Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 49-60)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ تِلْكَ } الذي ذكرت { مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهَآ إِلَيْكَ } يا محمد { وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـٰذَا } من قبل إخباري إياك { فَٱصْبِرْ } على القيام بأمر الله وتبليغ رسالته وما تلقى من أذى الكفار كما صبر نوح { إِنَّ ٱلْعَاقِبَةَ } آخر الأمر بالسعادة والظفر والمغفرة { لِلْمُتَّقِينَ } كما كان لمؤمني قوم نوح وسائر الأمم . { وَإِلَىٰ عَادٍ } أي فأرسلنا إلى عاد { أَخَاهُمْ هُوداً } في النسب لا في الدين { قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } وحّدوا الله وأكثروا العبادة في القرآن بمعنى التوحيد { مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ } ما أنتم في إشراككم معه الأوثان إلاّ كاذبون . { يٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ } على تبليغ الرسالة ولا أبتغي جعلا { إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِي فَطَرَنِيۤ } والفطرة ابتداء الخلقة { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } وذلك أن الأمم قالت للرسل : ما تريدون إلاّ أن تأخذوا أموالنا فقالت الرسل لهم هذا . { وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ } أي آمنوا به يغفر لكم ، والإستغفار هنا بمعنى الإيمان { ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ } من عبادتكم غيره وسالف ذنوبكم ، وقال الفرّاء : معناه وتوبوا إليه لأن التوبة استغفار والاستغفار توبة . { يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً } متتابعاً ، وقال مقاتل بن حيان وخزيمة بن كيسان : غزيراً كثيراً . { وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ } شدّة مع شدّتكم ، وذلك أن الله حبس عنهم القطر في سنين وأعقم أرحام نسائهم ثلاث سنين فقال لهم هود : إن آمنتم أحيا الله بلادكم ورزقكم المال والولد . { وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ } ولا تدبروا مشركين { قَالُواْ يٰهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ } بيان وبرهان على ما تقول فنقر ونسلّم لك { وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِيۤ آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ } أي بقولك ، والعرب تضع الباء موضع عن ، وعن موضع الباء . { وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } بمصدّقين { إِن نَّقُولُ إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوۤءٍ } يعني لست تتعاطى ما تتعاطاه من مخالفتنا وسبّ آلهتنا إلاّ أن بعض آلهتنا اعتراك وأصابك بسوء ، بل جنون ، وهذيان ، هو الذي يحملك على ما تقول وتفعل ، ولا نقول فيك إلاّ هذا ولا نحمل أمرك إلاّ على هذا ، فقال لهم هود : { إِنِّيۤ أُشْهِدُ ٱللَّهَ } على نفسي { وَٱشْهَدُوۤاْ أَنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * مِن دُونِهِ } يعني الأوثان { فَكِيدُونِي جَمِيعاً } فاحتالوا جميعاً في ضرّي ومكري أنتم وأوثانكم { ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ } . قال الضحاك : يحييها ويميتها ، قال الفرّاء : مالكها والقادر عليها ، قال القتيبي : يقهرها لأن من أخذت بناصيته فقد قهرته ، قال ابن جرير : إنما خصّ الناصية لأن العرب تستعمل ذلك إذا وصفت إنساناً بالذلة والخضوع فيقولون : ما ناصية فلان إلاّ بيد فلان أي إنه مطيع له يصرفه كيف شاء ، وكانوا إذا أسروا الأسير فأرادوا اطلاقه والمنّ عليه جزوا ( ناصيته ) ليغتروا بذلك فخراً عليه ، فخاطبهم بما يعرفون في كلامهم . { إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } يقول : إنّ ربي على طريق الحق يجازي المحسن بإحسانه والمسيء بمعصيته ولا يظلم أحداً غيّاً ولا يقبل إلاّ الإسلام ، والقول فيه إضمار أنيّ : إنّ ربي يدلّ أو يحثّ أو يحملكم على صراط مستقيم . { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ } أي قل يا محمد : فقد أبلغتكم { مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ } يوحّدونه ويعبدونه { وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئاً } بتولّيكم وإعراضكم وإنما تضرون أنفسكم ، وقيل : معناها لا تقدرون له على خير إن أراد أن يضلكم ، وقرأ عبدالله : ولا يضره هلاككم إذا أهلككم ولا تنقصونه شيئاً ، لأنه سواء عنده كنتم أو لم تكونوا . { إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } أي لكل شيء حافظ ، على بمعنى اللام ، فهو يحفظني من أن تنالوني بسوء . { وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا } عذابنا { نَجَّيْنَا هُوداً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ } وكانوا أربعة آلاف { بِرَحْمَةٍ } بنعمة { مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } وقيل : الريح ، قيل : أراد بالعذاب الغليظ عذاب القيامة أي كما نجّيناهم في الدنيا من العذاب كذلك نجّيناهم في الآخرة من العذاب . { وَتِلْكَ عَادٌ } رده إلى القبيلة { جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ } يعني هوداً وحده لأنه لم يُرسل إليهم من الرسل سوى هود ، ونظيره قوله تعالى { يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } [ المؤمنون : 51 ] يعني النبي صلى الله عليه وسلم وإنه لم يكن في عصره رسول سواه ، وإنما جمع هاهنا لأن من كذّب رسولا واحداً فقد كذّب جميع الرسل . { وَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } متكبّر لا يقبل الحق ولا يذعن له ، قال أبو عبيد : العنيد والعنود والعاند والمعاند : المعارض لك بالخلاف ، ومنه قيل للعرق الذي يفجر دماً فلا يرقى : عاند قال الراجز : @ إنّي كبيرٌ لا أطيقُ العندا @@ { وَأُتْبِعُواْ } ألحقوا وأردفوا { فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً } يعني بعداً وعذاباً وهلاكاً { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } أي وفي يوم القيامة أيضاً كذلك لعنوا في الدنيا والآخرة { أَلاۤ إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ } أي بربهم ، كما يقال : شكرته وشكرت له ، وكفرته وكفرت به ونصحته ونصحت له ، قيل بمعنى : كفروا نعمة ربهم . { أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ } البُعد بعدان : أحدهما البُعد ضد القرب ، يقال : بعد يبعد بُعداً ، والآخر بمعنى الهلاك ويقال منه : بَعد يَبعد بَعداً وبُعْداً .