Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 53-57)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
طوعا : بارادتهم . كرها : من غير ارادتهم . تزهق انفهسم : تخرج بصعوبة . يَفرقون : يخافون بشدة . ملجأ : مكان يتحصنون به . مغارات : جمع مغارة ، معروفة . مدخلا : سربا في الارض يدخله الانسان بشدة . يجمحون : يسرعون اسراعا لا يردهم شيء . يقال جمع الرجل : ركب هواه فلا يرده شيء . { قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ } . بعد ان بيّن الله تعالى أعذار المنافقين الكاذبة ، وتعللاتِهم الباطلةَ في التخلُّفِ عن الجهاد ، وما يجول في نفوسِهم من كراهتهم للرسول اصحابه ، وأنهم يتربَّصون بهم الدوائر - بيَّن هنا أنّ بعضَ هؤلاء المتربِّصين من المنافقين قد عَرَضَ ماله ، وهو يعتذر عنه الجهاد ، فردَّ الله عليهم مناورتهم ، وكلّف رسوله ان يعلن ان إنفاقَهم غيرُ مقبولٍ عند الله . قل ايها الرسول للمنافقين : أنفِقوا ما شِئتُم طائعينَ او مُكْرَهين فلن يتقبل الله عملَكم الذي أحبطَهُ نفاقُكم ، لأنكم قومٌ فاسقون خارِجون من دائرة الايمان . { وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِه } . وما منع اللهَ من قبول نفقاتِهم إلا كُفرهم بالله ، وكفرهم برسوله وما جاء به من الهدى . { وَلاَ يَأْتُونَ ٱلصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ } . ولا يصلُّون إلا رياءً وتِقِيَّة ، لا إيماناً بوجُوبها . فهم يؤدّونها غير مُقْلِلين عليها ، سَتْراً لِنفاقهم ، ويؤدونها متثاقلين كسالى لا تنشرح لها نفوسُهم ولا تنشَط لها أبدانهم ، ولا يُنفقون أموالهم في مصالح الجهاد وغيره إلا وهم كارهون لذلك . هذه صورة المنافقين في كل آن ، خوفٌ ومداراة ، وقلبٌ منحرف ، وضمير مدخول ، { يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } " سورة الفتح " . قراءات : قرأ حمزة والكسائي " وما منعهم ان يقبل منهم نفقاتهم " بالياء . { فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } . فلا تعجبْك ايها الرسول اموالُهم ولا أولادهم وما هم فيه من نِعم وخيرات ، فان الله تعالى جعلَ هذه الاموالَ حسراتٍ عليهم ، لأنهم لا ينتفِعوا بها في الحياة الدنيا ، ولن يؤْجَروا عليها في الآخرة . اما الأولاد فإنهم اعتنقوا الاسلامَ وأخلَصوا له ، فكان ذلك أشدَّ حسرةً على آبائهم ، ولا شيء أشدُّ على الوالد من ان يكون ولده على غير دينه . وكان عبد الله بن عبد الله ابن أُبَيّ من اكبر المسلمين المتحمسين للاسلام ، وقد عرض على الرسول الكريم ان يَقتُلَ أباه ، فلم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم . وهذا معنى : انما يريدُ الله ليعذِّبَهم بها في الحياةِ الدنيا . { وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ } . وتخرج أرواحُهم بصعوبة وشدة حين يموتون على الكفر فيعذّبهم اللهُ بكفرِهم في الآخرة كما عذّبَهم بأموالِهم وأولادهم في الدنيا . وبعد ان بين الله حالة المنافقين وفضحَهم بأنهم يُظهرون غير ما يضمرون ، ذكر هنا غلوَّهم في النفاق ، فقال : { وَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ } . يُقسم هؤلاء المنافقون كَذِباً بأنهم مؤمنون مثلكم وأنهم منكم ، والحقيقة أنهم ليسوا مؤمنين بالله ، وليسوا منكم ، لكنّهم قومٌ يخافونكم ، مما يدفعهم الى النفاق . لقد ملأ الرعب قلوبهم ، فلا يدرون ماذا يفعلون ، واين يتوجهون او يختبئون ؟ وهذا ما تعبر عنهم الآية الكريمة الآتية : { لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ } . وانهم لشدة كرههم للقتال معكم ، ولبغضهم معاشرتكم ، ولشدة جبنهم وخوفهم من ظهور نفاقهم لكم - يتمنون الفرار منكم والعيش في اي مكان يعتصمون به ، فهم متطلعون أبداً الى مخبأ يجمعهم ، ويأمنون فيه ، وليكن حصناً او مغارة او سردابا ضيقا . انهم مذعورون يطاردهم الفزغ الداخلي والجبن الروحي ، ولذلك يحلفون بالله إنهم منكم ، ليتقوا انكشاف طويتهم ، ولكن الله لا يخفى عليه شيء .