Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 41-48)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَقَالَ } نوح لهم : { ٱرْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا } قرأ أبو رجاء العطاردي : مُجرِاها ومُرسِاها بضم الميمين وكسر الراء والسين وهي قراءة عبدالله . قال ابن عباس : مجريها حيث تجري ومرساها حيث ترسو ، أي تحسر في الماء . وقرأ محمد بن محيصن بفتح الميمين وهما مصدران ، يعني أن الله تعالى بيده جريها ورسوّها أي ثبوتها ، جرى يجري جرياً ومجرى ، ورسا يرسو رسوّاً ومُرسى ، مثل ذهب مذهباً وضرب مضرباً . قال امرؤ القيس : @ تجاوزت أحراساً وأهوال معشر عليَّ حرامٌ لو يسرّون مقتلي @@ أي : قتلي . وقرأ الباقون بضم الميمين ، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم ، ومعناه : بسم الله إجراؤها وإرساؤها ، كقوله تعالى { أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً } [ المؤمنون : 29 ] { أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ } [ الإسراء : 80 ] بمعنى الإنزال والإدخال والإخراج . { إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } قال الضحاك : كان نوح إذا أراد أن يرسو قال : بسم الله ، فرست ، وإذا أراد أن تجري قال : بسم الله ، فجرت . { وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَٱلْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبْنَهُ } كنعان وكان عنيداً وقيل وكان كافراً . { وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ } عنه لم يركب معه الفلك . { يٰبُنَيَّ ٱرْكَبَ مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ ٱلْكَافِرِينَ } فتهلك ، قال له ابنه : { سَآوِيۤ } سأصير وأرجع { إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي } يمنعني { مِنَ ٱلْمَآءِ } ومنه عصام القربة الذي [ يربط ] رأسها فيمنع الماء أن يسيل منها . { قَالَ } نوح { لاَ عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } عذاب الله إلاّ من رحمناه ، وأنقذناه منه ، ومن في محل رفع ، وقيل : في محل النصب ومعناه لا معصوم اليوم من أمر الله إلاّ من رحمه الله ، كقوله تعالى { عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } [ الحاقة : 21 ] [ القارعة : 7 ] و { مَّآءٍ دَافِقٍ } [ الطارق : 6 ] قال الشاعر : @ بطيء القيام رخيم الكلام أمسى فؤادي به فاتنا @@ أي مفتوناً . { وَحَالَ بَيْنَهُمَا ٱلْمَوْجُ فَكَانَ } فصار { مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ * وَقِيلَ } بعدما تناهى أمر الطوفان { يٰأَرْضُ ٱبْلَعِي } أي اشربي { مَآءَكِ وَيٰسَمَآءُ أَقْلِعِي } امسكي { وَغِيضَ ٱلْمَآءُ } فذهب ونقص ومصدره الغيض والغيوض . { وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ } أي وفرغ من العذاب { وَٱسْتَوَتْ } يعني السفينة استقرّت ورست وحلّت { عَلَى ٱلْجُودِيِّ } وهو جبل بالجزيرة بقرب الموصل ، قال مجاهد : تشامخت الجبال وتطاولت لئلاّ ينالها الماء فعلا الماء فوقها خمسة عشر ذراعاً وتواضع الجودي وتطامن لأمر ربّه فلم يغرق ، فأرسيت السفينة عليه . { وَقِيلَ بُعْداً } هلاكاً { لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } الكافرين ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " في أوّل يوم من رجب وفي بعض الأخبار : لعشر مضت من رجب ركب نوح في السفينة فصام هو ومن معه وجرت بهم السفينة ستة أشهر ، ومرّت بالبيت فطاف به سبعاً وقد رفعه الله من الغرق ، وأرسيت السفينة على الجودي يوم عاشوراء ، فصام نوح وأمر جميع من معه من الوحوش والدواب فصاموا شكراً لله عزّ وجلّ " . { وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي } وقد وعدتني أن تنجيني وأهلي { وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ } أي الصدق { وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَاكِمِينَ } أي تحكم على قوم بالنجاة وعلى قوم بالهلاك . { قَالَ يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } وقرأ أهل الكوفة [ عَمِلَ ] بكسر الميم وفتح اللام ، غير بنصب الراء على الفعل ومعناه : إنه عمل الشرك والكفر ، وقرأ الباقون عَملٌ بفتح الميم وضمّ اللام وتنوين غير بالرفع ومعناه : إنّ سؤالك إياي أن أنجيه عملٌ غيرُ صالح . { فَلاَ تَسْئَلْنِ } يا نوح { مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } بما لا تعلم وقرأ ابن كثير بتشديد النون وفتحه ، وقرأ أهل المدينة والشام بتشديد النون وكسره . { إِنِّيۤ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } واختلفوا في هذا الابن فقال بعضهم : إنه لم يكن ابن نوح ، ثم اختلفوا فيه ، فقال بعضهم : كان ولد خبث من غيره ، ولم يعلم بذلك نوح ، فقال الله تعالى : إنه ليس من أهلك أي من ولدك ، وهو قول مجاهد والحسن ، وقال قتادة : سألت الحسن عنه فقال : والله ما كان بابنه ، وقرأ { فَخَانَتَاهُمَا } [ التحريم : 10 ] فقال : إن الله حكى عنه إنه قال : إن ابني من أهلي ، وقال : ونادى نوح ابنه وأنت تقول : لم يكن ابنه ، وإن أهل الكتابين لا يختلفون في انه كان ابنه . فقال الحسن : ومن يأخذ دينه من أهل الكتاب ، إنهم يكذبون . وقال ابن جريج : ناداه وهو يحسب أنه ابنه ، وكان ولدَ على فراشه ، وقال عبيد بن عمير ، نرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قضى أن الولد للفراش من أجل ابن نوح ، وقال بعضهم : إنه كان ابن امرأته واستدلّوا بقول نوح : إن ابني من أهلي ولم يقل : منّي ، وهو قول أبي جعفر الباقر . وقال الآخرون : كان ابنه ومن فصيلته ، ومعنى قوله : إنه ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم ، وقالوا : ما بغت امرأته ولا امرأة لوط وإنما كانت خيانتهما في الدين لا في الفراش ، وذلك أن هذه كانت تخبر الناس أنه مجنون ، وهذه كانت تدلّ على الأضياف ، وهو قول ابن عباس وعكرمة والضحاك وسعيد بن جبير وميمون بن مهران . قال أبو معاوية البجلي : قال رجل لسعيد بن جبير : قال نوح إن ابني من أهلي ، أكان ابن نوح ؟ فسبّح طويلا ، وقال : لا إله إلاّ الله يحدث الله محمداً صلى الله عليه وسلم انه ابنه وتقول ليس ابنه ، كان ابنه ولكنه كان مخالفاً في النية والعمل والدين ، فمن ثم قال تعالى : انه ليس من أهلك ، وهذا القول أولى بالصواب وأليق بظاهر الكتاب . فقال نوح ( عليه السلام ) عند ذلك { رَبِّ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِيۤ أَكُن مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ * قِيلَ يٰنُوحُ ٱهْبِطْ } انزل من السفينة إلى الأرض { بِسَلاَمٍ } بأمن وسلامة { مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ } وهم الذين كانوا معه في السفينة . وقال أكثر المفسّرين : معناه وعلى قرون تجيء من ذريّة من معك من الذين آمنوا معك من ولدك ، وهم المؤمنون وأهل السعادة من ذريته { وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ } في الدنيا { ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِّنَّا } في الآخرة { عَذَابٌ أَلِيمٌ } وهم الكافرون وأهل الشقاوة . وقال محمد بن كعب القرضي : داخل في ذلك السلام كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة ، وكذلك داخل في ذلك العذاب والمتاع كل كافر وكافرة إلى يوم القيامة . قال الضحاك : زعم أُناس إن من غرق من الولدان مع آبائهمن وإنّما ليس كذلك وإنّما الولدان بمنزلة الطير ، وسائر من أغرق الله يعود لابنه ولكن حضرت آجالهم فماتوا لآجالهم والمذكورين من الرجال والنساء ممّن كان الغرق عقوبة من الله لهم في الدنيا ثم مصيرهم إلى النار .