Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 77-97)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي } أي سر بهم أول الليل من أرض مصر . { فَٱضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي ٱلْبَحْرِ يَبَساً } يابساً ليس فيه ماء ولا طين { لاَّ تَخَافُ دَرَكاً } من فرعون خلفك { وَلاَ تَخْشَىٰ } غرقاً من البحر أمامك ، وقرأ حمزة : لا تخف بالجزم على النهي ، الباقون : بالألف على النفي ، واختاره أبو عبيد لقوله : ولا تخشى رفعاً ودليل قراءة حمزة قوله : « يولوكم الأدبار ثمَّ لا تنصرون » فاستأنف ، قال الفرّاء : ولو نوى حمزه بقوله : ولا تخشى الجزم ، لكان صواباً . وقال الشاعر : @ هجوت زماناً ثم ملت معتذراً من سب زمان لم يهجُو ولم يذع @@ وقال آخر : @ ألم يأتيك والأنباء تنمي بما لاقت لبوت بني زياد @@ { فَأَتْبَعَهُمْ } فلحقهم { فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ } أصابهم { مِّنَ ٱلْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ * وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَىٰ } أي وما هداهم إلى مراشدهم ، وهذا جواب قول فرعون : ما أُريكم إلاّ ما أرى وما أهديكم ألاّ سبيل الرشاد ، فكذّبه الله تعالى فقال : بل أضلهم وما هداهم . قال وهب : استعار بنو إسرائيل حلياً كثيراً من القبط ثم خرج بهم موسى من أول الليل ، وكانوا سبعين ألفاً فأخبر فرعون بذلك فركب في ستمائة ألف من القبط يقص أثر موسى ، فلمّا رأى قوم موسى رهج الخيل قالوا { إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } [ الشعراء : 61 ] فقال موسى : { كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [ الشعراء : 62 ] فلمّا قربوا قالوا : يا موسى أين نمضي ؟ البحر أمامنا وفرعون خلفنا ، فضرب موسى بعصاه البحر فانفلق فصار فيه اثنتا عشرة طريقاً يابسة ، لكل سبط طريق ، وصار بين كل طريقين كالطود العظيم من الماء ، وكانوا يمرّون فيه وكلّهم بنو أعمام فلا يرى هذا السبط ذاك ولا ذاك هذا ، فاستوحشوا وخافوا فأوحى الله سبحانه إلى أطواد الماء أن تشبّكي ، فصارت شبكات يرى بعضهم بعضاً ويسمع بعضهم كلام بعض . فلمّا اتى فرعون الساحل وجد موسى وبني إسرائيل قد عبروا فقال للقبط : قد سحر البحر فمرّ ، فقالوا له : إن كنت ربّاً فادخل البحر كما دخل ، فجاء جبرئيل على رمكة وديق ، وكان فرعون على حصان ، وهو الذكر من الأفراس ، فأقحم جبرئيل الرمكة في الماء ، فلم يتمالك حصان فرعون واقتحم البحر على أثرها ودخل القبط عن آخرهم ، فلمّا تلجّجوا أوحى الله سبحانه إلى البحر أن غرّقهم ، فعلاهم الماء وغرّقهم . قال كعب : فعرف السامري فرس جبرئيل ، فحمل من أثره تراباً وألقاه في العجل حين اتّخذه . { يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ } فرعون { وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنَ } وقد مرَّ ذكره { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ * كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } هذه قراءة العامة بالنون والألف على التعظيم ، وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي : أنجيتكم ووعدتكم ورزقتكم من غير ألف على التوحيد والتفريد { كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ } حلال { مَا رَزَقْنَاكُمْ } . { وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ } قال ابن عباس : ولا تظلموا ، وقال مقاتل : ولا تعصوا ، وقال الكلبي : ولا تكفروا النعمة ، وقيل : ولا تحرّموا الحلال ، وقيل : ولا تنفقوا في معصيتي ، وقيل : ولا تدّخروا ، وقيل : ولا تتقووا بنعمي على معاصيّ . { فَيَحِلَّ } يجب { عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ } يجب { عَلَيْهِ غَضَبِي } وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش والكسائي : فيُحل ومن يُحلل بضم الحاء واللام أي ينزل . { فَقَدْ هَوَىٰ } هلك وتردّى في النار { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ } من دينه { وَآمَنَ } بربّه { وَعَمِلَ صَالِحَاً } فيما بينه وبين الله { ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ } . قال قتادة وسفيان الثوري : يعني لزم الإسلام حتى مات عليه . وقال زيد بن أسلم : تعلّم العلم ليهتدي كيف يعمل . وقال الشعبي ومقاتل والكلبي : علم أنّ لذلك ثواباً . وقال