Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 118-120)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تبارك وتعالى ناهياً عباده المؤمنين عن اتخاذ المنافقين بطانة ، أي يطلعونهم على سرائرهم وما يضمرونه لأعدائهم ، والمنافقون بجهدهم وطاقتهم ، لا يألون المؤمنين خبالاً ، أي يسعون في مخالفتهم وما يضرهم بكل ممكن ، وبما يستطيعون من المكر والخديعة ، ويودّون ما يعنت المؤمنين ويحرجهم ويشق عليهم ، وقوله تعالى { لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ } أي من غيركم من أهل الأديان ، وبطانة الرجل هم خاصة أهله الذين يطلعون على داخلة أمره . وقد روى البخاري والنسائي وغيرهما ، من حديث جماعة ، منهم يونس ويحيى بن سعيد وموسى بن عقبة وابن أبي عتيق ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ما بعث الله من نبي ، ولا استخلف من خليفة ، إلا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالخير وتحضّه عليه ، وبطانة تأمره بالسوء وتحضه عليه ، والمعصوم من عصم الله " ، وقد رواه الأوزاعي ومعاوية بن سلام عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة مرفوعاً بنحوه ، فيحتمل أنه عند الزهري عن أبي سلمة عنهما . وأخرجه النسائي عن الزهري أيضاً ، وعلقه البخاري في صحيحه ، فقال وقال عبيد الله بن أبي جعفر عن صفوان بن سليم ، عن أبي سلمة ، عن أبي أيوب الأنصاري مرفوعاً فذكره ، فيحتمل أنه عند أبي سلمة عن ثلاثة من الصحابة ، والله أعلم . وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا أبو أيوب محمد بن الوزان ، حدثنا عيسى بن يونس عن أبي حيان التيمي ، عن أبي الزنباع ، عن ابن أبي الدهقانة ، قال قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه إن ههنا غلاماً من أهل الحيرة حافظ كاتب ، فلو اتخذته كاتباً ، فقال قد اتخذت إذاً بطانة من دون المؤمنين . ففي هذا الأثر مع هذه الآية دليل على أن أهل الذمة لا يجوز استعمالهم في الكتابة التي فيها استطالة على المسلمين ، وإطلاع على دواخل أمورهم التي يخشى أن يفشوها إلى الأعداء من أهل الحرب ، ولهذا قال تعالى { لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ } ، وقد قال الحافظ أبو يعلى حدثنا إسحاق بن إسرائيل ، حدثنا هشيم ، حدثنا العوام عن الأزهر بن راشد ، قال كانوا يأتون أنساً ، فإذا حدثهم بحديث لا يدرون ما هو ، أتوا الحسن ، يعني البصري ، فيفسره لهم ، قال فحدث ذات يوم عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال " لا تستضيئوا بنار المشركين ، ولا تنقشوا في خواتيمكم عربياً " فلم يدروا ما هو ، فأتوا الحسن ، فقالوا له إن أنساً حدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال " لا تستضيئوا بنار المشركين ، ولا تنقشوا في خواتيمكم عربياً " فقال الحسن أما قوله " لا تنقشوا في خواتيمكم عربياً " محمد صلى الله عليه وسلم ، وأما قوله " لا تستضيئوا بنار المشركين " يقول لا تستشيروا المشركين في أموركم . ثم قال الحسن تصديق ذلك في كتاب الله { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ } هكذا رواه الحافظ أبو يعلى رحمه الله تعالى ، وقد رواه النسائي عن مجاهد ابن موسى ، عن هشيم ، ورواه الإمام أحمد عن هشيم بإسناده مثله في غير ذكر تفسير الحسن البصري ، وهذا التفسير فيه نظر ، ومعناه ظاهر ، " لا تنقشوا في خواتيمكم عربياً " أي بخط عربي ، لئلا يشابه نقش خاتم النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان نقشه محمد رسول الله ، ولهذا جاء في الحديث الصحيح أنه نهى أن ينقش أحد على نقشه . وأما الاستضاءة بنار المشركين ، فمعناه لا تقاربوهم في المنازل بحيث