Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 108-113)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } . قال ابن عباس : لما نزلت هذه الآية { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } [ الأنبياء : 98 ] . قال المشركون : يا محمد لتنتهينّ عن سبّ الهتنا أو لنهجون ربك فنهاهم اللّه تعالى أن يسبوا أوثانهم . قال قتادة : كان المسلمون يسبون أصنام الكفار فنهاهم اللّه عن ذلك كيلا يسبوا اللّه فإنهم قوم جهلة . وقال السدي : " لما حضرت أبا طالب الوفاة ، قالت قريش : إنطلقوا فلندخل على هذا الرجل ولنأمرنّه أن ينهى عنا ابن أخيه فإنا نستحي أن نقتله بعد موته فيقول العرب : كان يمنعه فلما مات قتلوه ، فانطلق أبو سفيان ، وأبو جهل ، والنضر بن الحرث ، وأمية وأبي بن أخلف ، وعقبة بن أبي معيط ، وعمرو بن العاص ، والأسود بن البحتري ، إلى أبي طالب فقالوا : يا أبا طالب أنت كبيرنا وسيدنا وإن محمداً قد آذانا وآذى الهتنا فنحب أن تدعوه فتنهاه عن ذكر الهتنا ولندعه وإلهه ، فدعاه فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال له أبو طالب : هؤلاء قومك وبنو عمك ، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم " ما يريدون ؟ قالوا : نريد أن تدعنا وآلهتنا وندعك وإلهك " . قال : قد أنصف قومك ، فاقبل منهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " أرأيتم إن أعطيتكم هذا هل أنتم معطيّ كلمة إن تكلمتم بها ملكتم العرب ودانت لكم بها العجم " . قال أبو جهل : نعم وأبيك لنعطينكها وعشراً أمثالها فما هي ؟ قال : قولوا : لا إله إلاّ اللّه ، فأبوا واشمأزّوا . وقال أبو طالب : قل غيرها يا ابن أخي ، فإن قومك قد فزعوا منها . فقال : " يا عم ما أنا بالذي أقول غيرها ولو أتوني بالشمس فوضعوها في يدي ما قلت غيرها " . فقالوا : لتكفّنّ عن شتمك آلهتنا أو لنشتمن من يأمرك . فأنزل اللّه تعالى { وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } من الأوثان { فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً } " . وقرأ أبو رجاء والحسن وقتادة ويعقوب : عدواً بضم العين والدال وتشديد الواو أي أعداء الله . " { بِغَيْرِ عِلْمٍ } فلما نزلت هذه الآية ، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لأصحابهلا تسبوا ربهم " فأمسك المسلمون عن سبّ آلهتهم " . { كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ } يعني كما زيّنا لهؤلاء المشركين عبادة الأوثان وطاعة الشيطان ، الحرمان والخذلان كذلك زيّنا لكل أمة عملهم من الخير والشر والطاعة والمعصية { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ } يخبرهم ويجازيهم { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } . قال محمد بن كعب القرضي والكلبي : " قالت قريش : يا محمد تخبرنا بأن موسى كان معه عصا يضرب بها الحجر فتنفجر منه اثنتا عشرة عيناً ، وتخبرنا أن عيسى كان يحيي الموتى ، وتخبرنا أن ثمود كانت لهم ناقة فأتنا من الآيات حتى نصدقك . قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم " أي شيء تحبون أن آتيكم به ؟ " . قالوا : تجعل لنا الصفا ذهباً وابعث لنا بعض موتانا حتى نسألهم عنك أحق ما تقول أم باطل ، وأرنا الملائكة يشهدون لك أو ائتنا باللّه والملائكة قبيلاً . فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم " لئن فعلت بعض ما تقولون تصدقوني " قالوا : نعم واللّه لئن فعلت نتبعك أجمعين . وسأل المسلمون رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن ينزلها عليهم حتى يؤمنوا ، فقام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يدعو اللّه أن يجعل الصفا ذهباً ، فجاء جبرئيل عليه السلام فقال له : إن شئت أصبح ذهباً ولكن إن لم يصدقوا