فضيل الناجي وسهل التستري : أقام على السنّة والجماعة . وقال الضحاك : يعني استقام . { وَمَآ أَعْجَلَكَ } يعني وما حملك على العجلة { عَن قَومِكَ } يعني عن السبعين الذين اختارهم موسى حين ذهبوا معه إلى الطور ليأخذ التوراة من ربّه فلمّا سار عجل موسى شوقاً إلى ربه وخلّف السبعين وأمرهم أن يتبعوه إلى الجبل ، فقال الله سبحانه له : وما أعجلك عن قومك { يٰمُوسَىٰ } فقال مجيباً لربّه { هُمْ أُوْلاۤءِ } يعني { عَلَىٰ أَثَرِي } هؤلاء يجيئون { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ } لتزداد رضاً { قَالَ } الله سبحانه { فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا } ابتلينا { قَوْمَكَ } الذين خلفتهم مع هارون وكانوا ستمائة ألف فافتتنوا بالعجل غير اثني عشر ألفا { مِن بَعْدِكَ } من بعد انطلاقك إلى الجبل { وَأَضَلَّهُمُ ٱلسَّامِرِيُّ } يعني دعاهم وصرفهم إلى عبادة العجل وحملهم عليها . { فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً } حزيناً جزعاً { قَالَ يٰقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً } صدقاً أنه يعطيكم التوراة { أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ ٱلْعَهْدُ } مدّة مفارقتي إياكم { أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ } يجب { عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي } وذلك أنَّ الله سبحانه كان قد وقّت لموسى ثلاثين ليلة ثمَّ أتّمها بعشر ، فلمّا مضت الثلاثون قال عدو الله السامري … قال سعيد بن جبير : كان السامري من أهل كرمان فقال لهم : إنما اصابكم هذا عقوبة لكم بالحلي التي معكم ، وكانت حلياً استعاروها من القبط ، فهلمّوا بها واجمعوها حتى يجيء موسى فيقضي فيه ، فجمعت ودفعت إليه فصاغ منها عجلاً في ثلاثة أيام ثمَّ قذف فيه القبضة التي أخذها من أثر فرس جبرئيل ، فقال قوم موسى له : { قَالُواْ مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا } قرأ أهل المدينة وعاصم : بمَلكنا بفتح الميم ، وقرأ حمزة والكسائي وخلف بضم الميم ، الباقون : بكسرها ، ومعناها بسلطاننا وطاقتنا وقدرتنا . قال مقاتل : يعني ونحن نملك أمرنا ، وقيل : باختيارنا . { وَلَـٰكِنَّا حُمِّلْنَآ } قرأ أهل الحجاز والشام وحفص : حُمّلنا بضم الحاء وتشديد الميم ، الباقون : حملنا بفتح الحاء والميم مخفّفة { أَوْزَاراً } أثقالاً وأحمالاً { مِّن زِينَةِ ٱلْقَوْمِ } من حلي قوم فرعون { فَقَذَفْنَاهَا } فجمعناها ودفعناها إلى السامري ، فألقاها في النار لترجع أنت فترى فيه رأيك { فَكَذَلِكَ أَلْقَى ٱلسَّامِرِيُّ } ما معه من الحليّ مَعَنا كما ألقينا { فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً } لا روح فيه ، صاغ لهم عجلاً من ذهب مرصّع بالجواهر { لَّهُ خُوَارٌ } صوت ، وذلك أنه خار خورة واحدة ثمَّ لم يعد . قال ابن عباس : أتى هارون على السامري وهو يصنع العجل فقال : ما تصنع ؟ قال : أصنع ما ينفع ولا يضر ، فقال : اللهمَّ أعطه ما سألك على ما في يقينه فلمّا قال : اللهم إنّي أسألك أن يخور ؛ فخار فسجد ، وإنّما خار لدعوة هارون { فَقَالُواْ هَـٰذَآ إِلَـٰهُكُمْ وَإِلَـٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ } أي ضلّ وأخطأ الطريق ، وقيل : معناه فتركه ها هنا وخرج يطلبه . قال الله سبحانه { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ } يعني أنّه لا يرجع { إِلَيْهِمْ قَوْلاً } أي لا يكلّمهم العجل ولا يجيبهم ، وقيل : يعني لا يعود إلى الخوار والصوت { وَلاَ يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً * وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ } يعني من قبل رجوع موسى { يٰقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ } ابتليتم بالعجل { وَإِنَّ رَبَّكُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ فَٱتَّبِعُونِي } على ديني { وَأَطِيعُوۤاْ أَمْرِي } فلا تعبدوه { قَالُواْ لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ } لن نزال على عبادته مقيمين { حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ } فاعتزلهم هارون في اثني عشر ألفا الذين لم يعبدوا العجل ، فلمّا رجع موسى وسمع الصياح والجلبة ، وكانوا يرقصون حول العجل ، قال السبعون الذين معه : هذا صوت الفتنة ، فلمّا رأى هارون أخذ شعره بيمينه ولحيته بشماله وقال له { يٰهَرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوۤاْ } أخطأوا وأشركوا { أَلاَّ تَتَّبِعَنِ } يعني أن تتّبع أمري ووصيتي ولا صلة ، وقيل : معناه : ما منعك من اللحوق بي وإخباري بضلالتهم فتكون مفارقتك إيّاهم تقريعاً وزجراً لهم عمّا أتوه ؟ وقيل : معناه : هلاّ قاتلتهم إذ علمت أنّي لو كنت فيما بينهم لقاتلتهم على كفرهم . { َفَعَصَيْتَ أَمْرِي } فقال هارون { يَبْنَؤُمَّ } قال الكلبي وغيره : كان أخاه لأبيه وأُمّه ولكنّه أراد بقوله : يا بن أُمّ أن يرقّقه ويستعطفه عليه فيتركه ، وقيل : كان أخاه لأُمّه دون أبيه ، وقيل : لأن كون الولد من الأُمّ على التحقيق والأب من جهة الحكم { لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي } يعني ذؤابتي وشعر رأسي إذ هما عضوان مصونان يقصدان بالإكرام والإعظام من بين سائر الأعضاء { إِنِّي خَشِيتُ } لو أنكرت عليهم لصاروا حزبين يقتل بعضهم بعضاً فتقول { فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ } وأوقعت الفرقة فيما بينهم { وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي } ولم تحفظ وصيّتي حين قلت لك اخلفني في قومي وأصلح . قال قتادة في هذه الآية : فذكر الصالحون الفرقة قبلكم ، ثمّ أقبل موسى على السامرىّ فقال له { فَمَا خَطْبُكَ } أمرك وشأنك ، وما الذي حملك على ما صنعت { يٰسَامِرِيُّ } . قال قتادة : كان السامري عظيماً من عظماء بني إسرائيل من قبيلة يقال لها سامرة ، ولكنّ عدوّ الله نافق بعدما قطع البحر مع بني إسرائيل ، فلمّا مرّت بنو إسرائيل بالعمالقة وهم يعكفون على أصنام لهم فقالوا : يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة فاغتنمها السامرىّ ، فاتّخذ العجل فقال السامري مجيباً لموسى : { بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُواْ بِهِ } رأيت ما لم يروا وعرفت ما لم يعرفوا وفطنت ما لم يفطنوا ، وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي تبصروا بالتاء على الخطاب ، الباقون بالياء على الخبر { فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ ٱلرَّسُولِ } يعني فأخذت تراباً من أثر فرس جبرئيل ، وقرأ الحسن فقبصت قبصة بالصاد فيهما ، والفرق بينهما أن القبض بجمع الكف والقبص بأطراف الأصابع { فَنَبَذْتُهَا } فطرحتها في العجل { وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ } زيّنت { لِي نَفْسِي * قَالَ } له موسى { فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ } ما دمت حياً { أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ } لا تخالط أحداً ولا يخالطك أحد ، وأمر موسى بني إسرائيل أن لا يخالطوه ولا يقربوه . قال قتادة : إن بقاياهم اليوم يقولون ذلك : لا مساس ، ويقال بأنَّ موسى همَّ بقتل السامري فقال الله : لا تقتله فإنه سخىّ ، وفي بعض الكتب : إنّه إنْ يمسّ واحد من غيرهم أحداً منهم حُمّ كلاهما في الوقت . { وَإِنَّ لَكَ } يا سامري { مَوْعِداً } لعذابك { لَّن تُخْلَفَهُ } قرأ الحسن وقتادة وأبو نهيك وأبو عمرو بكسر اللام بمعنى لن تغيب عنه بل توافيه ، وقرأ الباقون بفتح اللام بمعنى لن يخلفكه الله . { وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ } بزعمك وإلى معبودك { ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ } دمت عليه { عَاكِفاً } مقيماً تعبده . يقول العرب : ظلتُ أفعل كذا بمعنى ظللت ، ومسْت بمعنى مسست ، وأحسْت بمعنى أحسست . قال الشاعر : @ خلا أنّ العتاق من المطايا أحَسْنَ به فهنّ إليه شوس @@ أي أحسسن . { لَّنُحَرِّقَنَّهُ } قرأه العامة بضم النون وتشديد الراء بمعنى لنحرقنه بالنار . وقرأ الحسن بضم النون وتخفيف الراء من إلاحراق بالنّار ، وتصديقه قول ابن عباس : فحرّقه بالنار ثمَّ ذرّاه في اليمّ . وقرأ أبو جعفر وابن محيص وأشهب العقيلي لنحرقنه بفتح النون وضم الراء خفيفة بمعنى لنبردنّه بالمبارد ، يقال : حرقه يحرقه ويحرقه إذا برّده ، ومنه قيل للمبرد المحرق ، ودليل هذه القراءة قول السدّي : أخذ موسى العجل فذبحه ثمَّ حرقه بالمبرد ثمَّ ذرّاه في اليّم ، وفي حرف ابن مسعود : لنذبحنه ثمَّ لنحرّقنه { ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ } لنذرّينه { فِي ٱلْيَمِّ نَسْفاً } يقال نسف الطعام بالمنسف إذا ذرّاه فطيّر عنه قشوره وترابه .