Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 69-87)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ * قَالُواْ نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ } . قال بعض العلماء : إنّما قالوا : فنظل لأنهم كانوا يعبدونها بالنهار دون الليل . { قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ } قراءة العامة بفتح الياء أي : هل يَسمعون دعاءكم ، وقرأ قتادة يُسمعونكم بضم الياء { إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ } . وفي هذه الآية بيان أنَّ الدين إنما يثبت بالحجة وبطلان التقليد فيه . { قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَّا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وَآبَآؤُكُمُ ٱلأَقْدَمُونَ } الأولون { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِيۤ } وأنا منهم بريء ، وإنما وحّد العدو لأن معنى الكلام : فإنّ كل معبود لكم عدوّ لي لو عبدتهم يوم القيامة ، كما قال الله سبحانه وتعالى { كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } [ مريم : 82 ] . وقال الفرّاء : هو من المقلوب أراد فإنّي عدو لهم لأنّ مَن عاديَته عاداك . ثم قال { إِلاَّ رَبَّ ٱلْعَالَمِينَ } نصب بالاستثناء يعني فإنهم عدو لي وغير معبود لي إلاّ ربّ العالمين فإنّي أعبده ، قاله الفرّاء ، وقيل : هو بمعنى لكن ، وقال الحسن بن الفضل : يعني الأمر عند رب العالمين . ثم وصفه فقال { ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ } أخبر أن الهادي على الحقيقة هو الخالق لا هادي غيره . قال أهل اللسان : الذي خلقني في الدنيا على فطرته فهو يهديني في الآخرة إلى جنته . { وَٱلَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ } يعني يرزقني ويربيني . وقال أبو العباس بن عطاء : يعني يطعمني أيّ طعام شاء ، ويسقيني أيّ شراب شاء . قال محمد بن كثير العبدي : صحبت سفيان الثوري بمكة دهراً فكان يستف من السبت الى السبت كفّاً من رمل . وسمعت أبا القاسم بن حبيب يقول : سمعت أبا الحسن محمد بن علي بن الشاه يقول : سمعت أبا عبد الله محمد بن علي بن حمدان يقول : سمعت الحجاج بن عبد الكريم يقول : خرجت من بلخ في طلب إبراهيم بن أدهم فرأيته بحمص في أتون يسجّرها فسلّمت عليه وسألته عن حاله ، فردّ عليَّ السلام وسألني عن حالي وحال أقربائه ، فكنت معه يومه ذلك فقال : لعلّ نفسك تنازعك الى شيء من طعام ؟ فقلت : نعم فأخذ رماداً وتراباً فخلطهما وأكلهما ثمَّ أقبل بوجهه عليَّ وانشأ يقول : @ اخلط الترب بالرماد وكُلْه وازجر النفس عن مقام السؤالِ فإذا شئت ان تقبّع بالذلّ فرم ما حوته أيدي الرجال @@ فخرجت من عنده فمكثت أياماً لم أدخل عليه فاشتدّ شوقي إليه ، فدخلت عليه وكنت عنده فلم يتكلّم بشيء فقلت له : لِمَ لا تكلّم ؟ فقال : @ مُنع الخطاب لأنه سبب االردى والنطق فيه معادن الآفاتِ فإذا نطقتَ فكن لربّك ذاكراً وإذا سكتَّ فعدّ جسمك مات @@ قال أبو بكر الوراق : يطعمني بلا طعام ويسقيني بلا شراب ، ومجازها : يشبعني ويرويني من غير علاقة ، كقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إنّى أبيت يطعمني ربّي ويسقيني " . يدلّ عليه حديث السقاء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حيث سمع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام يقرأ { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا } فرمى بقربته ، فأتاه آت في منامه بقدح من شراب الجنّة فسقاه . قال أنس : فعاش بعد ذلك نيّفاً وعشرين سنة لم يأكل ولم يشرب على شهوته . وقال علي بن قادم : كان عبد الرَّحْمن بن أبي نعم لا يأكل في الشهر إلاّ مرَّة ، فبلغ ذلك الحجاج فدعاه وأدخله بيتاً وأغلق عليه بابه ثم فتحه بعد خمسة عشر يوماً ولم يشكّ أنّه مات فوجده قائماً يصلّي فقال : يا فاسق تُصلّي بغير وضوء فقال : إنّما يحتاج الى الوضوء مَن يأكل ويشرب ، وأنا على الطهارة التي أدخلتني عليها هذا البيت . وسمعت أبا القاسم الحسن بن محمد النيسابوري يقول : سمعت أبا نصر منصور بن عبد الله الاصبهاني يقول : سمعت أبا سعيد الخزاز بمكة يقول : كنت بطرسوس جائعاً ، فاشتدَّ بي الجوع فجلست على شاطئ النهر ووضعت رجلي في الماء فنوديت : أضجرت من جوعك ؟ هاك شبع الأبد . قال : فعاش بعده سنين لم يشته طعاماً ولا شراباً ، وكان مع ذاك إذا أراد الاكل والشرب أمكنه . وبلغني أنّ امرأة اسرت من حلب الى الروم في أيام سيف الدولة علي بن حمدان ، فهربت منهم ومشت مائتي فرسخ لم تطعم شيئاً ، فقدمت الى سيف الدولة فقال لها : كيف قويت على المشي وكيف عشت بلا طعام ؟ فقالت : كنتُ كلّما جعت أو أعييت أقرأ { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [ الإخلاص : 1 ] ثلاث مرّات فأشبع وأروى وأقوى . وسمعت أبا القاسم ؟ يقول : سمعت أبا القاسم النصرآبادي يقول : سمعت أبا بكر الشبلي يقول : في الخبز لطيفة تشبعك لا الخبز ، ولو شاء لأبقى فيك تلك اللطيفة حتى لا تحتاج الى الخبز . وقال ذو النون المصري : يطعمني طعام المحبّة ويسقيني شراب المحبّة . ثم أنشأ يقول : @ شراب المحبّة خير الشراب وكلّ شراب سواه سراب @@ وسمعت ابن حبيب يقول : سمعت أبا عبد الله محمد بن عبيد الله الجرجاني يقول : سمعت الحسن بن علوية الدامغاني يقول : سمعت عمّي يقول : سمعت أبا يزيد البسطامي يقول : إنَّ لله شراباً يقال له شراب المحبّة ادّخرهُ لأفاضل عباده ، فإذا شربوا سكروا ، فإذا سكروا طاشوا ، فإذا طاشوا طاروا ، فإذا طاروا وصلوا ، فإذا وصلوا اتصلوا ، فهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر . وقال الجنيد : يُحشر الناس كلّهم عراة إلاّ من لبس لباس التقوى ، وغراثاً إلاّ من أكل طعام المعرفة ، وعطاشى إلاّ من شرب شراب المحبّة . { وَإِذَا مَرِضْتُ } أضاف إبراهيم ( عليه السلام ) المرض الى نفسه وإن كان من الله سبحانه ؛ لأنّ قومه كانوا يعدّونه عيباً فاستعمل حسن الأدب ، نظيرها قصة الخضر حيث قال { فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا } [ الكهف : 79 ] وقال { فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا } [ الكهف : 82 ] . { فَهُوَ يَشْفِينِ } يبرئني يحكى أنّ أبا بكر الورّاق مرّ بطبيب يعطي الناس الأدوية فوقف عليه وقال : أيفعل دواؤك هذا أمرين ؟ قال : وما هما ؟ فقال : ردّ قضاء قاض وجرّ شفاء شاف ؟ فقال : لا قال : فليس [ ذلك بشيء ] . وقال جعفر الصادق : إذا مرضت بالذنوب شفاني بالتوبة . سامر بن عبد الله : إذا أمرضتني مقاساة الخلق شفاني بذكره والأُنس به . { وَٱلَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ } أدخل ههنا { ثُمَّ } للقطع والتراخي . قال أهل اللسان والاشارة : يميتني بالعدل ويحييني بالفضل ، يميتني بالمعصية ويحييني بالطاعة ، يميتني بالفراق ويحييني بالتلاقي ، يميتني بالخذلان ويحييني بالتوفيق ، يميتني غنىً ويحييني به ، يميتني بالجهل ويحييني بالعلم . { وَٱلَّذِيۤ أَطْمَعُ } أرجو { أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ ٱلدِّينِ } قراءة العامّة بالتوحيد . وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن حنش قال : حدّثنا أبا القاسم بن الفضل قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا أحمد بن يزيد قال : حدّثنا روح عن أبي اليقظان قال : حدّثنا الحكم السلمي قال : سمعت الحسن يقرأ " والذي أطمع أن يغفر لي خطاياي يوم الدين " . قال : إنّها لم تكن خطيئة ولكن كانت خطايا . قال مجاهد ومقاتل : هي قوله { إِنِّي سَقِيمٌ } [ الصافات : 89 ] وقوله { بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ } [ الأنبياء : 63 ] وقوله لسارة ( هي أُختي ) زاد الحسن ، وقوله للكواكب { هَـٰذَا رَبِّي } [ الأنعام : 76 - 78 ] . أخبرني الحسين بن محمد بن الحسين قال : حدّثنا أحمد بن إبراهيم بن شاذان قال : حدّثنا عبيد الله بن ثابت الحريري قال : حدّثنا أبو سعيد الأشج قال : حدّثنا أبو خالد عن داود عن الشعبي " عن عائشة رضي الله عنها قالت : يا رسول الله إنّ عبد الله بن جدعان كان يقري الضيف ويصل الرحم ويفكّ العاني ، فهل ينفعه ذلك ؟ قال : لا ، لأنّه لم يقل يوماً قطّ : اغفر لي خطيئتي يوم الدين . " وهذا الكلام من إبراهيم ( عليه السلام ) احتجاج على قومه وإخبار أنّه لا يصلح للإلهية إلاّ من فعل هذه الأفعال . { رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً } وهو البيان على الشيء على ما توجبه الحكمة ، وقال مقاتل : فهماً وعلماً ، والكلبي : النبوّة . { وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ } بمن قبلي من النبيين في الدرجة والمنزلة . وقال ابن عباس : بأهل الجنة . { وَٱجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي ٱلآخِرِينَ } أي ذكراً جميلاً وثناءً حسناً وقبولاً عاماً في الأُمم التي تجيء بعدي ، فأعطاه الله سبحانه وتعالى ذلك ، فكلّ أهل الأديان يتولّونه ويبنون عليه . قال القتيبي : ووضع اللسان موضع القول على الاستعارة ؛ لأن القول يكنى بها ، والعرب تسمّي اللغة لساناً . وقال أعشى باهله : @ إنّي أتتني لسان لا أُسرُّ بها من علو لا عجب منها ولا سخر @@ { وَٱجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ ٱلنَّعِيمِ * وَٱغْفِرْ لأَبِيۤ إِنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلضَّآلِّينَ } وقد بيّنا المعنى الذي من أجله استغفر إبراهيم ( عليه السلام ) لأبيه في سورة التوبة بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . { وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ } .