Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 23-40)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ } قال عطية عن ابن عباس وقتادة : أنابوا وتضرّعوا إليه ، مجاهد : اطمأنّوا إلى ذكره ، مقاتل : أخلصوا ، الأخفش : تخشّعوا له ، وقيل : تواضعوا له . { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * مَثَلُ ٱلْفَرِيقَيْنِ } المؤمن والكافر { كَٱلأَعْمَىٰ وَٱلأَصَمِّ وَٱلْبَصِيرِ وَٱلسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً } قال الفرّاء : وإنّما لم يقل هل يستوون مثلا ، لأنّ الأعمى والأصم في خبر كأنهما واحد ، لأنهما من وصف الكافر ، والسميع والبصير في خبر كأنهما واحد ، لأنهما من وصف المؤمن . { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ إِنَّي } قرأ أهل مكة وأبو عمرو والكسائي : أني بفتح الألف ويعنون بأني ، وقرأ الباقون بكسر الألف إني ، قال : إني لأن في الإرسال معنى القول . { لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * أَن لاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنِّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ } مؤلم ، قال مقاتل : بعث نوح وأمره ربّه ببناء ، السفينة وهو ابن ستمائة سنة وكان عمره ألفاً وخمسين عاماً ولبث يدعو قومه تسعمائة وخمسين سنة ، قال الله تعالى { فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً } [ العنكبوت : 14 ] أي فلبث فيهم داعياً { فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاك } يا نوح { إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا } آدمياً مثلنا { وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا } سفلتنا { بَادِيَ ٱلرَّأْيِ } قال مجاهد وأبي المعين وحمزة أبو عمرو وبصير على معنى بادي الرأي من غير روية ولا فكرة يعني : آمنوا من غير روية . { وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ قَالَ } نوح { يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيۤ وَآتَانِي رَحْمَةً } هدىً ومغفرة { مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ } التبست واشتبهت وقرأ أهل الكوفة : فعُمّيت بضم العين وتشديد الميم ، أي اشتبهت ولبّست ومعنى الكلام : عمّيت الأبصار عن الحق ، وهذا كما يقال : دخل الخاتم في أصبعي ، والخُفّ في رجلي وإنما يدخل الأصبع في الخاتم والرجل في الخُفّ { أَنُلْزِمُكُمُوهَا } يعني البيّنة والرحمة { وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ } لا تريدونها يعني لا يُقبل ذلك . { وَيٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً } أي على الوحي وتبليغ الرسالة كناية عن غير مذكور { إِنْ أَجْرِيَ } ما ثوابي { إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } الباء صلة { إِنَّهُمْ مُّلاَقُواْ رَبِّهِمْ } بالمعاد { وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ * وَيٰقَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ * وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ ٱللَّهِ وَلاَ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِيۤ } تحتقر وتستصغر { أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ ٱللَّهُ خَيْراً } يعني يؤخذ وانما { ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ } من النية والعزم والخير والشر { إِنِّيۤ إِذاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } إنْ فعلتُ ذلك . { قَالُواْ يٰنُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا } ما ريتنا وخاصمتنا { فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ } يعني العذاب { إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ * قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ ٱللَّهُ إِن