Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 15-22)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَدَخَلَ } يعني موسى { ٱلْمَدِينَةَ } قال السدي : يعني مدينة منف من أرض مصر ، وقال مقاتل : كانت قرية تدعى خانين على رأس فرسخين من مصر . { عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا } قال محمد بن كعب القرظي : دخلها فيما بين المغرب والعشاء ، وقال غيره : نصف النهار عند القائلة ، واختلف العلماء في السبب الذي من أجله دخل موسى هذه المدينة في هذا الوقت ، فقال السدّي : كان موسى ( عليه السلام ) حين أمر بركب مراكب فرعون وبلبس مثل ما يلبس ، وكان إنّما يدعى موسى بن فرعون ، ثم إنّ فرعون ركب مركباً وليس عنده موسى ( عليه السلام ) ، فلمّا جاء موسى قيل له : إنّ فرعون قد ركب ، فركب في أثره ، فأدركه المقيل أرض يقال لها : منف ، فدخلها نصف النهار وقد تقلّبت أسواقها ، وليس في طرقها أحد ، وهو الذي يقول الله سبحانه : { وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا } . وقال ابن إسحاق : كانت لموسى من بني إسرائيل شيعة يسمعون منه ويقتدون به ويجتمعون إليه ، فلمّا اشتد رأيه وعرف ما هو عليه من الحق رأى فراق فرعون وقومه ، فخالفهم في دينه وتكلّم وعادى وأنكر حتى ذكر ذلك منه ، وحتى خافوه وخافهم ، حتى كان لا يدخل قرية إلاّ خائفاً مستخفياً ، فدخلها يوماً { وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا } . وقال ابن زيد : لمّا علا موسى فرعون بالعصا في صغره قال فرعون : هذا عدونا الذي قتلت فيه بني إسرائيل ، فقالت امرأته : لا بل هو صغير ، ثم دعت بالجمر والجوهر ، فلمّا أخذ موسى الجمرة وطرحها في فيه حتى صارت عقدة في لسانه ، ترك فرعون قتله وأمر بإخراجه من مدينته ، فلم يدخل عليهم إلاّ بعد أن كبر وبلغ أشدّه ، { وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا } عن موسى أي من بعد نسيانهم خبره وأمره لبُعد عهدهم به . وقال علي بن أبي طالب " رضي الله عنه " : في قوله : { حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا } كان يوم عيد لهم قد اشتغلوا بِلَهْوِهِم ولعبهم ، { فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ } من أهل دينه من بني إسرائيل ، { وَهَـٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ } من مخالفيه من القبط ، قال المفسرون : الذي هو من شيعته هو السامري ، والذي من عدوّه طباخ فرعون واسمه فليثون . وأخبرني ابن فنجويه ، قال : حدّثنا موسى بن محمد ، قال : حدّثنا الحسن بن علوية ، قال : حدّثنا إسماعيل بن عيسى ، قال : حدّثنا المسيب بن شريك قال : اسمه فاثون وكان خباز فرعون ، قالوا : يسخّره لحمل الحطب إلى المطبخ ، روى سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : لمّا بلغ موسى أشده ، وكان من الرجال لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل معه بظلم ولا سخرة حتى امتنعوا كل الامتناع ، فبينما هو يمشي ذات يوم في ناحية المدينة إذا هو برجلين يقتتلان أحدهما من بني إسرائيل ، والآخر من آل فرعون ، فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني ، فغضب موسى واشتد غضبه ؛ لأنّه تناوله وهو يعلم منزلة موسى من بني إسرائيل وحفظه لهم ولا يعلم الناس لاّ إنّما ذلك من قبل الرضاعة من أُمّ موسى ، فقال للفرعوني ، خلِّ سبيله ، فقال : إنّما أخذه ليحمل الحطب إلى مطبخ أبيك ، فنازع أحدهما صاحبه ، فقال الفرعوني لموسى : لقد هممت إلى أن أحمله عليك . وكان موسى قد أوتي بسطة في الخلق وشدة في القوة والبطش ، { فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ } بجمع كفّه ولم يتعمد قتله ، قال الفرّاء وأبو عبيدة : الوكز : الدفع بأطراف الأصابع ، وفي مصحف عبد الله ( فنكزه ) بالنون ، والوكز واللكز والنكز واحد ، ومعناها : الدفع ، { فَقَضَىٰ عَلَيْهِ } أي قتله وفرغ من أمره ، وكلّ شيء فرغت منه فقد قضيته ، وقضيت عليه ، قال الشاعر : @ أيقايسون وقد رأوا حفاثهم قد عضّه فقضى عليه الأشجع @@ أي قتله . فلمّا قتله موسى ندم على قتله ، وقال : لم أومر بذلك ثم دفنه ) في الرمل ) { قَالَ هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ * قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَٱغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ * قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ } بالمغفرة فلم تعاقبني { فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً } عوناً ونصيراً { لِّلْمُجْرِمِينَ } قال ابن عباس : لم يستثن فابتلى ، قال قتادة : يعني فلن أعين بعدها على خطيئة ، أخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا محمد بن خالد ، قال : حدّثنا داود بن سليمان ، قال : أخبرنا عبد بن حميد ، قال : حدّثنا عبيد الله بن موسى ، عن سلمة بن نبيط قال : بعث بعض الأمراء وهو عبد الرحمن بن مسلم إلى الضحاك بعطاء أهل بخارى ، وقال : أعطهم ، فقال : اعفني ، فلم يزل يستعفيه حتى أعفاه ، فقال له بعض أصحابه : وأنت لا ) ترزأ ) شيئاً ، فقال : لا أحب أن أعين الظلمة على شيء من أمرهم . وبه عن عبد الله قال : حدّثنا يعلى ، قال حدّثنا عبيد الله بن الوليد الوصافي قال : قلت لعطاء بن أبي رياح : إنّ لي أخاً يأخذ بقلمه ، وإنّما يكتب ما يدخل وما يخرج ، قال : أخذ بقلمه كان ذلك غنىً وإن تركه احتاج ، وصار عليه دَين وله عيال ، فقال : من الرأس ؟ قلت : خالد بن عبد الله ، قال : اما تقرأ ما قال العبد الصالح : رب بما أنعمت عليَّ فلن أكون ظهيراً للمجرمين ، فلا يعينهم فإن الله تعالى سيغنيه . { فَأَصْبَحَ فِي ٱلْمَدِينَةِ خَآئِفاً } من قتله القبطي أن يؤخذ فيُقتل به ، { يَتَرَقَّبُ } ينتظر الأخبار ، { فَإِذَا ٱلَّذِي ٱسْتَنْصَرَهُ بِٱلأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ } يستغيثه ، وأصل ذلك من الصراخ ، كما يقال : قال بني فلان : يا صاحباً . قال ابن عباس : أتى فرعون فقيل له : إن بني إسرائيل قد قتلوا رجلا منّا ، فخذ لنا بحقّنا ولا ترخص لهم في ذلك ، فقال : أبغوا لي قاتله ومن يشهد عليه ، فلا يستقيم أن يقضى بغير بيّنة ولا ثبت فاطلبوا ذلك ، فبينا هم يطوفون ( و ) لا يجدون ثبتا إذ مرّ موسى من الغد فرأى ذلك الإسرائيلي يقاتل فرعونياً آخر يريد أن يسخّره ، فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني فصادف موسى ، وقد ندم على ما كان منه بالأمس من قتله القبطي ، فقال موسى للإسرائيلي : { إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ } ظاهر الغواية حين قاتلت أمس رجلا وقتلته بسببك ، وتقاتل اليوم آخر وتستغيثني عليه . وقيل : إنّما