تكونون معهم في بلادهم ، بل تباعدوا منهم ، وهاجروا من بلادهم ، ولهذا روى أبو داود " لا تتراءى ناراهما " وفي الحديث الآخر " من جامع المشرك أو سكن معه فهو مثله " فحمل الحديث على ما قاله الحسن رحمه الله ، والاستشهاد عليه بالآية فيه نظر ، والله أعلم . ثم قال تعالى { قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَٰهِهِمْ وَمَا تُخْفِى صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ } أي قد لاح على صفحات وجوههم ، وفلتات ألسنتهم من العداوة ، مع ما هم مشتملون عليه في صدورهم من البغضاء للإسلام وأهله ، ما لا يخفى مثله على لبيب عاقل ، ولهذا قال تعالى { قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَـٰتِ إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ } وقوله تعالى { هَآأَنتُمْ أُوْلاۤءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ } أي أنتم أيها المؤمنون تحبون المنافقين بما يظهرونه لكم من الإيمان ، فتحبونهم على ذلك ، وهم لا يحبونكم ، لا باطناً ولا ظاهراً ، { وَتُؤْمِنُونَ بِٱلْكِتَـٰبِ كُلِّهِ } أي ليس عندكم في شيء منه شك ولا ريب ، وهم عندهم الشك والريب والحيرة . وقال محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس { وَتُؤْمِنُونَ بِٱلْكِتَـٰبِ كُلِّهِ } أي بكتابكم وكتابهم ، وبما مضى من الكتب قبل ذلك ، وهم يكفرون بكتابكم ، فأنتم أحق بالبغضاء لهم منهم لكم ، رواه ابن جرير ، { وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوۤاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ } والأنامل أطراف الأصابع ، قاله قتادة . وقال الشاعر @ أَوَدُّ كما ما بَلَّ حَلْقِيَ ريقَتي وما حملَتْ كَفَّاي أنْمُلِيَ العَشْرا @@ وقال ابن مسعود والسدي والربيع بن أنس الأنامل الأصابع ، وهذا شأن المنافقين ، يظهرون للمؤمنين الإيمان والمودة ، وهم في الباطن بخلاف ذلك من كل وجه ، كما قال تعالى { وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ } وذلك أشد الغيظ والحنق . قال الله تعالى { قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } أي مهما كنتم تحسدون عليه المؤمنين ، ويغيظكم ذلك منهم ، فاعلموا أن الله متم نعمته على عباده المؤمنين ، ومكمل دينه ، ومعل كلمته ، ومظهر دينه ، فموتوا أنتم بغيظكم { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } أي هو عليم بما تنطوي عليه ضمائركم ، وتكنه سرائركم من البغضاء والحسد والغلّ للمؤمنين ، وهو مجازيكم عليه في الدنيا بأن يريكم خلاف ما تؤملون ، وفي الآخرة بالعذاب الشديد في النار التي أنتم خالدون فيها ، لا محيد لكم عنها ، ولا خروج لكم منها . ثم قال تعالى { إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا } وهذه الحال دالة على شدة العداوة منهم للمؤمنين ، وهو أنه إذا أصاب المؤمنين خصب ونصر وتأييد وكثروا وعز أنصارهم ، ساء ذلك المنافقين ، وإن أصاب المسلمين سنة ، أي جدب ، أو أديل عليهم الأعداء لما لله تعالى في ذلك من الحكمة كما جرى يوم أُحد فرح المنافقون بذلك ، قال الله تعالى مخاطباً عباده المؤمنين { وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً } الآية ، يرشدهم تعالى إلى السلامة من شر الأشرار وكيد الفجار باستعمال الصبر والتقوى ، والتوكل على الله الذي هو محيط بأعدائهم ، فلا حول ولا قوة لهم إلا به . وهو الذي ما شاء كان ، وما لم يشأ لم يكن ، ولا يقع في الوجود شيء إلا بتقديره ومشيئته ، ومن توكل عليه كفاه . ثم شرع تعالى في ذكر قصة أحد ، وما كان فيها من الاختبار لعباده المؤمنين . والتمييز بين المؤمنين ، والمنافقين ، وبيان صبر الصابرين ، فقال تعالى