Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 20-24)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى مخبراً عمن اتصف بهذه الصفات الحميدة بأن لهم عقبى الدار ، وهي العاقبة والنصرة في الدنيا والآخرة { ٱلَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَلاَ يَنقُضُونَ ٱلْمِيثَـٰقَ } وليسوا كالمنافقين الذين إِذا عاهد أحدهم غدر ، وإذا خاصم فجر ، وإذا حدث كذب ، وإذا ائتمن خان { وَٱلَّذِينَ يَصِلُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ } من صلة الأرحام والإحسان إليهم ، وإلى الفقراء والمحاويج ، وبذل المعروف ، { وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ } أي فيما يأتون وما يذرون من الأعمال ، ويراقبون الله في ذلك ، ويخافون سوء الحساب في الدار الآخرة ، فلهذا أمرهم على السداد والاستقامة في جميع حركاتهم وسكناتهم ، وجميع أحوالهم القاصرة والمتعدية { وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ٱبْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ } أي عن المحارم والمآثم ، ففطموا أنفسهم عنها لله عز وجل ابتغاء مرضاته وجزيل ثوابه { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ } بحدودها ومواقيتها وركوعها وسجودها وخشوعها ، على الوجه الشرعي المرضي { وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ } أي على الذين يجب عليهم الإنفاق لهم من زوجات وقرابات ، وأجانب من فقراء ومحاويج ومساكين { سِرًّا وَعَلاَنِيَةً } أي في السر والجهر ، لم يمنعهم من ذلك حال من الأحوال ، آناء الليل وأطراف النهار { وَيَدْرَءُونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ } أي يدفعون القبيح بالحسن ، فإذا آذاهم أحد قابلوه بالجميل صبراً واحتمالاً ، وصفحاً وعفواً كقوله تعالى { وَلاَ تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظِّ عَظِيمٍ } فصلت34 - 35 ، ولهذا قال مخبراً عن هؤلاء السعداء المتصفين بهذه الصفات الحسنة بأن لهم عقبى الدار ، ثم فسر ذلك بقوله { جَنَّاتِ عَدْنٍ } والعدن الإقامة ، أي جنات إقامة يخلدون فيها ، وعن عبد الله بن عمرو أنه قال إن في الجنة قصراً يقال له عدن ، حوله البروج والمروج ، فيه خمسة آلاف باب ، على كل باب خمسة آلاف حبرة ، لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد . وقال الضحاك في قوله { جَنَّاتِ عَدْنٍ } مدينة الجنة ، فيها الرسل والأنبياء والشهداء وأئمة الهدى ، والناس حولهم بعد ، والجنات حولها ، رواهما ابن جرير . وقوله { وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ءَابَائِهِمْ وَأَزْوَٰجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ } أي يجمع بينهم وبين أحبابهم فيها من الآباء والأهلين والأبناء ، ممن هو صالح لدخول الجنة من المؤمنين لتقر أعينهم بهم ، حتى إنه ترفع درجة الأدنى إلى درجة الأعلى امتناناً من الله وإحساناً من غير تنقيص للأعلى عن درجته ، كما قال تعالى { وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَـٰنٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } الطور 21 الآية . وقوله { وَالمَلَـٰئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلَـٰمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } أي وتدخل عليهم الملائكة من ههنا ومن ههنا للتهنئة بدخول الجنة ، فعند دخولهم إياها تفد عليهم الملائكة مُسَلِّمين ، مهنئين لهم بما حصل لهم من الله من التقريب والإنعام والإقامة في دار السلام في جوار الصديقين والأنبياء والرسل الكرام . وقال الإمام أحمد رحمه الله حدثنا أبو عبد الرحمن ، حدثني سعيد بن أبي أيوب ، حدثنا معروف بن سويد الحراني عن أبي عشانة المعافري ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " هل تدرون أول من يدخل الجنة من خلق الله ؟ " قالوا الله ورسوله أعلم . قال " أول من يدخل الجنة من خلق الله الفقراء المهاجرون الذين تسد بهم الثغور ، وتتقى بهم المكاره ، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء ، فيقول الله تعالى لمن يشاء من ملائكته ائتوهم فحيوهم ، فتقول الملائكة نحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك ، أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء ونسلم عليهم ؟ فيقول إنهم كانوا عباداً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ، وتسد بهم الثغور ، وتتقى بهم المكاره ، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء - قال - فتأتيهم الملائكة عند ذلك فيدخلون عليهم من كل باب { سَلَـٰمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } " ورواه أبو القاسم الطبراني عن أحمد بن رشدين ، عن أحمد بن صالح ، عن عبد الله بن وهب ، عن عمرو بن الحارث ، عن أبي عُشّانة ، سمع عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أول ثلة يدخلون الجنة فقراء المهاجرين الذين تتقى بهم المكاره ، وإذا أمروا سمعوا وأطاعوا ، وإن كانت لرجل منهم حاجة إلى سلطان لم تقض حتى يموت وهي في صدره ، وإن الله يدعو يوم القيامة الجنة ، فتأتي بزخرفها وزينتها ، فيقول أين عبادي الذين قاتلوا في سبيلي ، وأوذوا في سبيلي ، وجاهدوا في سبيلي ؟ ادخلوا الجنة بغير عذاب ولا حساب . وتأتي الملائكة فيسجدون ويقولون ربنا نحن نسبح بحمدك الليل والنهار ، ونقدس لك ، من هؤلاء الذين آثرتهم علينا ؟ فيقول الرب عز وجل هؤلاء عبادي الذين جاهدوا في سبيلي ، وأوذوا في سبيلي ، فتدخل عليهم الملائكة من كل باب { سَلَـٰمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } " وقال عبد الله بن المبارك عن بقية بن الوليد حدثنا أرطاة بن المنذر ، سمعت رجلاً من مشيخة الجند يقال له أبو الحجاج يقول جلست إلى أبي أمامة فقال إن المؤمن ليكون متكئاً على أريكته إذا دخل الجنة ، وعنده سماطان من خدم ، وعند طرف السماطين باب مبوب ، فيقبل الملك ، فيستأذن ، فيقول للذي يليه ملك يستأذن ، ويقول الذي يليه للذي يليه ملك يستأذن ، حتى يبلغ المؤمن ، فيقول ائذنوا ، فيقول أقربهم للمؤمن ائذنوا له ، ويقول الذي يليه للذي يليه ائذنوا له ، حتى يبلغ أقصاهم الذي عند الباب ، فيفتح له ، فيدخل فيسلم ثم ينصرف ، رواه ابن جرير . ورواه ابن أبي حاتم من حديث إسماعيل بن عياش ، عن أرطاة بن المنذر عن أبي الحجاج يوسف الألهاني قال سمعت أبا أمامة ، فذكر نحوه . وقد جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يزور قبور الشهداء في رأس كل حول ، فيقول لهم { سَلَـٰمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ } وكذلك أبو بكر وعمر وعثمان .