ، إليّ أنا رسولُ الله ويقول : أنا النبيّ لا كذِبْ ، أَنا ابنُ عبد المطّلب ثم امر العباسَ بن عبد المطلب ، وكان جهير الصوت ، أن يناديَ بأعلى صوته : يا أصحابَ الشجَرة ، يعني شجرةَ بَيْعة الرّضوان التي بايعه المسلمون من المهاجرين والأَنصار تحتها . فجعل العباسُ يناديهم ، وتارة يقول يا أصحاب سورة البقرة . فصار الناس يقولون لبّيك لبيك ، وانعطفوا وتراجعوا إِلى رسول الله . ولما تكامل جمْعُهم شدّوا على الكفار بقوة وصدق وحملوا علهيم فانهزم المشركون . واتّبعهم المسلمون يقتُلون فيهم ويأسِرون ، وغنموا جميع ما معهم من نَعَمٍ ونساءٍ وأطفال . وهكذا التقى الفريقان : المؤمنون بكثرتِهم وقد أعجبتْهم ، والمشركون بقلّتهم العنيفة ، وكانت الجولةُ في بدء المعركة للمشرِكين ، لغُرور المسلمين وعدم احتياطهم . ولكن المعركة انتهت بنصر المؤمنين . والعبرة في هذه الغزوة أن الكثرةَ العددية ليست عاملَ النصر ، وإنما هو القوةُ المعنوية ، والإِيمان بالله والصدق والإِخلاصُ في العمل " . { ثُمَّ أَنَزلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَذٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ } . ثم أدركتْكُم عنايةُ الله ، فأنزلَ الطمأنينةَ على رسوله وعلى المؤمنون فملأ بها قلوبهم . كما أنزلَ مع السَّكينة جنوداً لم تروْها بأبصاركم ، فثّبت أقدامَكم فانتصرتم ، وعذّب الذين كفروا بالقتل والسبي والأسر . وقد أذاقهم اللهُ مرارةَ الهزيمة ، وذلك جزاء الكافرين في الدنيا ، وجزاؤهم في الآخرة اعظم . { ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } . ثم يقبلُ الله توبةَ من يشاء من عباده فيغفرُ ذنبه ، إذا رجع عنه مخلصاً ، واللهُ عظيم المغفرة واسعُ الرحمة ، وبابُ الرحمة مفتوح دائما لمن يخطئ ثم يتوب . روى البخاري عن المسور بن مخرمة : " أن ناساً من هَوازن جاءوا رسول الله وبايعوه على الاسلام وقالوا : يا رسولَ الله ، أنتَ خير الناس وأبرُّ الناس ، وقد سُبي أهلونا واولادنا وأُخذت أموالُنا ، فقال عليه الصلاة والسلام : اختاروا إما ذراريكم ونساءَكم ، واما أموالكم ، قالوا ما نعدل الأحساب شيئا ، فرد ذراريهم ونساءهم " .