Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 48, Ayat: 22-27)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلَوْ قَاتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كفَرُواْ } يعني أسد ، وغطفان ، وأهل خيبر ، وقال قتادة : يعني كفّار قريش { لَوَلَّوُاْ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً * سُنَّةَ ٱللَّهِ } أي كسنّة الله { ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ } في نصرة أوليائه ، وقهر أعدائه { وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً * وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ } وهو الحديبية { مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } ( الياء ) أبو عمرو ، وغيره ( بالتاء ) ، واختلفوا فيهم ، فقال أنس : إنّ ثمانين رجلاً من أهل مكّة هبطوا على رسول الله وأصحابه من جبل التنعيم عند صلاة الفجر عام الحديبية ليقتلوهم ، فأخذهم رسول الله سلماً ، وأعتقهم ، فأنزل الله تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ } … الآية . عكرمة ، عن ابن عبّاس ، قال : إنّ قريشاً كانوا بعثوا أربعين رجلاً منهم أو خمسين ، وأمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول الله عام الحديبية ليصيبوا من أصحابه أحداً ، وأُخذوا أخذاً ، فأتى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فعفا عنهم ، وخلّى سبيلهم ، وقد كانوا يرمون عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجارة ، والنّبل فأنزل الله تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ } … الآية . وقال عبد الله بن المغفل : كنّا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم بالحديبية في أصل الشجرة وعلى ظهره غصنٌ من أغصان تلك الشجرة ، فرفعته عن ظهره ، وعليّ بن أبي طالب بين يديه يكتب كتاب الصُلح ، وسهيل بن عمرو ، فخرج علينا ثلاثون شابّاً عليهم السّلاح ، فثاروا في وجوهنا ، فدعا رسول الله ( عليه السلام ) ، فأخذ الله بأبصارهم ، فقمنا إليهم ، فأخذناهم ، فخلّى عنهم رسول الله ، فأنزل الله تعالى هذه الآية . وقال مجاهد : أقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم معتمراً ، وأخذ أصحابه ناساً من أهل الحرم غافلين ، فأرسلهم النبيّ صلى الله عليه وسلم فذلك الإظفار ببطن مكّة ، " وقال قتادة : ذُكر لنا أنَّ رجلاً من أصحاب رسول الله يقال له : زنيم اطّلع الثنية من الحديبيّة ، فرماه المشركون بسهم ، فقتلوه ، فبعث رسول الله خيلاً ، فأتوا باثني عشر فارساً من الكفّار ، فقال لهم نبيّ الله : " هل لكم عليَّ عهد ؟ هل لكم عليَّ ذمّة ؟ " . قالوا : لا ، فأرسلهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية " . وقال ابن ايزي ، والكلبي : هم أهل الحديبية ، وذلك " أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لمّا خرج بالهدي وانتهى إلى ذي الحليفة ، فقال له عمر رضي الله عنه : يا نبي الله تدخل على قوم لك حرب بغير سلاح ، ولا كراع ؟ قال : فبعث إلى المدينة ، فلم يدع فيها كراعاً ولا سلاحاً إلاّ حمله ، فلمّا دنا من مكّة منعوه أن يدخل ، فسار حتّى أتى منى ، فنزل منى ، فأتاه عينه أنّ عكرمة بن أبي جهل قد خرج عليك في خمسمائة ، فقال لخالد بن الوليد : " يا خالد هذا ابن عمّك قد أتاك في الخيل " . فقال خالد : أنا سيف الله ، وسيف رسوله ، يا رسول الله ، أرمِ بي حيث شئت ، فيومئذ سمّي سيف الله ، فبعثه على خيل ، فلقي عكرمة في الشعب فهزمه حتّى أدخله حيطان مكّة ، ثمّ عادوا في الثانية ، فهزمه حتّى أدخله حيطان مكّة ، ثمّ عاد في الثالثة فهزمه حتّى أدخله حيطان مكّة ، فأنزل الله تعالى هذه الآية : { وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ } إلى قوله : { عَذَاباً أَلِيماً } فكفّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لبقايا من المسلمين كانوا بقوا فيها من بعد أن أظفره عليهم كراهية ، أن تطأهم الخيل بغير علم " قال الله تعالى : { وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ } بأن يقتلوهم { فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ } قال ابن زيد : إثم ، وقال ابن إسحاق : غرم الدّية . وقيل : الكفّارة ؛ لأنّ الله تعالى إنّما أوجب على قاتل المؤمن في دار الحرب إذا لم يكن هاجر منها ، ولم يعلم قاتله إيمانه الكفّارة دون الدّية ، فقال جلّ ثناؤه : { فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىۤ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } [ النساء : 92 ] . ولم يوجب على قاتل خطأ دية ، وقيل : هو أنّ المشركين يعيبونكم ويقولون : قتلوا أهل دينهم . ( والمعرّة ) المشقّة ، وأصلها من العرّ وهو الحرب لإذن ذلك في دخولها ، ولكنّه حال بينكم ، وبين ذلك { لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ } دينه الإسلام { مَن يَشَآءُ } من أهل مكّة قبل أن تدخلوها ، هكذا نظم الآية وحكمها ، فحذف جواب ( لولا ) استغناء بدلالة الكلام عليه ، وقال بعض العلماء : قوله : ( لعذّبنا ) جواب لكلامين : أحدهما { وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ } ، والثاني : { لَوْ تَزَيَّلُواْ } أي تميّزوا . ثمّ قال : { لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ } يعني المؤمنين ، والمؤمنات { فِي رَحْمَتِهِ } لكن جنّته . قال قتادة : في هذه الآية إنّ الله يدفع بالمؤمنين عن الكفّار ، كما يدفع بالمستضعفين من المؤمنين عن مشركي مكّة . أخبرنا أبو عبد الله بن منجويه الدينوري ، حدّثنا أبو علي بن حبش المقري ، حدّثنا أبو الطيّب أحمد بن عبد الله بن بجلي الدارمي بإنطاكية ، حدّثني أحمد بن يعقوب الدينوري ، حدّثنا محمّد بن عبد الله بن محمّد الأنصاري ، " حدّثني محمّد بن الحسن الجعفري ، قال : سمعت جعفر ابن محمّد يحدِّث ، عن أبيه ، عن جدّه علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، أنّه سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن قول الله تعالى : { لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } قال : " هم المشركون من أجداد النبيّ صلى الله عليه وسلم ممّن كان بعده في عصره ، كان في أصلابهم المؤمنون ، فلو تزيّل المؤمنون عن أصلاب الكفّار يعذب الله عذاباً أليماً " إذ من صلة قوله تعالى : { لَعَذَّبْنَا } { إِذْ جَعَلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ } حين صدّوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن البيت ، ولم يقرّوا ببسم الله الرّحمن الرَّحيم ، ولا برسالة رسول الله ، ( والحميّة ) فعيلة من قول القائل : حمي فلان أنفه ، يحمي حميّة ، وتحمية . قال المتلمس : ألا إنّني منهم وعرضي عرضهم كذا الرأس يحمي أنفه أن يهشّما أي يمنع . { فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ } يعني الإخلاص ، نظيرها قوله تعالى : { وَلَـٰكِن يَنَالُهُ ٱلتَّقْوَىٰ مِنكُمْ } [ الحج : 37 ] وقوله : { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ } [ المائدة : 27 ] . أخبرنا أبو بكر محمّد بن أحمد بن شاذان الرازي بقراءتي عليه ، حدّثنا أبو عبد الله الحسين ابن علي بن أبي الربيع القطان ، حدّثنا عبد الله بن أحمد بن محمّد بن حنبل ، وهيثم أو وهضيم ابن همام الآملي ، وعلي بن الحسين بن الجنيد ، قالوا : حدّثنا الحسن بن قزعة ، حدّثنا سفيان بن حبيب ، حدّثنا شعبة ، عن يزيد بن أبي ناجية ، عن الطُفيل بن أُبي ، عن أبيه ، عن أُبي بن كعب أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : في قول الله تعالى : " { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ } قال : " لا إله إلاّ الله " " . وهو قول ابن عبّاس ، وعمرو بن