Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 22, Ayat: 19-26)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ } أي في دينه وأمره ، والخصم اسم شبيه بوصف المصدر فلذلك قال : اختصموا ، نظيرها { وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ ٱلْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ ٱلْمِحْرَابَ } [ ص : 21 ] . واختلف المفسّرون في هذين الخصمين من هما ؟ فروى قيس بن عبّاد أنّ أبا ذرّ الغفاري كان يقسم بالله سبحانه أُنزلت هذه الآية في ستّة نفر من قريش تبادروا يوم بدر : حمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب وعتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة وعبيدة بن الحارث ، قال : وقال علي : إنّي لأوّل من يجثو للخصومة يوم القيامة بين يدي الله سبحانه وتعالى ، وإلى هذا القول ذهب هلال بن نساف وعطاء بن يسار . وقال ابن عباس : هم أهل الكتاب قالوا للمؤمنين : نحن أولى بالله وأقدم منكم كتاباً ونبيّنا قبل نبيكم ، وقال المؤمنون : نحن أحقّ بالله ، آمنّا بمحمد صلى الله عليه وسلم وآمنّا بنبيّكم وبما أنزل الله سبحانه من كتاب ، فأنتم تعرفون كتابنا ونبينا ثم تركتموه وكفرتم به حسداً ، وكان ذلك خصومتهم في ربّهم . وقال مجاهد وعطاء أبن أبي رباح وعاصم بن أبي النجود والكلبي : هم المؤمنون والكافرون كلّهم من أيّ ملّة كانوا . وقال عكرمة : هما الجنة والنار اختصمتا فقالت النار : خلقني الله سبحانه وتعالى لعقوبته ، وقالت الجنّة : خلقني الله عزّ وجلّ لرحمته ، فقد قصّ الله عليك سبحانه من خبرهما ما تسمع ، ودليل هذا التأويل ما أخبرنا أبو سعيد بن حمدون رحمه الله بقراءتي عليه قال : أخبرنا أبو حامد ابن الشرقي قال : حدَّثنا محمد بن يحيى الذهلي وعبد الرَّحْمن بن بشر العبدي وأحمد بن يوسف السلمي قالوا : حدَّثنا عبد الرزاق بن همام الحميري قال : أخبرنا معمر بن راشد عن همام بن منبه قال : هذا ما حدَّثنا أبو هريرة عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " تحاجّت الجنة والنار فقالت النار : أوثرتُ بالمتكبّرين المتجبّرين ، وقالت الجنة : لا يدخلني إلاّ ضعفاء الناس وسقاطهم ، فقال الله سبحانه للجنة : إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي ، وقال للنار : إنما أنتِ عذابي أُعذّب بك من أشاء من عبادي ، ولكلّ واحد منكما ملؤها ، فأما النار فإنّهم يُلقون فيها وتقول : هل من مزيد ؟ فلا تمتلئ حتى يضع الله سبحانه رجله فتقول : قط قط قط ، فهنالك تمتلئ وينزوي بعضها إلى بعض ، ولا يظلم من خلقه أحداً . وأما الجنة فإن الله ينشىء لها خلقاً . " ثم بيّن مآل الخصمين وحال أهل الدارين فقال سبحانه وتعالى { فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ } . قال سعيد بن جبير : ثياب من نحاس من نار ، وليس من الآنية شيء إذا حمي أشدّ حرّاً منه . { يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ ٱلْحَمِيمُ } الماء الحار . روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال : " إنّ الحميم ليصبّ على رؤوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جنبه فيسلت ما في جوفه حتى يبلغ قدميه ، وهو الصهر ثم يعاد كما كان " { يُصْهَرُ } يذاب ، يقال : صهرت الألية والشحم بالنار أذبتها ، أصهرها صهراً ، قال الشاعر : @ تروي لقىً ألقى في صفصف تصهره الشمس ولا ينصهر @@ ومعنى الآية : يذاب بالحميم الذي يصبّ من فوق رؤوسهم ما في بطونهم من الشحوم والأحشاء وتنشوي جلودهم منه فتتساقط . { وَلَهُمْ مَّقَامِعُ } سياط { مِنْ حَدِيدٍ } واحدتها مقمعة ، سمّيت بذلك لأنّها يُقمع بها المضروب أي يذلّل . { كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُواْ فِيهَا } ردّوا إليها . روى الأعمش عن