Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 23, Ayat: 60-74)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
" { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ ءَاتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } أهو الذي يزني ويشرب الخمر وهو على ذلك يخاف الله ؟ قال : " لا يا ابنة الصدّيق ولكن هو الذي يصوم ويصلي ويتصدق وهو على ذلك يخاف الله سبحانه " . وأخبرنا عبد الله بن يوسف قال : حدَّثنا محمد بن حامد قال : حدَّثنا محمد بن الجهم قال : حدَّثنا عبد الله بن عمرو قال : أخبرنا وكيع عن ملك بن مغول عن عبد الرَّحْمن بن سعيد بن وهب " عن عائشة قالت : قلت : يا رسول الله { وَٱلَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ } أهو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق قال : " لا يا ابنة أبي بكر أو يا ابنة الصديق ، ولكنه الرجل يصوم ويصلّي ويتصدق ويخاف أن لا تقبل منه " . { أُوْلَـٰئِكَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا } يعني إليها { سَابِقُونَ } كقوله ( لما نُهوا عنه ) و ( لما قالوا ) ونحوهما ، وكان ابن عباس يقول في معنى هذه الآية : سبقت لهم من الله السعادة ولذلك سارعوا في الخيرات . { وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } يعني إلاّ ما يسعها ويصلح لها من العبادة والشريعة : { وَلَدَيْنَا كِتَابٌ } يعني اللوح المحفوظ { يَنطِقُ بِٱلْحَقِّ } يبيّن بالصدق ما عملوا وما هم عاملون من الخير والشر ، وقيل : هو كتاب أعمال العباد الذي تكتبه الحفظة وهو أليق بظاهر الآية . { وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ } يعني يوفّون جزاء أعمالهم ولا ينقص من حسناتهم ولا يزاد على سيئاتهم . ثمَّ ذكر الكفار فقال عزَّ من قائل { بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ } عمى وغفلة { مِّنْ هَـٰذَا } القرآن { وَلَهُمْ أَعْمَالٌ } خبيثة لا يرضاها الله من المعاصي والخطايا { مِّن دُونِ ذٰلِكَ } يعني من دون أعمال المؤمنين التي ذكرها الله سبحانه ، قيل : وهي قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ مُّشْفِقُونَ } . { هُمْ لَهَا عَامِلُونَ } لابد لهم من أن يعملوها فيدخلوا بها النار لما سبق لهم من الشقاوة . { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ } يعني اغنياءهم ورؤساءهم { بِٱلْعَذَابِ } قال ابن عباس : بالسيوف يوم بدر ، وقال الضحّاك : يعني الجوع وذلك " حين دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسنيّ يوسف ، فابتلاهم الله بالقحط حتى أكلوا الجيف والكلاب والعظام المحرقة والقدّ والأولاد " . { إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ } يضجّون ويجزعون ويستغيثون ، وأصل الجؤار رفع الصوت بالتضرّع كما يفعل الثور ، قال الشاعر : @ فطافت ثلاثا بين يوم وليلة وكان النكير أن تضيف وتجأرا @@ يصف بقره . وقال أيضاً : @ يراوح من صلوات المليك فطوراً سجوداً وطوراً جؤارا @@ { لاَ تَجْأَرُواْ ٱلْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِّنَّا لاَ تُنصَرُونَ } لا تمنعون ولا ينفعكم جزعكم وتضرّعكم . { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } يعني القرآن { فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ } أدباركم { تَنكِصُونَ } تدبرون وتستأخرون وترجعون القهقرى ، مكذّبين بها كارهين لها { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ } أي بالحرم تقولون : لا يظهر علينا أحد لأنّا أهل الحرم ، وهو كناية عن غير مذكور { سَامِراً } نصب على الحال يعني أنّهم يسمرون بالليل في مجالسهم حول االبيت ، ووحّد سامراً وهو بمعنى السمّار لأنّه وضع موضع الوقت ، أراد : تهجرون ليلاً ، كقول الشاعر : @ من دونهم إنْ جئتهم سمراً عزف القيان ومجلس غمر @@ فقال : سمراً لأن معناه : إنْ جئتهم ليلاً وهم يسمرون ، وقيل : واحد ومعناه الجمع كما قال { ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً } [ غافر : 67 ] ونحوه . { تَهْجُرُونَ } قرأ نافع بضم التاء وكسر الجيم أي تفحشون وتقولون الخنا ، يقال اهجر الرجل في كلامه أي أفحش ، وذكر أنّهم كانوا يسبّون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وقرأ الآخرون بفتح التاء وضم الجيم ولها وجهان : أحدهما : تعرضون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن والإيمان وترفضونها . والآخر : يقولون سوءاً وما لا يعلمون ، من قولهم : هجر الرجل في منامه إذا هذى . { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ } يتدبّروا { ٱلْقَوْلَ } القرآن { أَمْ جَآءَهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ ٱلأَوَّلِينَ } فأنكروه وأعرضوا عنه ، ويحتمل أن يكون أم بمعنى بل ، يعني : بل جاءهم ما لم يأتِ آباءهم الأولين فكذلك أنكروه ولم يؤمنوا به ، وروي هذا القول عن ابن عباس . { أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ } محمداً وأنّه من أهل الصدق والأُمانة . { فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ * أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ } جنون ، كذبوا في ذلك فإن المجنون يهذي ويقول ما لا يعقل ولا معنى له ، { بَلْ } محمد { جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ } بالقول الذي لا يخفى صحته وحسنه على عاقل { وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ * وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ } يعني الله سبحانه { أَهْوَآءَهُمْ } مرادهم فيما يفعل { لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ } ببيانهم وشرفهم يعني القرآن . { فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ * أَمْ تَسْأَلُهُمْ } على ما جئتهم به { خَرْجاً } أجراً وجعلاً وأصل الخرج والخراج الغلّة والضريبة والأتاوة كخراج العبد والأرض . وقال النضر بن شميل : سألت أبا عمرو بن العلاء عن الفرق بين الخرج والخراج فقال : الخراج ما لزمك ووجب عليك أداؤه ، والخرج ما تبرّعت به من غير وجوب . قال الله سبحانه : { فَخَرَاجُ رَبِّكَ } رزقه وثوابه { خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ * وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } وهو الإسلام . { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ عَنِ ٱلصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ } عادلون ، مائلون ، ومنه الريح النكباء .