Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 19-20)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى مخبراً عما جرى ليوسف عليه السلام حين ألقاه إخوته وتركوه في ذلك الجب وحيداً فريداً ، فمكث في البئر ثلاثة أيام ، فيما قاله أبو بكر بن عياش ، وقال محمد بن إسحاق لما ألقاه إخوته ، جلسوا حول البئر يومهم ذلك ، ينظرون ماذا يصنع ، وما يصنع به ، فساق الله له سيارة ، فنزلوا قريباً من تلك البئر ، وأرسلوا واردهم ، وهو الذي يتطلب لهم الماء ، فلما جاء ذلك البئر ، وأدلى دلوه فيها ، تشبث يوسف عليه السلام فيها ، فأخرجه واستبشر به ، وقال { يٰبُشْرَىٰ هَـٰذَا غُلاَمٌ } . وقرأ بعض القراء يا بشراي فزعم السدي أنه اسم رجل ناداه ذلك الرجل الذي أدلى دلوه معلماً له أنه أصاب غلاماً ، وهذا القول من السدي غريب لأنه لم يسبق إلى تفسير هذه القراءة بهذا إلا في رواية عن ابن عباس ، والله أعلم ، وإنما معنى القراءة على هذا النحو يرجع إلى القراءة الأخرى ، ويكون قد أضاف البشرى إلى نفسه ، وحذف ياء الإضافة ، وهو يريدها كما تقول العرب يا نفس اصبري ، ويا غلام أقبل ، بحذف حرف الإضافة ، ويجوز الكسر حينئذ والرفع ، وهذا منه ، وتفسرها القراءة الأخرى يا بشراي والله أعلم . وقوله { وَأَسَرُّوهُ بِضَـٰعَةً } أي وأسره الواردون من بقية السيارة ، وقالوا اشتريناه وتبضعناه من أصحاب الماء مخافة أن يشاركوهم فيه إذا علموا خبره ، قاله مجاهد والسدي وابن جرير ، هذا قول ، وقال العوفي عن ابن عباس قوله { وَأَسَرُّوهُ بِضَـٰعَةً } يعني إخوة يوسف أسروا شأنه ، وكتموا أن يكون أخاهم ، وكتم يوسف شأنه مخافة أن يقتله إخوته ، واختار البيع ، فذكره إخوته لوارد القوم ، فنادى أصحابه { يٰبُشْرَىٰ هَـٰذَا غُلاَمٌ } يباع ، فباعه إخوته . وقوله { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } أي عليم بما يفعله إخوة يوسف ومشتروه ، وهو قادر على تغيير ذلك ودفعه ، ولكن له حكمة وقدر سابق ، فترك ذلك ليمضي ما قدره وقضاه { أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } الأعراف 54 وفي هذا تعريض لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم وإعلام له بأني عالم بأذى قومك لك ، وأنا قادر على الإنكار عليهم ، ولكني سأملي لهم ، ثم أجعل لك العاقبة والحكم عليهم ، كما جعلت ليوسف الحكم والعاقبة على إخوته . وقوله { وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَٰهِمَ مَعْدُودَةٍ } يقول تعالى وباعه إخوته بثمن قليل . قاله مجاهد وعكرمة ، والبخس هو النقص كما قال تعالى { فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً } الجن 13 أي اعتاض عنه إخوته بثمن دون قليل ، ومع ذلك كانوا فيه من الزاهدين ، أي ليس لهم رغبة فيه ، بل لو سألوه بلا شيء لأجابوا . قال ابن عباس ومجاهد والضحاك إن الضمير في قوله { وَشَرَوْهُ } عائد على إخوة يوسف . وقال قتادة بل هو عائد على السيارة . والأول أقوى لأن قوله { وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَٰهِدِينَ } إنما أراد إخوته ، لا أولئك السيارة لأن السيارة استبشروا به ، وأسروه بضاعة ، ولو كانوا فيه زاهدين ، لما اشتروه ، فترجح من هذا أن الضمير في { وَشَرَوْهُ } إنما هو لإخوته . وقيل المراد بقوله { بَخْسٍ } الحرام . وقيل الظلم ، هذا وإن كان كذلك ، لكن ليس هو المراد هنا لأن هذا معلوم يعرفه كل أحد أن ثمنه حرام على كل حال ، وعلى كل أحد لأنه نبي ابن نبي ابن نبي ابن خليل الرحمن ، فهو الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ، وإنما المراد هنا بالبخس الناقص ، أو الزيوف ، أو كلاهما ، أي إنهم إخوته ، وقد باعوه ، ومع هذا بأنقص الأثمان ، ولهذا قال { دَرَٰهِمَ مَعْدُودَةٍ } ، فعن ابن مسعود رضي الله عنه باعوه بعشرين درهماً ، وكذا قال ابن عباس ونوف البكالي والسدي وقتادة وعطية العوفي ، وزاد اقتسموها درهمين درهمين . وقال مجاهد اثنان وعشرون درهماً . وقال محمد بن إسحاق وعكرمة أربعون درهماً . وقال الضحاك في قوله { وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَٰهِدِينَ } وذلك أنهم لم يعلموا نبوته ومنزلته عند الله عز وجل ، وقال مجاهد لما باعوه ، جعلوا يتبعونهم ، ويقولون لهم استوثقوا منه لا يأبق ، حتى وقفوه بمصر ، فقال من يبتاعني وليبشر ؟ فاشتراه الملك ، وكان مسلماً .