عذبتهم فإن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم . فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم " بل يتوب تائبهم " فأنزل اللّه تعالى { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } " يعني أوكد ما قدروا عليه من الايمان وحدها . قال الكلبي ومقاتل : إذا حلف الرجل باللّه سبحانه فهو جهد بيمينه . { لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ } كما جاء من قبلهم من أمم { لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ } يا محمد { إِنَّمَا ٱلآيَاتُ عِندَ ٱللَّهِ } وهو القادر على إتيانها دوني ودون كل من خلقه . ثم قال { وَمَا يُشْعِرُكُمْ } وما يدريكم فحذف المفعول وما أدريكم ، واختلفوا في المخاطبين ، بقوله { وَمَا يُشْعِرُكُمْ } حسب اختلافهم في قراءة قوله { أَنَّهَآ } . فقال بعضهم : إن الخطاب للمشركين الذين أقسموا وتمّ الكلام عند قوله وما يشعركم ، ثم إستأنف ، فقال : إنها يعني الآيات { إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } حكم عليهم بأنهم لا يؤمنون . وقرؤا : { أَنَّهَآ } بالكسر على الإبتداء ، وهو في قراءة مجاهد وقتادة وابن محيصن وابن كثير وشبل وأبي عمر والجحدري . وقال آخرون : الخطاب لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقرأوا : أنها بالفتح وجعلوا " لا " صلة يعني وما يدريكم يا معشر المؤمنين أنها إذا جاءت المشركين لا يؤمنون كقوله { مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ } [ الأعراف : 12 ] يعني : أن تسجد ، وقوله { وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَآ أَنَّهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ } [ الأنبياء : 95 ] يعني إنهم يرجعون . وقيل : معنى إنها : لعلها وكذلك هي قراءة أُبيّ ، تقول العرب : إذهب إلى السوق إنك تشتري شيئاً بمعنى لعلك تمر . وقال عدي بن زيد : @ أعاذل ما يدريك أن منيتي إلى ساعة في اليوم أو في ضحى الغد @@ يعنى : لعلّ منيّتي . وقال دريد بن الصمة : @ ذرينى أطوف في البلاد لأنّني أرى ما ترين أو بخيلا مخلدا @@ يعني : لعلّني . وقال أبو النجم : @ قلت لسينان أدن من لقائه إنا نغدي القوم من سرائه @@ أي ثعلباً تغدي . وقرأ ابن عامر والسدي وحمزة : { لاَ يُؤْمِنُونَ } بالتاء على [ حساب ] الكفار وما يشعركم ، واعتبر بقراءة أُبيّ : لعلكم إذا جاءكم لا يؤمنون . وقرأ الباقون : بالياء على الخبر وتصديقها قراءة الأعمش إنّها إذا جاءتهم لا يؤمنون { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } . قال ابن عباس وابن زيد : يعني نحول بينه وبين الإيمان . ولو جئناهم بالآيات التي سألوا ما آمنوا بها كما لم يؤمنوا بالتي قبلها مثل انشقاق القمر وغيره عقوبة لهم على ذلك . وقيل : كما لم يؤمنوا به في الدنيا قبل مماتهم . نظيره قوله تعالى { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } [ الأنعام : 28 ] { وَنَذَرُهُمْ } قرأ أبو رجاء : ويذرهم بالياء . وقرأ النخعي : ويقلب ويذرهم كلاهما بالياء { فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ } فرأوهم عياناً { وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ } بإحيائنا إياهم فشهدوا لك بالنبوة كما سألوا { وَحَشَرْنَا } وجمعنا { عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً } بكسر القاف وفتح الباء أي معاينة وهي قراءة أكثر القراء ، قرأ أبو جعفر : التي في الأنعام قبلاً بالكسر والتي في الكهف قبلاً عياناً بالضم . أبو عمرو بالنصب وكذلك اختار أبو عبيد وأبو حاتم لأنها في قراءة أُبيّ قبيلاً بجمعها القبل . والتي في الكهف قبلاً يعني عياناً . وقرأ أهل الكوفة : بضم القاف والباء ، ولها ثلاثة أوجه : أحدها : أن يكون جمع قبيل