Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 5-14)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً } بالنهار { وَٱلْقَمَرَ نُوراً } بالليل . قال الكلبي : تضي وجوههما لأهل السموات السبع وظهورهما لأهل الأرضين السبع . [ قرأ الأكثرون : ضياءً بهمزة واحدة ] وروي عن ابن كثير : ضياء بهمزت الياء ، ولا وجه لها لأن ياءه كانت واواً مفتوحة ، وهي عين الفعل أصله ضواء فسكنت وجعلت ياءً كما جعلت في الصيام والقيام { وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ } أي قدر له بمعنى هيأ له وسوى له منازل لا يجاوزها ولا يقصر دونها . وقيل : جعل قدر مما يتعدى لمفعولين ولم يقل قدرهما ، وقد ذكر الشمس والقمر وفيه وجهان : أحدهما أن يكون الهاء للقمر خاصة بالأهلة يعرف انقضاء الشهور والسنين لا بالشمس ، والآخر أن يكون قد اكتفى بذكر أحدهما من الآخر ، كما قال : { وٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } [ التوبة : 62 ] وقد مضت هذه المسألة { لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ } دخولها وانقضائها { وَٱلْحِسَابَ } يعني وحساب الشهور والأيام والساعات { مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ } مثل ما في الفصل والخلق والتقدير ، ولولا [ وجود ] الأعيان المذكور لقال : تلك { إِلاَّ بِٱلْحَقِّ } لم يخلقه باطلا بل إظهاراً لصنعه ودلالة على قدرته وحكمته ، ولتجزى كل نفس بما كسبت فهذا الحق { يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ } يبيّنها { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } . قال ابن كثير وأبو عمرو ، وحفص عن عاصم : { يُفَصِّلُ } بالياء ، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم لقوله قبله { مَا خَلَقَ ٱللَّهُ } وبعده { مَا خَلَقَ ٱللَّهُ } فيكون متبعاً له ، وقرأ ابن السميقع بضم الياء وفتح الصاد ورفع التاء من الآيات على مجهول الفعل ، وقرأ الباقون بالنون على التعظيم . { إِنَّ فِي ٱخْتِلاَفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُون } يوقنون فيعلمون ويقرّون . قال ابن عباس : قال أهل مكة : آتينا بآية حتى نؤمن بك فأنزل الله تعالى هذه الآية . { إِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } يعني لا يخافون عقابنا ولا يرجون ثوابنا ، والرجاء يكون بمعنى الهلع والخوف { وَرَضُواْ بِٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا } فاختاروها داراً لهم { وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا } وسكنوا إليها . قال قتادة في هذه الآية : إذا شئت رأيت صاحب دنيا لها يفرح ولها يحزن ولها يرضى ولها يسخط . { وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا } أدلتنا { غَافِلُونَ } لا يعتبرون . قال ابن عباس { عَنْ آيَاتِنَا } محمد والقرآن غافلون معرضون تاركون مكذبون { أُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } من الكفر والتكذيب { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ } فيه إضمار واختصار أي يهديهم ربهم بإيمانهم إلى مكان { تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ } قال أبو روق : يهديهم ربهم بإيمانهم إلى الجنة ، قال عطية : يهديهم ويثيبهم ويجزيهم ، وقيل ينجيهم . مجاهد ومقاتل : يهديهم بالنور على الصراط إلى الجنة يجعل لهم نوراً يمشون به . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن المؤمن إذا خرج من قبره صوّر له عمله في صورة [ حسنة وبشارة حسنة ] فيقول له . من أنت فو الله أني لأراك أمرء صدق ؟ فيقول له : أنا عملك ، فيكون له نوراً وقائداً إلى الجنة ، والكافر إذا خرج من قبره صوّر له عمله في صورة سيئة وريح منتنة فيقول : من أنت فوالله إني لأراك امرء سوء ؟ فيقول : أنا عملك فينطلق به حتى يدخله النار . " وقيل : معنى الآية : بإيمانهم يهديهم ربهم لدينه أي بتصديقهم هداهم تجري من تحتهم الأنهار لم يرد أنها تجري تحتهم وهم فوقها ، لأن أنهار الجنة تجري من غير أخاديد . وإنما معناه أنها تجري من دونهم وبين أيديهم وتحت أمرهم كقوله تعالى : { قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً } [ مريم : 24 ] ومعلوم أنه لم يجعل السري تحتها وهي عليه قاعدة وإنما أراد به بين يديها ، وكقوله تعالى مخبراً عن فرعون : { أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِيۤ } [ الزخرف : 51 ] ، أو من دوني وتحت أمري { فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ * دَعْوَاهُمْ } قولهم وكلامهم { فِيهَا سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ } . قال طلحة بن عبد الله سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبحان الله ، فقال : هو تنزيه الله من كل سوء ، وسأل ابن الكوّا علياً عن ذلك فقال : كلمة رضيها الله لنفسه . قال المفسرون : [ هذه نعمة علم بين له وعين الخدام في ] الطعام فإذا اشتهوا شيئاً من الطعام والشراب قالوا : سبحانك اللهم . فيأتوهم في الوقت بما يشتهون على مائدة ، فإذا فرغوا من الطعام والشراب حمدوا الله على ما أعطاهم فذلك قوله تعالى : { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ } قولهم { أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } وما يريد آخر كلام يتكلّمون به ولكن أراد ما قبله . قال الحسن : بلغني بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين قرأ هذه الآية : " إن أهل الجنة يلهمون الحمد والتسبيح كما يلهمون النفس " وذلك قوله تعالى : { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا } في الجنة { سَلاَمٌ } يحيّي بعضهم بعضاً بالسلام وتأتيهم الملائكة من عند ربهم بالسلام . قال ابن كيسان : يفتحون كلامهم بالتوحيد ويختمون بالتحميد . وقرأ العامة : { أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ } بالتخفيف والرفع ، وقرأ بلال بن أبي بردة وابن محيصن أنّ مثقلا الحمد نصباً . { وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ } فيه اختصار ومعناه : { وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ } الآية ذهابهم في الشرك استعجالهم بالإجابة في الخير { لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ } أي لفرض من هلاكهم ولماتوا جميعاً . قال مجاهد : هو قول الإنسان لولده وماله إذا غضب : [ اللهم أهلكه ، اللهم لا تبارك له فيه والعنه ] يتخذها الرجل على نفسه وولده وأهله وماله بما يكره أن يُستجاب له . شهر بن حوشب . قرأت في بعض الكتب أن الله تعالى يقول للملكين الموكلين : لا تكتبا على عبدي في حال ضجره شيئاً . وقرأ العامة : لقضي إليهم آجالهم برفع القاف واللام على خبر تسمية الفاعل ، وقرأ عوف وعيسى وابن عامر ويعقوب : بفتح القاف واللام ، وقرأ الأعمش : لقضينا ، وكذلك هو في مصحف عبد الله ، وقيل : أنها نزلت في النضر بن الحرث حين قال : { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [ الأنفال : 32 ] الآية يدل عليه قوله تعالى : { فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا } لا يخافون البعث والحساب ولا يأملون الثواب { فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * وَإِذَا مَسَّ } أصاب { ٱلإِنسَانَ ٱلضُّرُّ } الشدة والجهد { دَعَانَا لِجَنبِهِ } على جنبه مضطجعاً { أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً } فإنما يريد جميع حالاته لأن الإنسان لا يعدو أحد هذه الخلال { فَلَمَّا كَشَفْنَا } رفعنا وفرجنا { عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ } أي استمر على طريقته الأولى ، قيل : أن يصيبه الضرّ ونسي ما كان فيه من الجهد والبلاء وترك الشكر والدعاء ، قال الأخفش : كأن لم يدعُنا وكأن لم يلبثوا وأمثالها ، كأن الثقيلة والشديدة كأنه لم يدعنا { كَذٰلِكَ } أي كما زيّن لهذا الإنسان الدعاء عند البلاء والإعراض عند الرخاء كذلك { زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ } الآية زين الجد في الكفر والمعصية { مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } من الكفر والمعصية والإسراف يكون في النفس ، وفي قراءة : ضيّع نفسه وجعلها عابد وثن وضيع ماله إذ جعله [ سائباً بلا خير ] ، ومعنى الكلام أسرفوا في عبادتهم وأسرفوا في نفقاتهم . { وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ } يعني الأمم الماضية . قال ابن عباس : بين القرنين ثمان وعشرون سنة . { لَمَّا ظَلَمُواْ } أشركوا { وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كَذٰلِكَ } أي كما أهلكناهم بكفرهم وتكذيبهم رسلهم { نَجْزِي } نهلك { ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ } المشركين تكذيبهم محمد صلى الله عليه وسلم يخوّف كفّار مكة عذاب الأمم الخالية المكذبة { ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ مِن بَعْدِهِم } أي من بعد القرون التي أهلكناهم { لِنَنظُرَ } لنرى { كَيْفَ تَعْمَلُونَ } وهو أعلم بهم . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الدنيا خضرة حلوة وأن الله استخلفكم فيها فانظر كيف تعملون " . قتادة : ذكر لنا أن عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) قال : صدق الله ربنا ما جعلنا خلفاء إلاّ لينظر إلى أعمالنا فأروا الله من أعمالكم خيراً بالليل والنهار والسرّ والعلانية . وروى ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عوف بن مالك قال لأبي بكر : رأيت فيما يرى النائم كأنّ شيئاً دُلّي من السماء فانتشط رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أُعيد فانتشط أبو بكر ( رضي الله عنه ) ثم ذرع الناس حول المنبر ففصّل عمر بثلاثة أذرع إلى المنبر ، فقال عمر : دعنا من رؤياك لا أرب لنا فيها ، فلما استخلف عمر قال : قل يا عوف رؤياك ، قال : هل لك في رؤياي من حاجة ؟ أو لم تنهوني ؟ فقال : ويحك إني كرهت أن تنعى لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه . فقصّ عليه الرؤيا حتى إذا بلغ ذرع الناس المنبر بهذه الثلاثة الأذرع . قال : أما إحداهن فأنّه كائن خليفة وأما الثانية فإنه لا يخاف في الله لومة لائم ، وأما الثالثة فإنّه شهيد ، ثم قال : يقول الله تعالى : { ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ } إلى قوله { لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } فقد استخلفت يا ابن أم عمر فانظر كيف تعمل ، وأما قوله : فإني لا أخاف في الله لومة لائم فيما شاء الله ، وأما قوله : إني شهيد فأنّى لعمر الشهادة والمسلمون مطيفون به ، ثم قال : إن الله على ما يشاء لقدير .