Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 187-187)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-ʿaẓīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى { يَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ } كما قال تعالى { يَسْـئَلُكَ ٱلنَّاسُ عَنِ ٱلسَّاعَةِ } الأحزاب 63 قيل نزلت في قريش ، وقيل في نفر من اليهود ، والأول أشبه لأن الآية مكية ، وكانوا يسألون عن وقت الساعة استبعاداً لوقوعها ، وتكذيباً بوجودها ، كما قال تعالى { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ } يس 48 وقال تعالى { يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا ٱلْحَقُّ أَلاَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَي ٱلسَّاعَةِ لَفِي ضَلاَلَ بَعِيدٍ } الشورى 18 . وقوله { أَيَّانَ مُرْسَـٰهَا } قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس منتهاها ، أي متى محطها ، وأيان آخر مدة الدنيا الذي هو أول وقت الساعة ؟ { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ } أمر تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم إذا سئل عن وقت الساعة أن يرد علمها إلى الله تعالى ، فإنه هو الذي يجليها لوقتها ، أي يعلم جلية أمرها ، ومتى يكون على التحديد ، لا يعلم ذلك إلا هو تعالى ، ولهذا قال { ثَقُلَتْ فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله { ثَقُلَتْ فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } قال ثقل علمها على أهل السموات والأرض أنهم لا يعلمون ، قال معمر قال الحسن إذا جاءت ثقلت على أهل السموات والأرض ، يقول كبرت عليهم . وقال الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى { ثَقُلَتْ فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } قال ليس شيء من الخلق إلا يصيبه من ضرر يوم القيامة ، وقال ابن جريج { ثَقُلَتْ فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } قال إذا جاءت ، انشقت السماء ، وانتثرت النجوم ، وكورت الشمس ، وسيرت الجبال ، وكان ما قال الله عز وجل ، فذلك ثقلها ، واختار ابن جرير رحمه الله أن المراد ثقل علم وقتها على أهل السموات والأرض كما قال قتادة ، وهو كما قالاه كقوله تعالى { لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً } ولا ينفي ذلك ثقل مجيئها على أهل السموات والأرض ، والله أعلم . وقال السدي { ثَقُلَتْ فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } يقول خفيت في السموات والأرض ، فلا يعلم قيامها حين تقوم ملك مقرب ولا نبي مرسل { لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً } يبغتهم قيامها تأتيهم على غفلة . وقال قتادة في قوله تعالى { لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً } قضى الله أنها { لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً } قال وذكر لنا أن نبي الله كان يقول " إن الساعة تهيج بالناس ، والرجل يصلح حوضه ، والرجل يسقي ماشيته ، والرجل يقيم سلعته في السوق ، ويخفض ميزانه ويرفعه " وقال البخاري حدثنا أبو اليمان ، أنبأنا شعيب ، أنبأنا أبو الزناد عن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون ، فذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً ، ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما ، فلا يتبايعانه ولا يطويانه . ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه ، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه ، ولتقومن الساعة والرجل قد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها " وقال مسلم في صحيحه حدثني زهير بن حرب ، حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة يبلغ به ، قال " تقوم الساعة والرجل يحلب لقحته ، فما يصل الإناء إلى فيه حتى تقوم الساعة ، والرجلان يتبايعان الثوب ، فما يتبايعانه حتى تقوم الساعة ، والرجل يلوط حوضه ، فما يصدر حتى تقوم " وقوله { يَسْـئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِىٌّ عَنْهَا } اختلف المفسرون في معناه ، فقيل معناه كما قال العوفي عن ابن عباس { يَسْـئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِىٌّ عَنْهَا } يقول كأن بينك وبينهم مودة ، كأنك صديق لهم ، قال ابن عباس لما سأل الناس النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة ، سألوه سؤال قوم كأنهم يرون أن محمداً حفي بهم ، فأوحى الله إليه إنما علمها عنده ، استأثر به ، فلم يطلع الله عليها ملكاً مقرباً ، ولا رسولاً ، وقال قتادة قالت قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم إن بيننا وبينك قرابة فأسر إلينا متى الساعة ؟ فقال الله عز وجل { يَسْـئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِىٌّ عَنْهَا } وكذا روي عن مجاهد وعكرمة وأبي مالك والسدي ، وهذا قول ، والصحيح عن مجاهد من رواية ابن أبي نجيح وغيره { يَسْـئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِىٌّ عَنْهَا } قال استحفيت عنها السؤال حتى علمت وقتها ، وكذا قال الضحاك عن ابن عباس { يَسْـئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِىٌّ عَنْهَا } يقول كأنك عالم بها ، لست تعلمها { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ } . وقال معمر عن بعضهم { كَأَنَّكَ حَفِىٌّ عَنْهَا } كأنك عالم بها . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم { كَأَنَّكَ حَفِىٌّ عَنْهَا } كأنك بها عالم ، وقد أخفى الله علمها على خلقه ، وقرأ { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } لقمان 34 الآية ، وهذا القول أرجح في المقام من الأول ، والله أعلم ، ولهذا قال { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } . ولهذا لما جاء جبريل عليه السلام في صورة أعرابي ليعلم الناس أمر دينهم ، فجلس من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلس السائل المسترشد ، وسأله صلى الله عليه وسلم عن الإسلام ، ثم عن الإيمان ، ثم عن الإحسان ، ثم قال فمتى الساعة ؟ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل " أي لست أعلم بها منك ، ولا أحد بها من أحد ، ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم { إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ } لقمان 34 الآية . وفي رواية فسأله عن أشراط الساعة ، فبين له أشراط الساعة ، ثم قال " في خمس لا يعلمهن إلا الله " وقرأ هذه الآية ، وفي هذا كله يقول له بعد كل جواب صدقت ، ولهذا عجب الصحابة من هذا السائل يسأله ويصدقه ، ثم لما انصرف ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم " وفي رواية قال " وما أتاني في صورة إلا عرفته فيها ، إلا صورته هذه " وقد ذكرت هذا الحديث بطرقه وألفاظه من الصحاح والحسان والمسانيد في أول شرح البخاري ، ولله الحمد والمنة ، ولما سأله ذلك الأعرابي وناداه بصوت جهوري ، فقال يا محمد قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " هاؤم " على نحو من صوته ، قال يا محمد متى الساعة ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " ويحك إن الساعة آتية فما أعددت لها ؟ " قال ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام ، ولكنني أحب الله ورسوله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " المرء مع من أحب " فما فرح المسلمون بشيء فرحهم بهذا الحديث ، وهذا له طرق متعددة في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " المرء مع من أحب " وهي متواترة عند كثير من الحفاظ المتقنين ، ففيه أنه عليه السلام كان إذا سئل عن هذا الذي لا يحتاجون إلى علمه ، أرشدهم إلى ما هو الأهم في حقهم ، وهو الاستعداد لوقوع ذلك ، والتهيؤ له قبل نزوله ، وإن لم يعرفوا تعيين وقته . ولهذا قال مسلم في صحيحه حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا حدثنا أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها ، قالت كانت الأعراب إذا قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه عن الساعة متى الساعة ؟ فينظر إلى أحدث إنسان منهم ، فيقول " إن يعش هذا ، لم يدركه الهرم حتى قامت عليكم ساعتكم " يعني بذلك موتهم الذي يفضي بهم إلى الحصول في برزخ الدار الآخرة . ثم قال مسلم وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا يونس بن محمد عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن يعش هذا الغلام ، فعسى أن لا يدركه الهرم حتى تقوم الساعة " انفرد به مسلم . وحدثني حجاج بن الشاعر ، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا معبد بن هلال العنزي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال متى الساعة ؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم هنيهة ، ثم نظر إلى غلام بين يديه من أزد شنوءة ، فقال " إن عمر هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة " قال أنس ذلك الغلام من أترابي ، وقال حدثنا هارون بن عبد الله ، حدثنا عفان بن مسلم ، حدثنا همام ، حدثنا قتادة عن أنس قال مر غلام للمغيرة بن شعبة ، وكان من أترابي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إن يؤخر هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة " ورواه البخاري في كتاب الأدب من صحيحه عن عمرو بن عاصم عن همام بن يحيى عن قتادة عن أنس أن رجلاً من أهل البادية قال يا رسول الله متى الساعة ؟ فذكر الحديث ، وفي آخره فمر غلام للمغيرة بن شعبة ، وذكره ، وهذا الإطلاق في هذه الروايات محمول على التقييد بساعتكم في حديث عائشة رضي الله عنها . وقال ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت بشهر " تسألوني عن الساعة ، وإنما علمها عند الله ، وأقسم بالله ما على ظهر الأرض اليوم من نفس منفوسة تأتي عليها مائة سنة " رواه مسلم . وفي الصحيحين عن ابن عمر مثله ، قال ابن عمر وإنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم انخرام ذلك القرن . وقال الإمام أحمد حدثنا هشيم ، أنبأنا العوام عن جبلة بن سحيم عن موثر بن عفارة عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لقيت ليلة أسري بي إبراهيم وموسى وعيسى ، فتذاكروا أمر الساعة - قال - فردوا أمرهم إلى إبراهيم عليه السلام ، فقال لا علم لي بها ، فردوا أمرهم إلى موسى ، فقال لا علم لي بها ، فردوا أمرهم إلى عيسى ، فقال عيسى أما وجبتها ، فلا يعلم بها أحد إلا الله عز وجل ، وفيما عهد إلي ربي عز وجل أن الدجال خارج - قال - ومعي قضيبان ، فإذا رآني ذاب كما يذوب الرصاص ، قال فيهلكه الله عز وجل إذا رآني ، حتى إن الشجر والحجر يقول يا مسلم إن تحتي كافراً ، فتعال فاقتله ، قال فيهلكهم الله عز وجل ، ثم يرجع الناس إلى بلادهم وأوطانهم ، قال فعند ذلك يخرج يأجوج ومأجوج ، وهم من كل حدب ينسلون ، فيطؤون بلادهم ، لا يأتون على شيء إلا أهلكوه ، ولا يمرون على ماء إلا شربوه ، قال ثم يرجع الناس إلي ، فيشكونهم ، فأدعو الله عز وجل عليهم فيهلكهم ويميتهم ، حتى تجوى الأرض من نتن ريحهم ، أي تنتن ، قال فينزل الله عز وجل المطر ، فيجترف أجسادهم حتى يقذفهم في البحر " قال الإمام أحمد قال يزيد بن هارون ثم تنسف الجبال وتمد الأرض مد الأديم ، ثم رجع إلى حديث هشيم ، قال " ففيما عهد إلي ربي عز وجل أن ذلك إذا كان كذلك ، فإن الساعة كالحامل المتمّ لا يدري أهلها متى تفاجئهم بولادتها ليلاً أو نهاراً " ورواه ابن ماجه عن بندار عن يزيد بن هارون عن العوام بن حوشب بسنده نحوه ، فهؤلاء أكابر أولي العزم من المرسلين ، ليس عندهم علم بوقت الساعة على التعيين ، وإنما ردوا الأمر إلى عيسى عليه السلام ، فتكلم على أشراطها لأنه ينزل في آخر هذه الأمة منفذاً لأحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقتل المسيح الدجال ، ويجعل الله هلاك يأجوج ومأجوج ببركة دعائه ، فأخبر بما أعلمه الله تعالى به . وقال الإمام أحمد حدثنا يحيى بن أبي بكير ، حدثنا عبيد بن إياد بن لقيط ، قال سمعت أبي يذكر عن حذيفة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة ، فقال " علمها عند ربي عز وجل لا يجليها لوقتها إلا هو ، ولكن سأخبركم بمشاريطها وما يكون بين يديها ، إن بين يديها فتنة وهرجاً " قالوا يا رسول الله الفتنة قد عرفناها ، فما الهرج ؟ قال " بلسان الحبشة القتل " قال " ويلقى بين الناس التناكر ، فلا يكاد أحد يعرف أحداً " لم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة من هذا الوجه . وقال وكيع حدثنا ابن أبي خالد عن طارق بن شهاب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزال يذكر من شأن الساعة حتى نزلت { يَسْـئَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَـٰهَا } الآية ، ورواه النسائي من حديث عيسى بن يونس عن إسماعيل بن أبي خالد به ، وهذا إسناد جيد قوي ، فهذا النبي الأمي سيد الرسل وخاتمهم محمد صلوات الله عليه وسلامه نبي الرحمة ونبي التوبة ونبي الملحمة والعاقب والمقفى والحاشر الذي تحشر الناس على قدميه ، مع قوله فيما ثبت عنه في الصحيح من حديث أنس وسهل بن سعد رضي الله عنهما " بعثت أنا والساعة كهاتين " وقرن بين أصبعيه السبابة والتي تليها ، ومع هذا كله ، قد أمره الله أن يرد علم وقت الساعة إليه إذا سئل عنها ، فقال { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } .