Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 7-16)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَآءِ } قبل أن يخلق السماوات والأرض وذلك الماء على متن الريح . وقال كعب : خلق الله ياقوتة حمراء لا نظير لها [ فنظر إليها بالهيبة ] فصارت ماء ، [ يرتعد من مخافة الله تعالى ] ثمّ خلق الريح فجعل الماء [ على قشرة ] ثم وضع العرش على الماء . وقال ضمرة : إنّ الله تعالى كان عرشه على الماء ثم خلق السماوات والأرض بالحق ، وخلق القلم وكتب به ما هو خالق وما هو كائن من خلقه ، ثم إن ذلك الكتاب سبّح الله ومجدّه قبل أن يخلق شيئاً من الخلق . { لِيَبْلُوَكُمْ } ليختبركم وهو أعلم { أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } روى عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ليبلوكم أيّكم أحسن عقلا وأورع عن محارم الله وأسرع في طاعة الله " . قال ابن عباس : أيّكم أعمل بطاعة الله . قال مقاتل : أيّكم أتقى لله ، الحسن : أيّكم أزهد في الدنيا زاهداً وأقوى لها تركاً . { وَلَئِن قُلْتَ } يا محمد { إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ ٱلْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } يعنون القرآن ، ومن قرأ : ساحر ردّه إلى محمد ( صلى الله عليه وسلم ) . { وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ } إلى أجل معدود ووقت محدود ، وأصل الأُمّة الجماعة ، وإنما قيل للحين : أُمّة ، لأن فيه يكون الأُمّة ، فكأنه قال : إلى مجيء أُمّة وانقراض أُخرى قبلها ، كقوله : { وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ } [ يوسف : 45 ] . { لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ } يقولون استعجالا للعذاب واستهزاء ، يعنون أنه ليس بشيء . قال الله تعالى : { أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ } العذاب { لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ } خبر [ ليس ] عنهم . { وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ } أي رجع إليهم ونزل بهم وبال استهزائهم { وَلَئِنْ أَذَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً } سعة ونعمة { ثُمَّ نَزَعْنَاهَا } سلبناها { مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ } قنوط في الشدّة { كَفُورٌ } في النعمة . { وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ } بعد بلاء وشدة { لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ ٱلسَّيِّئَاتُ عَنِّيۤ } زالت الشدائد عني { إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ } أشر بطر ، ثم استثنى فقال : { إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } فإنهم إن نالتهم شدّة وعسرة صبروا ، وإن نالوا نعمة شكروا { لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ } لذنوبهم { وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } وهو الجنة ، وإنما جاز الاستثناء مع اختلاف الحالين لأن الإنسان اسم الجنس كقوله : { وَٱلْعَصْرِ * إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَفِى خُسْرٍ * إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [ العصر : 1 - 3 ] . { فَلَعَلَّكَ } يا محمد { تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ } فلا تبلِّغه إياهم ، وذلك أن مشركي مكة قالوا : آتنا بكتاب ليس فيه سبّ آلهتنا . { وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ } لأن يقولوا { لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ } ينفقه { أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ } يصدّقه ، قال عبد الله بن أُمية المخزومي قال الله : يا أيها النذير ( ليس عليك إلاّ البلاغ ) والله على كل شيء وكيل { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ } مثله { مُفْتَرَيَاتٍ } بزعمكم { وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ } لفظه جمع والمراد به الرسول وحده كقوله : { يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ } [ المؤمنون : 51 ] ويعني الرسول . وقال مجاهد : عنى به أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم { فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلْمِ ٱللَّهِ } يعني القرآن { وَأَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ } لفظه استفهام ومعناه أمر . { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } أي من كان يريد بعمله الحياة الدنيا { وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ } نوفر لهم أجور أعمالهم في الدنيا { وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ } لا ينقصون . قتادة يقول : من كانت الدنيا همّه وقصده وسروره وطلبته ونيّته جازاه الله تعالى ثواب حسناته في الدنيا ، ثم يمضي إلى الآخرة وليس له حسنة يعطى بها جزاء ، وأما المؤمن فيجازى بحسناته في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من أحسن من محسن فقد وقع أجره على الله في عاجل الدنيا وآجل الآخرة " . واختلفوا في المعنيّ بهذه الآية فقال بعضهم : هي للكفار ، وأما المؤمن فإنه يريد الدنيا والآخرة ، وإرادته الآخرة غالبة على إرادته للدنيا ، ويدل عليه قوله : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ ٱلنَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا } في الدنيا { وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } قال مجاهد : هم أهل الربا . وروى ابن المبارك عن حيوة بن شريح قال : حدثني الوليد بن أبي الوليد بن عثمان أن عقبة بن مسلم حدّثه أن شقي بن قابع الأصبحي حدّثنا أنه دخل المدينة فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس ، فقال : من هذا ؟ قيل : أبو هريرة . قال : فدنوت منه حتى قعدت بين يديه وهو يحدّث الناس ، فلما سكت وخلا ، قلت : وانشدك الله لما حدثتني حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم [ عقلته وعلمته ] فقال : لأحدّثنّك حديثاً حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في [ هذا البيت ] ثم غشي عليه ثم أفاق فقال : أحدثك حديثاً حدّثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا البيت ، ولم يكن أحد غيره وغيري ، ثم شهق أبو هريرة شهقة شديدة ثم قال : [ فأرى على وجهه ثمّ استغشى ] طويلا ثم أفاق فقال : حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة دعا العباد ليقضي بينهم ، وكل أُمة جاثية فأول من يدعو رجل جمع القرآن ، ورجل قُتل في سبيل الله ، ورجل كثير المال . فيقول الله للقارئ : ألم أعلّمك ما أنزلت على رسولي ؟ قال : بلى يا رب . قال : ماذا عملت فيما علمت ؟ قال : كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار ، فيقول الله تعالى له : كذبت ، وتقول له الملائكة : كذبت ، فيقول الله تعالى : بل أردت أن يقال : فلان قارئ ، فقد قيل ذلك ، ويؤتى بصاحب المال ، فيقول الله له : ألم أوسّع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد ؟ قال : بلى رب ، قال : فماذا عملت فيما آتيتك ؟ قال : كنت أصل الرحم وأتصدّق ، فيقول الله له : كذبت ، وتقول الملائكة : كذبت ، ويقول الله تعالى : بل أردت أن يقال : فلان جواد فقد قيل ذلك . ويؤتى بالذي قُتل في سبيل الله فيقال له : في ماذا قُتلت ؟ فيقول : أُمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قُتلت ، فيقول الله : كذبت ، وتقول الملائكة : كذبت ، ويقول الله : بل أردت أن يقال فلان جريء ، فقد قيل ذلك " ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال : " يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة " . قال الوليد : وأخبرني غيره أن شقياً دخل على معاوية وأخبره بهذا عن أبي هريرة فقال معاوية : وقد فعل بهؤلاء هذا فكيف بمن بقي من الناس ؟ ثم بكى معاوية [ وضرب خدّيه ] حتى ظننّا أنه هالك ، ثم أفاق معاوية لا يمسح وجهه وقال : صدق الله ورسوله { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا } وقرأ إلى قوله : { بَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } .