Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 38-40)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان قال فلما رجعت إليها الرسل بما قال سليمان ، قالت قد والله عرفت ما هذا بملك ، وما لنا به من طاقة ، وما نصنع بمكابرته شيئاً ، وبعثت إليه إني قادمة عليك بملوك قومي لأنظر ما أمرك ، وما تدعونا إليه من دينك ، ثم أمرت بسرير ملكها الذي كانت تجلس عليه ، وكان من ذهب مفصص بالياقوت والزبرجد واللؤلؤ ، فجعل في سبعة أبيات ، بعضها في بعض ، ثم أقفلت عليه الأبواب ، ثم قالت لمن خلفت على سلطانها احتفظ بما قبلك وسرير ملكي ، فلا يخلص إليه أحد من عباد الله ، و لايرينه أحد حتى آتيك ، ثم شخصت إلى سليمان في اثني عشر ألف قيل من ملوك اليمن ، تحت يدي كل قيل منهم ألوف كثيرة ، فجعل سليمان يبعث الجن يأتونه بمسيرها ومنتهاها كل يوم وليلة ، حتى إذا دنت ، جمع من عنده من الجن والإنس ممن تحت يده فقال { يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } . وقال قتادة لما بلغ سليمان أنها جائية ، وكان قد ذكر له عرشها فأعجبه ، وكان من ذهب ، وقوائمه لؤلؤ وجوهر ، وكان مستراً بالديباج والحرير ، وكانت عليه تسعة مغاليق ، فكره أن يأخذه بعد إسلامهم . وقد علم نبي الله أنهم متى أسلموا ، تحرم أموالهم ودماؤهم ، فقال { يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } وهكذا قال عطاء الخراساني والسدي وزهير بن محمد { قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } ، فتحرم علي أموالهم بإسلامهم { قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن ٱلْجِنِّ } قال مجاهد أي مارد من الجن ، قال شعيب الجبائي وكان اسمه كوزن ، وكذا قال محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان ، وكذا قال أيضاً وهب بن منبه . قال أبو صالح وكان كأنه جبل { أَنَاْ ءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ } قال ابن عباس رضي الله عنه يعني قبل أن تقوم من مجلسك . وقال مجاهد مقعدك ، وقال السدي وغيره كان يجلس للناس للقضاء والحكومات وللطعام ، من أول النهار إلى أن تزول الشمس ، { وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ } قال ابن عباس أي قوي على حمله ، أمين على ما فيه من الجوهر ، فقال سليمان عليه الصلاة والسلام أريد أعجل من ذلك ، ومن ههنا يظهر أن سليمان أراد بإحضار هذا السرير إظهار عظمة ما وهب الله له من الملك ، وما سخر له من الجنود الذي لم يعطه أحد قبله ، ولا يكون لأحد من بعده ، وليتخذ ذلك حجة على نبوته عند بلقيس وقومها لأن هذا خارق عظيم أن يأتي بعرشها كما هو من بلادها قبل أن يقدموا عليه ، هذا وقد حجبته بالأغلاق والأقفال والحفظة . فلما قال سليمان أريد أعجل من ذلك ، { قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَـٰبِ } قال ابن عباس وهو آصف كاتب سليمان ، وكذا روى محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان أنه آصف بن برخياء . وكان صديقاً يعلم الاسم الأعظم . وقال قتادة كان مؤمناً من الإنس ، واسمه آصف ، وكذا قال أبو صالح والضحاك وقتادة إنه كان من الإنس ، زاد قتادة من بني إسرائيل . وقال مجاهد كان اسمه أسطوم . وقال قتادة في رواية عنه كان اسمه بليخا ، وقال زهير بن محمد هو رجل من الإنس ، يقال له ذو النور . وزعم عبد الله بن لهيعة أنه الخضر ، وهو غريب جداً . وقوله { أَنَاْ ءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } أي ارفع بصرك وانظر ، مد بصرك مما تقدر عليه ، فإنك لا يكل بصرك إلا وهو حاضر عندك ، وقال وهب بن منبه امدد بصرك ، فلا يبلغ مداه حتى آتيك به ، فذكروا أنه أمره أن ينظر نحو اليمن التي فيها هذا العرش المطلوب ، ثم قام فتوضأ ودعا الله تعالى . قال مجاهد قال يا ذا الجلال والإكرام . وقال الزهري قال يا إلهنا وإله كل شيء ، إلهاً واحداً لا إله إلا أنت ، ائتني بعرشها . قال فمثل بين يديه ، قال مجاهد وسعيد ابن جبير ومحمد بن إسحاق وزهير بن محمد وغيرهم لما دعا الله تعالى ، وسأله أن يأتيه بعرش بلقيس ، وكان في اليمن ، وسليمان عليه السلام ببيت المقدس ، غاب السرير وغاص في الأرض ، ثم نبع من بين يدي سليمان . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لم يشعر سليمان إلاَّ وعرشها يحمل بين يديه ، قال وكان هذا الذي جاء به من عباد البحر ، فلما عاين سليمان وملؤه ذلك ، ورآه مستقراً عنده ، { قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي } أي هذا من نعم الله عليّ { لِيَبْلُوَنِيۤ } أي ليختبرني { ءَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ } كقوله { مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا } فصلت 46 وكقوله { وَمَنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ } الروم 44 . وقوله { وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } أي هو غني عن العباد وعبادتهم ، كريم ، أي كريم في نفسه ، وإن لم يعبده أحد فإن عظمته ليست مفتقرة إلى أحد ، وهذا كما قال موسى { إِن تَكْفُرُوۤاْ أَنتُمْ وَمَن فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِىٌّ حَمِيدٌ } إبراهيم 8 وفي " صحيح مسلم " " يقول الله تعالى يا عبادي لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم وجنكم ، كانوا على أتقى قلب رجل منكم ، ما زاد ذلك في ملكي شيئاً . يا عبادي لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم وجنكم ، كانوا على أفجر قلب رجل منكم ، ما نقص ذلك من ملكي شيئاً . يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ، ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيراً ، فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك ، فلا يلومن إلاَّ نفسه " .