قال للفرعوني : { إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ } بتسخيرك وظلمك ، والقول الأول أصوب وأليق بنظم الآية . قال ابن عباس : ثم مد موسى يده وهو يريد أن يبطش بالفرعوني ، فنظر الإسرائيلي إلى موسى بعدما قال له : { إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ } ( فإذا هو غضبان كغضبه بالأمس فخاف أن يكون بعدما قال له : إنك لغوي مبين أراده ) ، ولم يكن أراده ، إنّما أراد الفرعوني ، فقال : { قَالَ يٰمُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِٱلأَمْسِ إِن تُرِيدُ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً فِي ٱلأَرْضِ } بالقتل ظلماً ، قال عكرمة والشعبي : لا يكون الإنسان جباراً حتى يقتل نفسين بغير حق . { وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِينَ } ثم تتاركا ، فلمّا سمع القبطي ما قال الإسرائيلي علم أنّ موسى قتل ذلك الفرعوني ، فانطلق إلى فرعون ، فأخبره بذلك ، فأمر فرعون بقتل موسى ولم يكن ظهر على قاتل القبطي حتى قال صاحب موسى ما قال . قال ابن عباس : فلمّا أرسل فرعون الذباحين لقتل موسى أخذوا الطريق الأعظم فجاء رجل من شيعة موسى من أقصى المدينة أي آخرها ، واختصر طريقاً قريباً ) وسبقهم فأخبره وأنذره ) حتى أخذ طريقاً آخر فذلك قوله : { وَجَآءَ رَجُلٌ } واختلفوا فيه ، فقال أكثر أهل التأويل : هو حزقيل بن صبورا مؤمن آل فرعون ، وكان ابن عم فرعون ، فقال شعيب الجبائي : اسمه شمعون ، وقيل : شمعان . { مِّنْ أَقْصَى ٱلْمَدِينَةِ يَسْعَىٰ } قال الكلبي : يسرع في مشيه لينذره ، مقاتل : يمشي على رجليه ، { قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنَّ ٱلْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ } أي يهمّون بقتلك ويتشاورون فيك ، وقيل : يأمر بعضهم بعضاً نظيره قوله عز وجل : { وَأْتَمِرُواْ بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ } [ الطلاق : 6 ] ، وقال النمر بن تغلب : @ أرى الناس قد أحدثوا سمة وفي كلّ حادثة يؤتمر @@ { فَٱخْرُجْ } من هذه المدينة { إِنِّي لَكَ مِنَ ٱلنَّاصِحِينَ * فَخَرَجَ } موسى { مِنْهَا } أي من مدينة فرعون { خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ } ينتظر الطلب { قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ * وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ قَالَ } أي نحوها وقصدها ماضياً لها ، خارجاً عن سلطان فرعون ، يقال : داره تلقاء دار فلان إذا كانت محاذيتها ، وأصله من اللقاء ، ولم تصرف مدين لأنّها اسم بلدة معروفة . قال الشاعر : @ رهبان مدين لو رأوك تنزّلوا والعصم من شغف العقول القادر @@ وهو مدين بن إبراهيم نُسبتْ البلدة إليه كما نُسبتْ مدائن إلى أخيه مدائن بن إبراهيم { قَالَ عَسَىٰ رَبِّيۤ أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } قصد الطريق إلى مدين ، وإنّما قال ذلك لأنّه لم يكن يعرف الطريق إليها ، فلمّا دعا جاءه ملك على فرس بيده عنزة فانطلق به إلى مدين . قال المفسّرون : خرج موسى من مصر بلا زاد ولا درهم ولا ظهر ولا حذاء إلى مدين وبينهما مسيرة ثماني ليال نحواً من الكوفة إلى البصرة ، ولم يكن له طعام إلاّ ورق الشجر ، قال ابن جبير : خرج من مصر حافياً ، فما وصل إلى مدين حتى وقع خف قدميه .