ميمون ، ومجاهد ، وقتادة ، والضحّاك ، وسلمة بن كهيل ، وعبيد بن عمير ، وعكرمة ، وطلحة بن مصرف ، والربيع ، والسّدي ، وابن زيد ، وقال عطاء الخراساني : هي لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله . أخبرنا عبد الخالق بن علي بن عبد الخالق ، أخبرنا أبو بكر بن حبيب ، حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن عيسى المزني ، حدّثنا أبو نعيم ، وأبو حذيفة ، قالا : حدّثنا سفيان ، عن سلمة ابن كهيل ، عن عباية بن ربعي ، عن عليّ رضي الله عنه { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ } قال : لا إله إلاّ الله والله أكبر . وهو قول ابن عمر ، وقال عطاء بن رباح : هي لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كلّ شيء قدير . أخبرنا أبو سعيد محمّد بن عبد الله بن حمدون ، أخبرنا أبو بكر محمّد بن حمدون بن خالد ، حدّثنا أحمد بن منصور المروزي بنيشابور ، حدّثنا سلمة بن سليم السلمي ، حدّثنا عبد الله ابن المبارك عن معمر عن ابن شهاب الزهري { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ } قال : بسم الله الرَّحمن الرَّحيم . { وَكَانُوۤاْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً * لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ } محمّداً عليه السلام . { ٱلرُّءْيَا } التي أراها إيّاه في مخرجه إلى الحديبية ، أنّه يدخل هو وأصحابه المسجد الحرام . { بِٱلْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ } كلّها { وَمُقَصِّرِينَ } بعض رؤوسكم { لاَ تَخَافُونَ } وقوله : { لَتَدْخُلُنَّ } يعني وقال : { لَتَدْخُلُنَّ } لأنّ عبارة ( الرؤيا ) قول ، وقال ابن كيسان : قوله : { لَتَدْخُلُنَّ } من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه حكاية عن رؤياه ، فأخبر الله تعالى ، عن رسوله أنّه قال ذلك ، ولهذا استثنى تأدّباً بأدب الله تعالى حيث قال له : { وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [ الكهف : 23 - 24 ] ، وقال أبو عبيدة : { إِن } بمعنى إذ مجازه إذ شاء الله كقوله : { إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } [ النور : 17 ] { إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً } [ النور : 33 ] . وقال الحسين بن الفضل : يجوز أن يكون الاستثناء من الدخول لأنّ بين ( الرؤيا ) وتصديقها سنة ، ومات منهم في السنة أُناس ، فمجاز الآية لتدخلن المسجد الحرام كلّكم إن شاء الله آمنين . ويجوز أن يكون الاستثناء واقعاً على الخوف ، والأمن لا على الدخول ، لأنّ الدخول لم يكن فيه شك ، لقوله صلى الله عليه وسلم عند دخول المقبرة : " وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون " فالاستثناء واقع على اللحوق دون الموت . { فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ } أنّ الصلاح كان في الصلح ، وهو قوله : { وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ } … الآية . { فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ } أي من دون دخولهما المسجد الحرام ، وتحقيق رؤيا رسول الله { فَتْحاً قَرِيباً } وهو صلح الحديبية عن أكثر المفسِّرين ، قال الزهري : ما فتح في الإسلام كان أعظم من صلح الحديبية ، لأنّه إنّما كان القتال حيث التقى النّاس ، فلمّا كانت الهدنة وضعت الحرب ، وأمِنَ النّاس بعضهم بعضاً ، فالتقوا فتفاوضوا في الحديث ، والمناظرة ، فلم يكلّم أحد بالإسلام بعقل شيئاً إلاّ دخل فيه في تينك السنتين في الإسلام ، مثل من كان في الإسلام قبل ذلك وأكثر ، وقال ابن زيد : هو فتح خيبر فتحها الله تعالى عليهم حين رجعوا من الحديبية ، فقسّمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الحديبية كلّهم إلاّ رجلاً واحداً من الأنصار ، وهو أبو دجانة سماك بن خرشة كان قد شهد الحديبية ، وغاب عن خيبر .