Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 9-15)
Tafsir: Taysīr at-tafsīr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يعود الله تعالى في هذه الآيات لاستنكار مبدأ التعاهد بأسبابه التاريخية والواقعية بعد ان استنكر باسبابه العقيدية والايمانية ، ويجمع بين هذه وتلك في هذه الآيات . فيقول عنهم انهم استبدلو بآيات اللهِ عَرَضاً قليلا من حُطام الدنيا ، وصدّوا بسبب هذا الشِراء الخسيس أنُفسَهم عن الإسلام ومنعوا الناسَ عن الدخول فيه { إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ألا لقد قَبُح ، عملهم هذا ، من اشتراء الكفر بالايمان ، والضلالة بالهدى ، ونكران ما جاء رسول الله به من البينات . ثم إنهم لا يُضمرون هذا الحقدَ لأشخاصكم فقط ، بل يضمرونه لكل مؤمن ، ويتّبعون هذا المنكر مع كل مسلم ، ولا يراعون فيكم عهداً . { لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُعْتَدُونَ } . من اجل هذا الكفر لايحترمون لمؤمن قرابةً ولا عهدا . ذلك ان سمة العدوان أصيلة فيهم ، فمن شانهم عدم التقيد بالعهود ، بحكم عنادهم وكفرهم وكراهيتهم للايمان . ولا علاج لهؤلاء أبداً الا إجبارهم على الرجوع عن الكفر ، والاعتصام بالإيمان . ثم بين الله كيف يقابل المؤمنون هذه الحال الواقعة من المشركين : { فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَنُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } اذا رجع هؤلاء المشركون الذين أُمرتم بقتالهم عن شِركهم ، والتزموا أحكام الاسلام باقامة الصلاة وايتاء الزكاء - فهم إخوانكم في الدين ، لهم ما لكم ، والله يفصّل هذه الأحكام ويبيّنها لمَن يدركُها ويدركُ حِكمتها من الذين يعلمون ، وهم المؤمنون . { وَإِن نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوۤاْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ } . وان نكثَ هؤلاء ما أبرمتْه أيمانُهم بالوفاء بالعهد الذي عقدوه معكم ، وعابوا دينكم وصدّوا الناس عنه ، فقاتِلوهم ، انهم أئمة الكفر ، لأنهم لا عهدَ لهم ولا ذمة ، قاتِلوهم رجاءَ ان ينتهوا عن الكفر ونقضِ الأيمان والعهود . ومع ان هذه النصوص كانت في المشركين ، زمن الرسول الكريم ، فيه مستمرة مع أئمة الكفر في كل زمان ومكان . خذ اليهود اليوم ، إنهم هم المعتدون ، تساندهم قوى الغرب المستبدّة الآثمة ، وكلهم اعداء الانسانية والاسلام ، فعلينا ان نصحو من سابتنا ، ونستعدّ ، واكبر سلاح لنا هو الايمان بالله وبقضيتنا العادلة واتحادنا . ثم اعاد الله الكرَّة بإقامة الأدلة على وجوب قتال الناكثين للعهد المعتدين : { أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ؟ } . فاتِلوا هؤلاء المشركين لأسباب ثلاثة . اولا : أنهم نكثوا الأيمان التي حلفوها لتأكيدِ عهدهم الذي عقدوه يوم صُلْح الحديبية . ثانيا : أنهم همُّوا بإخراج الرسول الكريم من مكة ، وأرادوا قتْلَه بأيدي عُصْبة من بطون قريش ليتفرق دمه في القبائل فتتعذر المطالبة به . ثالثا : أنهم بدأوا بقتال المؤمنين في بدرٍ حين قالوا بعد العلم بنجاة قافلتهم : لا ننصرف حتى نستأصلَ محمداً وأصحابه ، وكذلك قاتَلوكم في أحُد والخندقِ وغيرهما . { أَتَخْشَوْنَهُمْ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُمْ مُّؤُمِنِينَ } . بعد هذا كله ، أتتركون قتالهم خوفاً وجبناً منكم ! ان الله أحقّ ان تخشوا مخالفة امره وأن تخافوه ان كنتم صادقين في إيمانكم . ثم يحرض الله المؤمنين على القتال بقوله : { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } . قاتِلوهم ايها المؤمنون ولا تخافوا ، ان الله سوف يعذّبهم على أيديكم ، ويذلّهم بالأسر لكم ، وسوف ينصركم عليهم حتى لا تقوم لهم قائمة بعد هذه ، ويَشْفي صدرو أناس منكم نالوا من أذاهم قدرا كبيرا لم تكونا تستطيعون دفعه … انه سوف يشفي تلك النفوس من غيظها المكظوم ، بانتصار الحق كاملا ، وهزيمة الباطل . { وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ } . بانتصاركم عليهم سيملأ الله قلوب المؤمنين فرحا ، ويذهب عنهم الغيظ الذي كان قد وَقَر فيها من غدر المشركين وظلُمهم . { وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } . ويقبل الله توبة من يشاء منهم ، وهو العليم بشؤون عباده ، الحكيم فيما يشرّع لهم من الاحكام .