أبي ظبيان قال : ذُكر أنّهم يحاولون الخروج من النار حين تجيش جهنم فتلقي مَن فيها إلى أعلى أبوابها فيريدون الخروج منها فيعذبهم الخزّان فيها ويعيدونهم إليها بالمقامع ويقولون لهم { وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } أي المحرق مثل الأليم والوجيع ، والذوق : حاسة يحصل منها إدراك الطعم ، وهو ها هنا توسّع ، والمراد به إدراكهم الآلام . { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ } وهي جمع سوار { وَلُؤْلُؤاً } . قرأ عاصم وأهل المدينة ها هنا وفي سورة الملائكة : ولؤلؤاً بالنصب على معنى ويحلّون لؤلؤاً ، واستدلّوا بأنّها مكتوبة في جميع المصاحف بالألف ها هنا . وقرأ الباقون بالخفض عطفاً على الذهب ، ثمَّ اختلفوا في وجه إثبات الألف فيه ، فقال أبو عمرو : أُثبتت الألف فيه كما أُثبتت في قالوا وكانوا ، وقال الكسائي : أثبتوها فيه للهمزة لأنَّ الهمزة حرف من الحروف ، وأمّا يعقوب فإنّه قرأها هنا بالنصب وفي سورة فاطر بالخفض رجوعاً إلى المصحف ؛ لأنّه كُتب في جميع المصاحف ها هنا بالألف وهناك بغير ألف . { وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ( * ) وَهُدُوۤاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلْقَوْلِ } وهو شهادة أن لا إله إلاّ الله ، وقال ابن زيد : لا إله إلاّ الله والله أكبر والحمد لله ، نظيرها قوله سبحانه { إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ } [ فاطر : 10 ] { وَهُدُوۤاْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْحَمِيدِ } إلى دين الله . { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ } فعطف بالمستقبل على الماضي لأنّ الصدّ بمعنى دوام الصفة لهم ، ومعنى الآية : وهم يصدّون ومن شأنهم الصدّ ، نظيرها قوله { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ ٱللَّهِ } [ الرعد : 28 ] وقيل : لفظه مستقبل ، ومعناه الماضي ، أي : وصدّوا عن سبيل الله { وَٱلْمَسْجِدِ } يعني عن المسجد { ٱلْحَرَامِ ٱلَّذِي جَعَلْنَاهُ } خلقناه وبنيناه { لِلنَّاسِ } كلّهم لم نخصّ منهم بعضاً دون بعض { سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ } المقيم { فِيهِ وَٱلْبَادِ } الطاري المنتاب إليه من غيره . وقرأ عاصم برواية حفص ويعقوب برواية روح : سواء بالنصب بإيقاع الجعل عليه لأنّ الجعل يتعدّى إلى مفعولين . وقرأ الآخرون بالرفع على الابتداء وما بعده خبره . وتمام الكلام عند قوله { لِلنَّاسِ } . واختلف العلماء في معنى الآية : فقال قوم : سواء العاكف فيه والباد في تعظيم حرمته وقضاء النسك به وحقّ الله الواجب عليهما فيه ، وإليه ذهب مجاهد . وقال آخرون : هما سواء في النزول به فليس أحدهما بأحقّ يكون فيه من الآخر . وحرّموا بهذه الآية كراء دور مكّة وكرهوا إجارتها في أيام الموسم . قال عبد الله بن عمر : سواء أكلت محرماً أو كراء دار مكة . وقال عبد الرَّحْمن بن سابط : كان الحجاج إذا قدموا مكة لم يكن أحد من أهل مكة بأحقّ بمنزله منهم فكان الرجل إذا وجد سعة نزل ، ففشا فيهم السرق ، وكلّ إنسان يسرق من ناحيته فاصطنع رجل باباً فأرسل إليه عمر : اتخذت باباً من حجاج بيت الله ؟ فقال : لا ، إنّما جعلته ليحترز متاعهم وهو قوله { سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ } . قال : البادي فيه كالمقيم ليس أحد أحقّ بمنزله من أُحد إلاّ أن يكون سبق إلى منزل ، وإلى هذا القول ذهب ابن عباس وابن جبير وابن زيد وباذان قالوا : هما سواء في البيوت والمنازل ، والقول الأول أقرب إلى الصواب . أخبرنا الحسين بن محمد بن الحسن بقراءتي عليه قال : حدَّثنا صفوان بن الحسين قال : حدَّثنا أبو محمد بن أبي حاتم قال : سمعت أبا إسماعيل الترمذي بمكة سنة ستين ومائتين قال : سمعت إسحاق بن راهويه يقول : جالست الشافعي بمكة فتذاكرنا في كراء بيوت مكة ، وكان يرخّص فيه ، وكنت لا أرخّص فيه ، فذكر الشافعي حديثاً وسكت ، وأخذت أنا في الباب ، أسرد فلمّا فرغت منه قلت لصاحب لي من أهل مرو بالفارسية : مرد كما لاني هست قرية بمرو ، فعلم أني راطنت صاحبي بشيء هجّنته فيه ، فقال لي : أتناظر ؟ قلتُ : وللمناظرة جئت ، فقال : قال الله سبحانه وتعالى { فَٱلَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ } نسب الديار إلى مالكيها أو غير مالكيها . ؟ وقال النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة : " من أغلق بابه فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن وهل ترك عقيل لنا من رباع " ؟ نسب الدار إلى أربابها أو غير أربابها وقال لي : اشترى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه دار السجن من مالك أو غير مالك ؟ فلمّا علمت أنّ الحجة لزمتني قمت . { وَمَن يُرِدْ فِيهِ } أي في المسجد الحرام { بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } يعني إلحاداً بظلم وهو الميل إلى الظلم ، والباء فيه زائدة كقوله : تنبت بالدهن أي تنبت الدهن . قال الفرّاء : وسمعت أعرابياً من ربيعة وسألته عن شيء فقال : أرجو بذلك يريد أرجو ذلك . وقال الشاعر : @ بواد يمان ينبت الشت صدره وأسفله بالمرخ والشبهان @@ أي المرخ . وقال الأعشى : @ ضمنت برزق عيالنا أرماحنا بين المراجل والصريح الأجرد @@ بمعنى ضمنت رزق عيالنا أرماحنا وقال آخر : @ ألم يأتيك والأنباء تنمي بما لاقت لبون بني زياد @@ واختلفوا في معنى الآية ، فقال مجاهد وقتادة { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ } هو الشرك أن يعبد فيه غير الله سبحانه وتعالى . وقال آخرون : هو استحلال الحرام وركوب الآثام فيه . قال ابن مسعود : ما من رجل يهمّ بسيّئة فيكتب عليه ، ولو أنّ رجلاً بعدن أو ببلد آخر يهمّ أن يقتل رجلاً بمكّة ، أو يهمّ فيها بسيّئة ولم يعملها إلاّ أذاقه الله العذاب الأليم . وقال ابن عباس : هو أن تقتل فيه ما لا يقتلك ، أو تظلم من لا يظلمك ، وهذا القول معنى قول الضحاك وابن زيد . أخبرنا أحمد بن أُبي قال : أخبرنا المغيرة بن عمرو قال : حدَّثنا المفضل بن محمد قال : حدَّثنا محمد بن يوسف قال : حدَّثنا أبو قرّة قال : ذكر سفيان عن ليث عن مجاهد أنّه قال : تُضاعف السيئات بمكّة كما تضاعف الحسنات . ابن جريج : هو استحلال الحرام متعمّداً ، عن حبيب بن أبي ثابت : احتكار الطعام بمكة ، بعضهم : هو كل شيء كان منهيّاً عنه من القول والفعل حتى قول القائل : لا والله ، وبلى والله . وروى شعبة : عن منصور عن مجاهد عن عبد الله بن عمر أنّه كان له فسطاطان أحدهما في الحلّ والآخر في الحرم ، فإن أراد أن يعاتب أهله عاتبهم في الآخر ، فسئل عن ذلك فقال : كّنا نحدّث أنّ من الإلحاد فيه أن يقول الرجل : كلاّ والله وبلى والله . { وَإِذْ بَوَّأْنَا } وطّأنا . قال ابن عباس : جعلنا ، الحسن : أنزلنا ، مقاتل بن سليمان : دللناه عليه ، ابن حبان : هيأنا ، نظيره { تُبَوِّئُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [ آل عمران : 121 ] { وَبَوَّأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ } [ الأعراف : 74 ] وقوله { لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ غُرَفَاً } [ العنكبوت : 58 ] . { لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ } والمكان جوهر يمكن أن يثبت عليه غيره ، كما أن الزمان عرض يمكن أن يحدث فيه غيره ، وأراد بالبيت الكعبة . { أَن لاَّ تُشْرِكْ } يعني أمرناه وعهدنا إليه أن لا تشرك { بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلْقَآئِمِينَ } يعني المصلّين { وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } .