Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 65-74)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَٱللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ ٱلْسَّمَآءِ مَآءً } يعني المطر { فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ } جدوبها ودروسها { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ } بسمع القلوب ولا بسمع الآذان . { وَإِنَّ لَكُمْ فِي ٱلأَنْعَامِ لَعِبْرَةً } لعظة { نُّسْقِيكُمْ } . قرأ أهل المدينة وابن عامر ونافع وعاصم بفتح النون . وقرأ الباقون بضمه . واختاره أبو عبيد قال : لأنه شراب دائم . وحكى عن الكسائي أن العرب تقول : أسقيته نهراً وأسقيته لبناً إذا جعلت له سقياً دائماً ، فإذا أراد أنهم أعطوه شربة قالوا : سقيناه . وقال غيره : هما لغتان يدل عليه قول لبيد في صفة السقاية : @ سقى قومي بني مجد وأسقى نميراً والقبائل من هلال @@ فجمع بين اللغتين . { مِّمَّا فِي بُطُونِهِ } ولم يقل بطونها والأنعام جميع ، قال المبرد : كناية إلى النعم والنعم والأنعام واحد ولفظ النعم ، واستشهد لذلك برجز بعض الأعراب . @ إذا رأيت أنجما من الأسد جبهته أو الخراة والكند بال سهيل في الفضيح ففسد وطاب ألبان اللقاح فبرد @@ ولم يقل فبردت لانه رد إلى [ اللبن أو الخراة ] . قال أبو عبيدة والأخفش : النعم يذّكر ويؤنث فمن أنّث فلمعنى الجمع ، ومن ذكر فلحكم اللفظ ، ولأنه لا واحد له من لفظه . وقال الشاعر يذكره : @ أكل عام نِعَم تحوونه يلقحه قوم وتنتجونه @@ إن له نخيل فلا يحمونه . وقال الكسائي : ردَّ الكناية إلى المراد في بطون ماذكر . وقال بعضهم : أراد بطون هذا الشيء ، كقول الله : { فَلَماَّ رَءَا ٱلشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي } [ الأنعام : 78 ] وقوله : { وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ } [ النمل : 35 ] الآية { فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ } [ النمل : 36 ] ولم يقل : جاءت . وقال : الصلتان العبدي . @ إن السماحة والمرؤة ضمّنا قبراً بمرو على الطريق الواضح @@ وقال الآخر : @ وعفراء أدنى الناس مني مودة وعفراء عني المعرض المتواني @@ وقال الآخر : @ إذا الناس ناس والبلاد بغبطة وإذ أُم عمّار صديق مساعف @@ كل ذلك على معنى هذا الشخص وهذا الشيء . وقال المؤرج : الكناية مردودة إلى البعض والجزء ، كأنه قال : نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونه اللبن ، إذ ليس لكلّها لبن وإنما يسقى من ذوات اللبن ، فاللبن فيه مضمر . { مِن بَيْنِ فَرْثٍ } وهو ما في الكرش فإذا أُخرج منه لا يسمى فرثاً { وَدَمٍ لَّبَناً خَالِصاً } خلص من الفرث والدم ولم يختلط بهما { سَآئِغاً لِلشَّارِبِينَ } جاهزاً هنيئاً يجرى في الحلق ولا يغص شاربه ، وقيل : إنه لم يغص أحد باللبن قط . قال ابن عبّاس : إذا أكلت الدابة العلف واستقرّ في كرشها لحينه ، وكان أسفله فرث وأوسطه لبن وأعلاه دم الكبد [ فما كان ] على هذه الأصناف الثلاثة يقسم فيجري الدم في العروق ، ويجري اللبن في الضرع ، ويبقى الفرث كما هو . { وَمِن ثَمَرَاتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلأَعْنَابِ } يعني ذلكم أيضاً عبرة فيما نسقيكم ونرزقكم من ثمرات النخيل والأعناب { تَتَّخِذُونَ مِنْهُ } الكناية في قوله : { مِنْهُ } عائدة إلى المذكورين . { سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً } . قال قوم : السكر : الخمر ، والرزق الحسن : الخل والعنب والتمر والزبيب ، قالوا : وهذا قول تحريم الخمر ، وإلى هذا القول ذهب ابن مسعود وابن عمرو وسعيد بن جبير وأيوب وإبراهيم والحسن ومجاهد وعبد الرحمن بن أبي ليلى والكلبي ، وهي رواية عمرو بن سفيان البصري عن ابن عبّاس قال : السكر : ماحرم من ثمرتها ، والرزق الحسن : ما حل من ثمرتهما . أما السكر فخمور هذه الأعاجم ، وأما الرزق الحسن فما تنتبذون وما تخلّلون وما تأكلون . قال : ونزلت هذه الآية ولم يحرم الخمر يومئذ ، وإنما نزل تحريمها بعد ذلك في سورة المائدة . وقال الشعبي : السكر : ما شربت ، والرزق الحسن : ما أكلت . وروى العوفي عن ابن عبّاس : أن الحبشة يسمّون الخل السكر . وقال بعضهم : السكر : النبيذ المسكر وهو نقيع التمر والزبيب إذا اشتد ، والمطبوخ من العصير وهو قول الضحاك والشعبي برواية مجالد وأبي روق وقول النخعي ورواية الوالبي عن ابن عبّاس ، وقيل : هو نبيذ التمر . قال النبي صلى الله عليه وسلم " الخمر ما اتخذ من العنب ، والسكر من التمر ، والبتع من العسل ، والمزر من الذرة [ والبيرا ] من الحنطة ، وأنا أنهاكم عن كل مسكر " . وقال أبو عبيدة : السكر : الطعم ، يقال : هذا سكر لك ، أي طُعم لك . وأنشد : @ جعلت عيب الأكرمين سكراً @@ { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَىٰ ٱلنَّحْلِ } أي ألقى [ على مسامعها ] أو قذف في أنفسها ففهمته ، والنحل : زنابير العسل ، واحدها نحلة { أَنِ ٱتَّخِذِي مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ } يبنون ، وقال ابن زيد : هو الكرم . { ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ } ليس معنى الكل العموم وهو كقوله : { وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ } [ النمل : 23 ] وقوله : { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا } [ الأحقاف : 25 ] . { فَٱسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ } فأدخلي طرق ربك { ذُلُلاً } . قال بعضهم : الذلل يعني الطرق ، ويقول هي مذللة للنحل . قال مجاهد : [ لا يتوعر عليها مكان سلكته ] . قال آخرون : الذلل نعت [ النحل ] . قال قتادة وغيره : يعني مطيعة منقادة . { يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ } أبيض وأحمر وأصفر { فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ } . يروى " أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن أخي يشتكي بطنه ، فقال : " اسقه عسلاً " فذهب ثمّ رجع فقال : سقيته فلم يغن عنه شيئاً . فقال عليه الصلاة والسلام : " إذهب واسقه عسلاً فقد صدق الله وكذب بطن أخيك " فسقاه فكأنما نشط من عقال " ، [ رواه ] عطية عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري . وقال مجاهد : { فِيهِ شِفَآءٌ لِلنَّاسِ } أي في القرآن . والقول الأوّل أولى بالصواب وأليق بظاهر الكتاب . روى وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال : العسل شفاء من كل داء ، والقرآن شفاء مافي الصدور . الأعمش عن خيثم عن الأسود قال : قال عبد الله : عليكم بالشفائين : العسل والقرآن . { إِنَّ فِي ذٰلِكَ } أي فيما ذكرنا { لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون } فيعتبرون { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ } صبياناً وشباباً وكهولاً { وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ } أي أردؤه ، يقال منه : ( ذل الرجل وفسل ، يرذل رذالة ورذولة ورذلته أنا ) . قال ابن عبّاس : يعني إلى أسفل العمر . مقاتل : وابن زيد : يعني الهرم . قتادة : أرذل العمر سبعون سنة . وروى الأصبغ بن نباتة عن علي ( رضي الله عنه ) قال : أرذل العمر خمس وسبعون سنة . { لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً } أي لا يعقل من بعد عقله الأوّل شيئاً . { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ } نظيرها في سورة الحج . { وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلْرِّزْقِ فَمَا ٱلَّذِينَ فُضِّلُواْ } في الرزق { بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } من العبيد حتّى يستووا هم وعبيدهم في ذلك ، يقول الله جل ثناؤه : فهم لا يرضون أن يكونوا هم ومماليكهم فيما رزقناهم سواء وقد جعلوا عبيدي شركائي في ملكي وسلطاني . يلزم بهذا المثل الحجة على المشركين ، وهذا مثل ضربه الله عزّوجل ، فما منكم من يشرك مملوكه في زوجته وقرابته وماله أفتعدلون بالله خلقه وعباده ، فإن لم ترض لنفسك هذا فالله أحق أن ينزه من ذلك ولا تعدل به أحدا من عباده وخلقه . عبد الله بن عبّاس : نزلت هذه الآية في نصارى نجران حين قالوا : عيسى ابن الله ، يقول : لا يرد المولى على ما ملكت يمينه مما رزق حتّى يكون [ المولى والملوك ] في المنال شرعاً سواء فكيف ترضون لي مالا ترضون لانفسكم نظيرها في سورة الروم { ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ } [ الروم : 28 ] [ مثلا تعاينه ] . قال { أَفَبِنِعْمَةِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } بالاشراك به . قرأ عاصم : بالتاء على الخطاب ، لقوله : { وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ } { وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } . وقرأ الباقون : بالياء لقوله : { فَهُمْ فِيهِ سَوَآءٌ } [ النحل : 71 ] واختاره أبو عبيد وأبو حاتم : لقرب المخبر منه . { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً } يعني أنه خلق من آدم زوجته حوّاء { وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً } . ابن عبّاس والنخعي وابن جبير وأبو الأضحى : هم الأصهار أختان الرجل على بناته . روى شعبة عن عاصم : بن بهدلة قال : سمعت زر بن حبيش وكان رجلاً غريباً أدرك الجاهلية قال : كنت أمسك على عبد الله المصحف فأتى على هذه الآية قال : هل تدري ما الحفدة ، قلت : هم حشم الرجل . قال عبد الله : لا ، ولكنهم الأختان . وهذه رواية الوالبي عن ابن عبّاس . وقال عكرمة والحسن والضحاك : هم الخدم . مجاهد وأبو مالك الأنصاري : هم الأعوان ، وهي رواية أبي حمزة عن ابن عبّاس قال : من أعانك حفدك . وقال الشاعر : @ حفد الولائد حولهن وأسلمت بأكفهنّ أزمّة الأجمال @@ وقال عطاء : هم ولد الرجل يعينونه ويحفدونه ويرفدونه ويخدمونه . وقال قتادة : [ مهنة يمتهنونكم ] ويخدمونكم من أولادكم . الكلبي ومقاتل : البنين : الصغار ، والحفدة : كبار الأولاد الذين يعينونه على عمله . مجاهد وسعيد بن جبير عن ابن عبّاس : إنهم ولد الولد . ابن زيد : هم بنو المرأة من الزوج الأوّل . وهي رواية العوفي عن ابن عبّاس : هم بنو امرأة الرجل الأوّل . وقال العتبي : أصل الحفد : مداركة الخطر والإسراع في المشي . فقيل : لكل من أسرع في الخدمة والعمل : حفدة ، واحدهم حافد ، ومنه يقال في دعاء الوتر : إليك نسعى ونحفد ، أي نسرع إلى العمل بطاعتك . وأنشد ابن جرير [ للراعي ] : @ كلفت مجهولها نوقاً يمانية إذا الحداة على أكسائها حفدوا @@ { وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ أَفَبِٱلْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ } . قال ابن عبّاس : بالأصنام . { وَبِنِعْمَتِ ٱللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } يعني التوحيد الباطل فالشيطان أمرهم بنحر البحيرة والسائبة والوصيلة والحام { وَبِنِعْمَتِ ٱللَّهِ } بما أحلّ الله لهم { هُمْ يَكْفُرُونَ } يجحدون تحليله . { وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِّنَ ٱلسَّمَاوَاتِ } يعني المطر { وَٱلأَرْضِ } يعني النبات . { شَيْئًا } ، قال الأخفش : هو بدل من الرزق وهو في معنى : ما لا يملكون من الرزق شيئاً قليلاً ولا كثيراً . قال الفراء : نصب [ شيئاً ] بوقوع الرزق عليه . كما قال سبحانه : { أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ كِفَاتاً * أَحْيَآءً وَأَمْواتاً } [ المرسلات : 25 - 26 ] أي يكفت الأحياء والأموات . ومثله قوله تعالى : { أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ } [ البلد : 14 - 15 ] . { وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } ولا يقدرون على شيء ، { فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ ٱلأَمْثَالَ } يعني الأشباه والأشكال فيشبهوه بخلقه ويجعلون له شريكاً فإنه واحد لا مثيل له { إِنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ } خطأ ما يضربون له من الأمثال { وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } صواب ذلك من خطأه .