شَآءَ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ * وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِيۤ } نصيحتي { إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ ٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ } يهلككم ويضلكم { هُوَ رَبُّكُمْ } والأمر والحكم له { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } فيجازيكم بأعمالكم وهو ردّ على المعتزلة و [ المرجئة ] . { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ } قال ابن عباس : يعني نوحاً ، مقاتل يعني محمداً صلى الله عليه وسلم { قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي } إثمي ووبال أمري ، لا تؤخذون بذنبي { وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ } لا أواخذ بذنوبكم { وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ } ولا تحزن وهو منفعل من البؤس { بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } فإني مهلكهم ومنقذك منهم فحينئذ دعا عليهم { وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً } [ نوح : 26 ] . { وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ } واعمل السفينة { بِأَعْيُنِنَا } بمرأى منّا ، الضحاك : بمنظر منّا ، مقاتل : بعلمنا ، ربيع : بمسمعنا { وَوَحْيِنَا } [ على ما أوحينا إليك ] ، قال ابن عباس : وذلك إنّه لم يعلم كيف يصنع الفلك فأوحى الله إليه أن يصنعها على جؤجؤ الطائر { وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ } ولا تسألني العفو عن هؤلاء الذين كفروا { إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ } بالطوفان ، أمر أن لا يشفع لهم عنده ، وقال : عنى امرأته وابنه . { وَيَصْنَعُ ٱلْفُلْكَ } قيل : معناه وكان يصنع الفلك ، وقيل : معناه وصنع الفلك { وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ } هزئوا به . { قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا } الآن { فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ } إذا عاينتم عذاب الله { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ } يهينه { وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } دائم ، قال ابن عباس : اتخذ نوح ( عليه السلام ) السفينة في سنتين ، وكان طول السفينة ثلاثمائة ذراع ، وعرضها خمسين ، وطولها في السمك ثلاثين ذراعاً ، وكانت من خشب الساج ، وجعل لها ثلاثة بطون فحمل في البطن الأسفل الوحوش والسباع والهوام ، وفي البطن الأوسط الدواب والأنعام ، وركب هو في البطن الأعلى [ … ] ، عمّا يحتاج إليه من الزاد . روي عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مكث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله ، فأوحى الله عزّ وجلّ لما كان آخر زمانه وغرس شجرة [ فعظمت وذهبت كلّ مذهب ثمّ قطعها ] ويقطع ما يبس منها ، ثمّ جعل يعمل سفينة ويمّرون عليه قومه فيسألونه فيقول : أعمل سفينة فيسخرون منه ويقولون : يعمل سفينة في البر فكيف تجري ؟ فيقول : فسوف تعلمون ، فلّما فرغ منها وفار التنور وكثر الماء في السكك ، خشيت أُمّ صبي عليه وكانت تحبّه حبّاً شديداً ، فخرجت به إلى الجبل حتى بلغت ثلثه ، فلمّا بلغها الماء خرجت حتى بلغت ثلثيه ، فلمّا بلغها الماء خرجت حتى صعدت على الجبل فلما بلغ الماء رقبته رفعته بيديها حتى ذهب بها الماء ، فلو رحم الله أحداً منهم لرحم أُمّ الصبي " . وروى علي بن زيد بن صوحان عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال : قال الحواريون لعيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام : لو بعثت لنا رجلا شهد السفينة فيحدّثنا عنها ، فانطلق بهم حتى انتهى إلى كثيب من تراب فأخذ كفّاً من ذلك التراب بكفّه قال : أتدرون ماهذا ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : هذا كفن حام بن نوح ، قال : فضرب الكثيب بعصاه وقال : قم بإذن الله ، فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه وقد شاب ، قال له عيسى : هكذا هلكت ؟ قال : لا بل متُّ وأنا شاب ولكنني ظننت أنها الساعة فمن ثَمّ شبت ، قال : حدِّثْنا عن سفينة نوح ، قال : كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع ، وعرضها ستمائة ذراع ، وكانت ثلاث طبقات ، فطبقة فيها الدواب والوحش ، وطبقة فيها الإنس ، وطبقة فيها الطير ، فلمّا كثرت فضلات الدواب أوحى الله تعالى إلى نوح أن اغمز ذنب الفيل ، فغمز فوقع منه خنزير وخنزيرة فأقبلا على الروث ، فلمّا وقع الفار بحوض السفينة وحبالها فقرضها ، وذلك أن الفار ولدت في السفينة فأوحى الله تعالى إلى نوح أن اضرب بين عيني الأسد فضرب فخرج من منخره سنور وهرّة فأقبلا على الفار . فقال له عيسى : كيف علم نوح أن البلاد قد غرقت ؟ قال : بعث الغراب يأتيه بالخبر فوجد جيفة فوقع عليها فدعا عليه بالخوف ، فلذلك لا يألف البيوت ، ثم بعث الحمامة فجاءت بورق زيتون بمنقارها وطين برجلها فعلم أن البلاد قد غرقت قال : فطوّقها بالحمرة التي في عنقها ودعا لها أن تكون في قصر بأمان فمن ثم تألف البيوت . قال : فقالوا : يا رسول الله ألا ننطلق به إلى أهلنا فيجلس معنا ويحدّثنا ؟ قال : كيف يتبعكم من لا رزق له ؟ فقال له : عد بإذن الله ، قال : فعاد تراباً . وروى محمد بن إسحاق عن عبيد بن عمير أنّه كان يحدّث الأحاديث وكانوا يبطشون به ، يعني قوم نوح فيخنقونه حتى يغشى عليه فإذا أفاق قال : ربّ اغفر لقومي فإنّهم لا يعلمون ، حتى إذا تمادوا في المعصية وعظمت في الأرض منهم الخطيئة وتطاولوا عليه ، وتطاول عليه وعليهم الشأن واشتد عليه منهم البلاء ، وانتظر البخل بعد البخل ، فلا يأتي قرن إلاّ كان أخبث من الذي قبله حتى إذا كان الآخر منهم ليقول : قد كان هذا مع آبائنا وأجدادنا هكذا مجنوناً لا يقبلون منه شيئاً ، حتى شكا ذلك من أمرهم إلى الله عزّ وجل فقال : رب إنّي دعوت قومي ليلا ونهاراً ، حتى قال : ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّاراً إلى آخر القصة ، فأوحى الله إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا أي بعد اليوم إنهم مغرقون . فأقبل نوح على [ عمل ] الفلك ولجأ عن قومه إلى جبل يقطع الخشب ويضرب بيديه [ الحديد ] ، ويهيّئ عدة الفلك من القار وغيره مما لا يصلحه إلاّ هو ، وجعل قومه يمرون به وهو في ذلك من عمله فيسخرون منه ويقولون : يا نوح هل صرت نجاراً بعد النبوة ؟ وأعقم الله أرحام النساء فلبثوا سنين فلا يولد لهم ولد . قال : ويزعم أهل التوراة أن الله أمره أن يصنع الفلك من خشب الساج وأن يصنعه أزور وأن يطليه بالقار من أسفله وخارجه ، وأن يجعل طولها ثمانين ذراعاً وعرضها خمسين ذراعاً ، ومائة في عرضه وبطوله في السماء ثلاثين ذراعاً ، والذراع إلى المنكب ، وجعلها ثلاثة طوابق سفلى ووسطى وعليا ، فجعل فيه كوى ، ففعل نوح كما أمره الله تعالى . { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا } عذابنا { وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ } يعني انبجس الماء من وجه الأرض ، والعرب تسمي وجه الأرض تنور الأرض ، وذلك أنه إذا قيل : إذا رأيت الماء يسيح على وجه الأرض فاركب أنت ومن اتبعك ، ومنها قول ابن عباس وعكرمة والزهري وابن عيينة ، وقال علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) في تفسير و { وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ } : أي طلع الفجر ونور الصبح ، ومن ذلك عبارته نوّر الفجر تنويراً ، قتادة : موضع في الأرض وأعلى مكان فيها . قال الحسن : أراد بالتنور الذي يخبز فيه وكان تنوراً من حجارة وكان لحواء حتى صار إلى نوح ، فقيل له : إذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب أنت وأصحابك ، فنبع الماء من التنور