Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 55, Ayat: 31-38)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ سَنَفْرُغُ لَكُمْ } قرأ عبد الله وأبي ( سنفرغ اليكم ) ، وقرأ الاعمش بضم الياء وفتح الراء على غير تسمية ، وقرأ الأعرج بفتح النون والراء . قال الكسائي : هي لغة تميم ، وقرأ حمزة والكسائي وخلف بضم الياء وفتح الراء ، واختاره أبو عبيد اعتباراً بقوله : { يَسْأَلُهُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } فاتبع الخبر الخبر ، وقرأ الباقون بفتح الياء وضم الراء ، واختاره أبو حاتم . فإن قيل : إن الفراغ لا يكون إلاّ عن شغل والله تعالى لا يشغله شأن عن شأن . قلنا : اختلف العلماء في معنى هذه الآية فقال قوم : هذا وعيد وتهديد من الله سبحانه وتعالى لهم كقول القائل : لأتفرغنّ لك وما به شغل ، وهذا قول ابن عباس والضحاك ، وقال آخرون : معناه سنقصدكم بعد الترك والإمهال ونأخذ في أمركم ، وقد يقول القائل للذي لا شغل له : قد فرغت لي وفرغت لشتمي ، أي أخذت فيه وأقبلت عليه . قال جرير بن الخطفي : @ ولما التقى القين العراقي بأسته فرغت إلى القين المقيّد بالحجل @@ أي قصدته بما يسوؤه ، وهذا القول اختيار الفندي والكسائي . وقال بعضهم : إن الله سبحانه وعد على التقوى وأوعد على الفجور ، ثم قال : سنفرغ لكم مما أوعدناكم وأخبرناكم فنحاسبكم ونجازيكم ، وننجز لكم ما وعدناكم ، ونوصل كلا إلى ما عدناه ، فيتمّ ذلك ويفرغ منه ، وإلى هذا ذهب الحسن ومقاتل وابن زيد ، وقال ابن كيسان : الفراغ للفعل هو التوفر عليه دون غيره . { أَيُّهَ ٱلثَّقَلاَنِ } أي الجن والإنس ، دليله قوله في عقبه { يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ } سمّيا ثقلين ؛ لأنهما ثقل أحياءً وأمواتاً ، قال الله سبحانه : { وَأَخْرَجَتِ ٱلأَرْضُ أَثْقَالَهَا } [ الزلزلة : 2 ] وقال بعض أهل المعاني : كل شيء له قدر ينافس فيه فهو ثقل ، ومنه قيل لبيض النعام : ثقل ؛ لأن واجده وصائده يفرح إذا ظفر به قال الشاعر : @ فتذكّرا ثقلاً رثيداً بعدما ألقت ذكاءُ يمينها في كافر @@ وقال النبي صلى الله عليه وسلم " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي " فجعلهما ثقلين إعظاماً لقدرهما ، وقال جعفر الصادق : سمي الجن والانس ثقلين ؛ لأنهما مثقلان بالذنوب . { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ } ولم يقل : استطعتما ؛ لأنهما فريقان في حال جمع كقوله سبحانه : { فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ } [ النمل : 45 ] وقوله سبحانه : { هَـٰذَانِ خَصْمَانِ ٱخْتَصَمُواْ فِي رَبِّهِمْ } [ الحج : 19 ] . { أَن تَنفُذُواْ } تجوزوا { مِنْ أَقْطَارِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } أي أطرافها { فَٱنفُذُواْ } ومعنى الآية إن استطعتم ان تجوزوا اطراف السماوات والأرض فتعجزوا ربكم حتى لا يقدر عليكم فجوزوا ، وانما يقال لهم هذا يوم القيامة ، وقال الضحاك : يعني هاربين من الموت ، فأخبر أنه لا يجيرهم من الموت ولا محيص لهم منه ، ولو نفذوا من أقطار السماوات والأرض كانوا في سلطان الله عز وجل وملكه ، وقال ابن عباس : يعني : إن استطعتم أن تعلموا ما في السماوات والأرض فاعلموا ، ولن تعلموه إلاّ بسلطان يعني البيّنة من الله سبحانه . { لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ } أي حجة . قال ابن عباس وعطاء : لا تخرجون من سلطان ، وقيل معناه إلاّ إلى سلطاني كقوله { وَقَدْ أَحْسَنَ بَيۤ } [ يوسف : 100 ] أي أحسن أليّ ، وقال الشاعر : @ أسىء بنا أفأحسني لا ملومة لدينا ولا مقليّة إن تقلّت @@ وفي الخبر " يحاط على الخلق الملائكة وبلسان من نار ثم ينادون : يا معشر الجن والإنس إن استطعتم … فذلك قوله تعالى … " . { يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ } قرأ ابن كثير وابن أبي إسحاق بكسر الشين ، غيرهما بضمّه ، وهما لغتان مثل صُوار من البقر ، وصَوار وهو اللهب ، قال حسان بن ثابت يهجو أُمية بن أبي الصلت : @ هجوتك فاختضعتَ لها بذلٍّ بقافية تأجج كالشواظ @@ وقال رؤبة : @ إن لهم من وقعنا أقياظا ونار حرب تسعر الشواظا @@ وقال الضحاك : هو الدخان الذي يخرج من اللهب ليس بدخان الحطب { وَنُحَاسٌ } قرأ ابن كثير وأبو عمرو بكسر السين عطفاً على النار ، واختاره أبو حاتم ، وقرأ الباقون بالرفع عطفاً على الشواط ، واختاره أبو عبيد . قال سعيد بن جبير : النحاس : الدخان ، وهي رواية أبي صالح وابن أبي طلحة ، عن ابن عباس ، قال النابغة : @ يضيء كضوء سراج السليط لم يجعل الله فيه نحاسا @@ قال الاصمعي : سمعت أعرابياً يقول : السليط : دهن السنام ولا دخان له ، وقال مجاهد وقتادة : هو الصفر المذاب يصب على رؤوسهم ، وهي رواية العوفي عن ابن عباس . قال مقاتل : هي خمسة أنهار من صفر ذائب تجري من تحت العرش على رؤوس أهل النار ، ثلاثة أنهار على مقدار الليل ونهران على مقدار النهار ، وقال عبد الله بن مسعود : النحاس : المهل . ربيع : القطر . الضحّاك : دُرديّ الزيت . الكسائي : هو الذي له ريح شديدة { فَلاَ تَنتَصِرَانِ } فلا تنتقمان وتمتنعان . { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فَإِذَا ٱنشَقَّتِ } انفرجت { ٱلسَّمَآءُ } فصارت أبواباً لنزول الملائكة ، بيانه قوله سبحانه : { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ وَنُزِّلَ ٱلْمَلاَئِكَةُ تَنزِيلاً } [ الفرقان : 25 ] { فَكَانَتْ } صارت { وَرْدَةً } مشرقة ، وقيل : متغيّرة ، وقيل : بلون الورد . قال قتادة : إنها اليوم خضراء وسيكون لها يومئذ لون آخر { كَٱلدِّهَانِ } اختلفوا فيه . قال ابن عباس والضحاك وقتادة والربيع : يعني كلون غرس الورد ، يكون في الربيع كميتاً أصفر ، فإذا ضربه أول الشتاء يكون كميتاً أحمر ، فإذا اشتدّ الشتاء يكون كميتاً أغبر ، فشبه السماء في تلوّنها عند انشقاقها بهذا الغرس في تلوّنه ، وقال مجاهد وأبو العالية : كالدّهن ، وهي رواية شيبان عن قتادة ، قال : الدهان جمع الدهن ، وللدهن ألوان ، شبّه السماء بألوانه . ( وقال : ) عطاء بن أبي رياح : كعصير الزيت يتلوّن في الساعة ألواناً . ( وقال : ) الحسين بن الفضل : كصبيب الدهن يتلوّن . ( وقال : ) ابن جريج : تذوب السماء كالدهن الذائب وذلك حين يصيبها حر جهنم ، ( وقال : ) مقاتل : كدهن الورد الصافي . ( وقال ) مؤرخ : كالوردة الحمراء ، ( وقال : ) الكلبي : كالأديم الأحمر ، وجمعه أدهنة . { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن ماجة ، قال : حدّثنا ابن أيوب قال : حدّثنا لقمان الحنفي قال " أتى النبي صلى الله عليه وسلم على شاب في جوف الليل وهو يقرأ هذه الآية : { فَإِذَا ٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَٱلدِّهَانِ } فوقف الشاب وخنقته العبرة وجعل يقول : ويحي من يوم تنشق فيه السماء ، ويحي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " يا فتى مثلها أو مثّلها ، فوالذي نفسي بيده لقد بكت الملائكة يا فتى من بكائك " .