وهو الكفيل أي ضمناً وكفلاً . والقبالة الكفالة ، يقال : قبيل وقبل مثل رغيف ورغف ، وقضيب وقضب . والثاني : جمع قبيل هو القبيلة يعني فوجاً فوجاً وصنفاً صنفاً . والثالث : أن يكون بمعنى المقابلة والمواجهة من قول القائل : أتيتك قبلاً لا دبراً إذا أتاه من قبل وجهه { مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } ذلك لهم . وقيل : الإستثناء لأهل السعادة الذين سبق لهم في علم اللّه الإيمان { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ } إن ذلك كذلك { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا } يعزي نبيه صلى الله عليه وسلم يعني كما أتيناك بهؤلاء القوم وكذلك جعلنا { لِكُلِّ نِبِيٍّ } قبلك { عَدُوّاً } أعداء وفسّرهم فقال { شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ } . عكرمة والضحاك والسدي والكلبي : معناه : شياطين الإنس التي مع الإنس وشياطين الجن التي مع الجن وليس للإنس شياطين . وذلك أن إبليس قسم جنده فريقين ، بعث منهم فريقاً إلى الإنس وفريقاً إلى الجن ، شياطين الإنس والجن فهم ملتقون في كل حين ، فيقول شيطان الإنس لشيطان الجن أضللت صاحبي بكذا فاضل صاحبك بمثله ، ويقول شيطان الجن لشيطان الإنس كذلك فذلك يوحي بعضهم إلى بعض . وقال آخرون : إنّ من الإنس شياطين ومن الجن شياطين ، والشيطان : العاتي المتمرّد من كل شيء . قالوا : إن الشيطان إذا أغوى المؤمن وعجز عن إغوائه ذهب إلى متمرد من الإنس وهو شيطان من الإنس فأغراه المؤمن . قال أبو طلحة ما روى عوف بن مالك عن أبي ذر قال : " قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : " يا أبا ذر هل تعوذت باللّه من شر شياطين الإنس والجن " قال : يا رسول اللّه فهل للإنس من شياطين ؟ قال : نعم هو شر من شياطين الجن " . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ما منكم من أحد إلاّ وقد وكّل قرينه من الجن " قيل : ولا أنت يا رسول اللّه ؟ قال : " ولا أنا إلاّ أن اللّه قد أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلاّ بخير " . وقال مالك بن دينار : إن شيطان الإنس أشد من شيطان الجن وذلك إني إذا تعوذت باللّه ذهب عني شيطان الجن ، وشيطان الإنس يحبني فيجرني إلى المعاصي عياناً { يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } أي يلقي { زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً } وهو القول المموّه والمزّين بالباطل ، وكل شيء حسّنته وزينته فقد زخرفته ثم { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَلِتَصْغَىۤ } أي ولكي تميل . وقال ابن عباس : ترجع يقال : صغى يصغى صغاً وصغى يصغى ويصغو صغواً وصغواً إذا مال . قال الفطامي : @ أصغت إليه هجائن بنحدودها آذانهن تلى الحداة السوق ترى عينها صغواء في جنب ماقها تراقب كفي والقطيع المحرما @@ { إِلَيْهِ } يعني إلى الزخرف والغرور ، ويقال : صغو فلان معك ، وصغاه معك أي ميله وهواه . وقرأ النجعي : ولتصغي بضم التاء وكسر الغين أي تميل ، والإصغاء الإمالة . ومنه الحديث " إن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يصغي الإناء للهرة " . { أَفْئِدَةُ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ } الأفئدة جمع الفؤاد مثل غراب وأغربة { وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ } أي وليكتسبوا ما هم مكتسبون . وقال ابن زيد : وليعملوا ما هم عاملون . يقال : إقترف فلان مالاً أي اكتسبه ، وقارف فلان هذا الأمر إذا واقعه وعمله ، قال اللّه تعالى { وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً } [ الشورى : 23 ] . قال لبيد : @ وإني لآتي ما أتيت وإنني لما اقترفت نفسي عليَّ لراهب @@ وقيل : هو من التهمة يقال : قرفه بسوء إذا اتهمه به . قال رؤبة :