Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 42-44)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا إخبار من الله تعالى بما خاطبت به الملائكة مريم عليها السلام عن أمر الله لهم بذلك ، أن الله قد اصطفاها ، أي اختارها لكثرة عبادتها وزهادتها وشرفها وطهارتها من الأكدار والوساوس ، واصطفاها ثانياً مرة بعد مرة لجلالتها على نساء العالمين ، قال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري ، عن سعيد ابن المسيب ، في قوله تعالى { إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَـٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصْطَفَـٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلْعَـٰلَمِينَ } قال كان أبو هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " خير نساء ركبن الإبل نساء قريش ، أحناه على ولد في صغره ، وأرعاه على زوج في ذات يده ، ولم تركب مريم بنت عمران بعيراً قط " ولم يخرجه من هذا الوجه سوى مسلم ، فإنه رواه عن محمد بن رافع وعبد بن حميد ، كلاهما عن عبد الرزاق به ، وقال هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عبد الله بن جعفر ، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " خير نسائها مريم بنت عمران ، وخير نسائها خديجة بنت خويلد " أخرجاه في الصحيحين من حديث هشام به مثله ، وقال الترمذي حدثنا أبو بكر بن زنجويه ، حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن قتادة ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، وآسية امرأة فرعون " تفرد به الترمذي وصححه ، قال عبد الله بن أبي جعفر الرازي ، عن أبيه ، قال كان ثابت البناني يحدث عن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " خير نساء العالمين أربع مريم بنت عمران ، وآسية امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت رسول الله " رواه ابن مردويه أيضاً . من طريق شعبة ، عن معاوية بن قرة ، عن أبيه ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء إلا ثلاث مريم بنت عمران ، وآسية امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد ، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام " وقال ابن جرير حدثني المثنى ، حدثنا آدم العسقلاني ، حدثنا شعبة ، حدثنا عمرو بن مرة ، سمعت مرة الهمداني ، يحدث عن أبي موسى الأشعري ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " كمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران ، وآسية امرأة فرعون " وقد أخرجه الجماعة إلا أبا داود من طرق عن شعبة به ، ولفظ البخاري " كمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ، ومريم بنت عمران ، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام " وقد استقصيت طرق هذا الحديث وألفاظه في قصة عيسى ابن مريم عليه السلام في كتابنا " البداية والنهاية " ، ولله الحمد والمنة . ثم أخبر تعالى عن الملائكة أنهم أمروها بكثرة العبادة والخشوع والركوع والسجود والدأب في العمل لما يريد الله بها من الأمر الذي قدره الله وقضاه مما فيه محنة لها ، ورفعة في الدارين بما أظهر الله فيها من قدرته العظيمة ، حيث خلق منها ولداً من غير أب ، فقال تعالى { يٰمَرْيَمُ ٱقْنُتِى لِرَبِّكِ وَٱسْجُدِى وَٱرْكَعِى مَعَ ٱلرَٰكِعِينَ } أما القنوت فهو الطاعة في خشوع ، كما قال تعالى { بَل لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَـٰنِتُونَ } البقرة 116 . وقد قال ابن أبي حاتم حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث ، أن دراجاً أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " كل حرف في القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطاعة " ورواه ابن جرير من طريق ابن لهيعة عن دراج به ، وفيه نكارة . وقال مجاهد كانت مريم عليها السلام تقوم حتى تتورم كعباها ، والقنوت هو طول الركود في الصلاة ، يعني امتثالاً لقول الله تعالى { يٰمَرْيَمُ ٱقْنُتِى لِرَبِّكِ } قال الحسن يعني اعبدي لربك ، { وَٱسْجُدِى وَٱرْكَعِى مَعَ ٱلرَٰكِعِينَ } أي كوني منهم . وقال الأوزاعي ركدت في محرابها راكعة وساجدة وقائمة ، حتى نزل الماء الأصفر في قدميها رضي الله عنها وأرضاها . وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمتها من طريق محمد بن يونس الكديمي ، وفيه مقال حدثنا علي بن بحر بن بري ، ثنا الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، في قوله { يٰمَرْيَمُ ٱقْنُتِى لِرَبِّكِ وَٱسْجُدِى } قال سجدت حتى نزل الماء الأصفر في عينيها . وذكر ابن أبي الدنيا حدثنا الحسن بن عبد العزيز ، ثنا ضمرة عن ابن شوذب ، قال كانت مريم عليها السلام ، تغتسل في كل ليلة . ثم قال تعالى لرسوله بعد ما أطلعه على جلية الأمر { ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ } أي نقصه عليك { وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلَـٰمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } أي ما كنت عندهم يا محمد فتخبرهم عنهم معاينة عما جرى ، بل أطلعك الله على ذلك كأنك حاضر وشاهد لما كان من أمرهم حين اقترعوا في شأن مريم أيهم يكفلها ، وذلك لرغبتهم في الأجر . قال ابن جرير حدثنا القاسم ، حدثنا الحسين ، حدثني حجاج عن ابن جريج ، عن القاسم بن أبي بزة ، أنه أخبره عن عكرمة ، وأبي بكر عن عكرمة ، قال ثم خرجت بها ، يعني أم مريم بمريم تحملها في خرقها إلى بني الكاهن بن هارون أخي موسى عليهما السلام ، قال وهم يومئذ يلون في بيت المقدس ما يلي الحجبة من الكعبة ، فقالت لهم دونكم هذه النذيرة ، فإني حررتها ، وهي ابنتي ، ولا تدخل الكنيسة حائض ، وأنا لا أردها إلى بيتي ، فقالوا هذه ابنة إمامنا وكان عمران يؤمهم في الصلاة وصاحب قرباننا ، فقال زكريا ادفعوها لي فإن خالتها تحتي ، فقالوا لا تطيب أنفسنا ، هي ابنة إمامنا ، فذلك حين اقترعوا عليها بأقلامهم التي يكتبون بها التوراة ، فقرعهم زكريا فكفلها . وقد ذكر عكرمة أيضاً والسدي وقتادة والريبع بن أنس وغير واحد ، دخل حديث بعضهم في بعض ، أنهم ذهبوا إلى نهر الأردن ، واقترعوا هنالك على أن يلقوا أقلامهم ، فأيهم يثبت في جَرْيَة الماء ، فهو كافلها ، فألقوا أقلامهم ، فاحتملها الماء ، إلا قلم زكريا ، فإنه ثبت ، ويقال إنه ذهب صُعُداً يشق جرية الماء ، وكان مع ذلك كبيرهم وسيدهم وعالمهم وإمامهم ونبيهم ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر النبيين .