Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 100-107)

Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَجَعَلُواْ } يعني الكافرين { للَّهِ شُرَكَآءَ ٱلْجِنَّ } يعني وجعلوا للّه الجن شركاء ، وإن شئت نصبته على التفسير { وَخَلَقَهُمْ } يعني وهو خلقهم وخلق الجن . وقرأ يحيى بن معمر : وخلقهم بسكون اللام وفتح القاف أراد إفكهم وادّعاءهم ما يعبدون من الأصنام حيث جعلوها شركاء للّه عز وجل يعني وجعلوا له خلقهم . وقرأيحيى بن وثاب : وخلقهم بسكون اللام وكسر القاف ، يعني جعلوا للّه شركاء ولخلقهم أشركوهم مع اللّه في خلقه إياهم . وقال الكلبي : نزلت في الزنادقة قالوا : إن اللّه وإبليس شريكان ، واللّه خالق النور والناس والدواب والأنعام . وإبليس خالق الظلمة والسباع والعقارب والحيّات ، وهذا كقوله { وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ٱلْجِنَّةِ نَسَباً } [ الصافات : 158 ] يعني في الجنة ، وهم صنف من الملائكة خزان الجنان أشق لهم منهم صنف من الجن { وَخَرَقُواْ } أي اختلفوا وخرصوا . وقرأ أهل المدينة : بكثرته وخرّقوا على التكثير { لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ } وهم كفار مكة ، قالوا : الملائكة والأصنام بنات اللّه . واليهود قالوا : عزير ابن اللّه . والنصارى قالوا : المسيح ابن اللّه ثم نزّه نفسه . وقال تعالى { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ * بَدِيعُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَّهُ صَاحِبَةٌ } زوجة { وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } إلى قوله تعالى { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَارُ } أجراه بعضهم على العموم فقال : معناه لا تحيط به الأبصار بل تراه وهو يحيط بها . قال اللّه عز وجل { وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً } [ طه : 110 ] فكما تعرفه في الدنيا لا كالمعروفين فكذلك تراه في العقبى لا كالمرئيين . قالوا : وقد ترى الشيء ولا تدركه كما أخبر اللّه تعالى عن قول أصحاب موسى ( عليه السلام ) حين قرب منهم فرعون { إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } [ الشعراء : 61 ] وكان قوم فرعون قد رأوا قوم موسى ولم يدركوهم لأن اللّه تعالى قد وعد نبيه موسى ( عليه السلام ) إنهم لا يدركون بقوله { لاَّ تَخَافُ دَرَكاً وَلاَ تَخْشَىٰ } [ طه : 77 ] . وكذلك قال سعيد بن المسيب : لا تحيط به الأبصار . وقال عطاء : كلّت أبصار المخلوقين عن الإحاطة به . وقال الحسن : لا تقع عليه الأبصار ولا تدلّ عليه العقول ولا يدركه الإذعان . يدلّ عليه ما روى عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى { لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَارَ } . قال : " لو أن الجن والإنس والشياطين والملائكة منذ خلقوا إلى أن فنوا صفوا صفاً واحداً ما أحاطوا باللّه أبداً " . وأجراه بعضهم على النصوص . قال ابن عباس ومقاتل : معناه لا تدركه الأبصار في الدنيا وهو يرى في الآخرة { وَهُوَ يُدْرِكُ ٱلأَبْصَارَ } لا يخفى عليه شيء ولا يفوته . وقيل : معناه لا تدركه أبصار الكافرين ، فأما المؤمنون فيرونه ، واللّه أعلم { وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } . قال أبو العالية : لطيف باستخراج الأشياء خبير بها . وقال أكثر العلماء في معنى اللطيف . فقال الجنيد : اللطيف : من نوّر قلبك بالهدى وربي جسمك بالغدا ، وجعل لك الولاية في البلوى ويحرسك من لظى ويدخلك جنة المأوى . وقيل : اللطيف الذي أنسى العباد ذنوبهم لئلاّ يخجلوا . وقيل : الذي ركّب من النطفة من ماء مهين وقيل : هو الذي يستقل الكثير من نعمه ويستكثر القليل من طاعة عباده . قتادة : وقيل : اللطيف الذي يُغِير ولا يُغَير . وقيل : اللطيف الذي إن رجوته لبّاك وأن قصدته آواك ، وإن أحببته أدناك وإن أطعته كافاك ، وإن عصيته عافاك وإن أعرضت عنه دعاك ، وإن أقبلت إليه عداك . وقيل : اللطيف : الذي لا يطلب من الأحباب الأحساب والأنساب . وقيل : اللطيف : الذي يغني المفتقر إليه ويعز المفتخر به . وقيل : اللطيف : من يكافي الوافي ويعفو عن الباقي . وقيل : اللطيف : من أمره تقريب ونهيه تأريب . وقيل : اللطيف : الذي يكون عطاؤه خير ومنعه ذخيرة . وأصل اللطيف دقة النظر في جميع الأشياء { قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ } يعني الحجج البينة التي يبصرون بها الهدى من الضلال والحق من الباطل . قال الكلبي : يعني بينات القرآن . { فَمَنْ أَبْصَرَ } يعني عرفها وآمن بها { فَلِنَفْسِهِ } عمل وحظه أصاب وإياها بغى الخير { وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا } عنها فلم يعرفها ولم يصدقها . وقرأ طلحة بن مصرف : ومن عُمّي بضم العين وتشديد الميم على المفعول التي تدل عليها ، يقول : فنفسه ضر وإليها أساء لا إلى غيره { وَمَآ أَنَاْ عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ } رقيب أحصي إليكم أعمالكم وإنما أنا رسول أبلغكم رسالات ربي وهو الحفيظ عليكم الذي لا يخفى عليه شيء من أفعالكم { وَكَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ } نبينها في كل وجه لندعوكم بها { وَلِيَقُولُواْ } وليلاً يقولوا إذا قرأت عليهم القرآن { دَرَسْتَ } أي تلوت وقرأت يا محمد بغير ألف قرأه جماعة منهم أبي رجاء وأبي وائل والأعرج ومعظم أهل العراق وأهل الحجاز ، وكان عبد اللّه بن الزبير يقول : إن صبياناً يقرأونها دارست بالألف وإنما هي درست . وقرأ علي ومجاهد وابن كثير وأبو عمرو : دارست بالألف يعني قارأت أهل الكتاب وتعلمت منهم تقرأ عليهم يقرأوا عليك . وقال ابن عباس : يعني جادلت وخاصمت ، وكذلك كان يقرأها ، وقرأ قتادة : درست بمعنى قرئت وتليت . وقرأ الحسن وابن عامر ويعقوب : درست بفتح الدال والراء وجزم التاء بمعنى تقادمت وانمحت وقرأ ابن مسعود وأبي طلحة والأعمش : درس بفتحها يعنون النبي درس الآيات { وَلِنُبَيِّنَهُ } يعني القول والتحريف والقرآن { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * ٱتَّبِعْ } يا محمد { مَآ أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ } يعني القرآن إعمل به { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْمُشْرِكِينَ } فلا تجادلهم ولا تعاقبهم { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكُواْ وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً } رقيباً . ويقال رباً . قال عطاء : وما جعلناك عليهم حفيظاً تمنعهم مني { وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ } والإعراض منسوخ بآية السيف . وهذه الآية نزلت حين قال المشركون لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى دين آبائك .