فعلمت به امرأته فأخبرته ، وهذا قول مهران . ورواه عطية عن ابن عباس ، قال مجاهد : وكان ذلك في ناحية الكوفة ، وروى السدي عن الشعبي أنه كان يحلف بالله ما يظهر التنور إلاّ من ناحية الكوفة ، وقال : اتخذ نوح السفينة في جوف مسجد الكوفة ، وكان التنور على يمين الداخل مما يلي باب كندة ، وكان فوران الماء منه علماً لنوح ودليلا على هلاك قومه . وقال مقاتل : كان ذلك تنور آدم وإنّما كان بالشام بموضع يقال له : عين وردة ، وقال ابن عباس : فار التنور بالهند ، والفور : الغليان . { قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا } أي في السفينة { مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ } قال المفسرون أراد بالزوجين : اثنين ذكراً وأنثى ، وقال أهل المعاني : كل اثنين لا يستغني أحدهما عن صاحبه ، فإن العرب تسمي كل واحد منهما زوجاً ، يقال له : زوجا نعال إذا كانت له نعلان وكذلك عنده زوجا حمام ، وعليه زوجا قيود ، قال الله تعالى { وَأَنَّهُ خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ } [ النجم : 45 ] ، وقال بعضهم : أراد بالزوجين الضربين والصنفين وكل ضرب يدعى زوج ، قال الأعشى : @ وكل زوج من الديباج يلبسه أبو قدامة محبوّ بذاك معا @@ أراد كل ضرب ولون . وقال لبيد : وذي [ … ] كرّ المقاتل صولة وذرّته أزواج [ … ] يشرّب أي ألوان وأصناف ، وقرأ حفص هاهنا وفي سورة المؤمنين { مِن كُلٍّ } بالتنوين أي من كل صنف ، وجعل اثنين على التأكيد . { وَأَهْلَكَ } أي واحمل أهلك ومالك وعيالك { إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ } بالهلاك يعني امرأته راحلة وابنه كنعان . { وَمَنْ آمَنَ } يعني واحمل من آمن بك ، قال الله تعالى { وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ } واختلفوا في عددهم ، فقال قتادة والحكم وابن جريج ومحمد بن كعب القرضي : لم يكن في السفينة إلاّ نوح وامرأته وثلاثة بنيه ، سام وحام ويافث أخوة كنعان وزوجاتهم [ وَرَحْلِهم ] فجميعهم ثمانية ، فأصاب حام امرأته في السفينة فدعا الله نوحٌ أن يغير نطفته فجاء بالسودان . وقال الأعمش : كانوا سبعة : نوح وثلاث كنائن وثلاثة بنين له . وقال ابن إسحاق : كانوا عشرة سوى نسائهم : نوح وبنوه حام وسام ويافث وستة أناس ممن كان آمن معه وأزواجهم جميعاً . وقال مقاتل : [ كانوا ] اثنين وسبعين رجلا وامرأة وبنيه الثلاثة ونساءهم ، فكان الجميع ثمانية وسبعين نفساً ، نصفهم رجال ونصفهم الآخر نساء . قال ابن عباس : كان في سفينة نوح ثمانون إنساناً أحدهم جرهم . قال مقاتل : وحمل نوح معه جسد آدم وجعله معترضاً بين الرجال والنساء ، وحمل نوح جميع الدواب من الغنم والوحوش والطير وفرق فيما بينها . قال ابن عباس : أول ما حمل نوح في السفينة من الدواب الأوزة ، وآخر ما حمل الحمار ، فلمّا دخل الحمار ودخل صدره تعلق إبليس بذنبه فلم يستقل رجلاه فجعل نوح يقول له : ادخل فينهض فلا يمشي ، حتى قال نوح : ويحك ادخل وإن كان الشيطان معك ، فقال له نوح : ما أدخلك عليّ يا عدو الله ؟ فقال له : ألم تقل ادخل وان كان الشيطان معك ، قال نوح : اخرج عني يا عدو الله ، قال : ما لك بدّ من أن تحملني معك ، فكان فيما يزعمون في ظهر الفلك . وفي تفسير مالك بن إبراهيم الهروي الذي أخبرني بالأسناد إلى أبي القاسم والحسن بن محمد ببعضه قراءةً وأجاز لي بالباقي في غير مرة ، قال يحدثنا أبو العباس محمد بن الحسن الهروي ، قال : حدثنا جابر بن عبد الله عنه أن الحية والعقرب أتيا نوحاً فقالتا : احملنا ، فقال نوح : إنكما سبب الضرّ والبلايا والأوجاع فلا أحملكما ، فقالتا : احملنا فنحن نضمن لك بأن لا نضر أحداً ذكرك ، فمن قرأ حين خاف ضرّتهما : { سَلاَمٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي ٱلْعَالَمِينَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ الصافات : 79 - 81 ] ما ضرّتاه .