Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 24-27)
Tafsir: al-Kašf wa-l-bayān fī tafsīr al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ثم قال : { قُلْ } يا محمد للمتخلّفين عن الهجرة والجهاد { قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ } وقرأ أبو رجاء ويعقوب وعشيراتكم بالألف على الجمع واختلف فيه عن عاصم { وَأَمْوَالٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا } اكتسبتموها وقال قتادة : اكتسبتموها { وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا } وهو ضد النفاق وأصله البقاء . قال الشاعر : @ كسدن من الفقر في قومهن وقد زادهن مقامي كسودا @@ { وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَآ } ( تعجبكم ) قال السدي : يعني القصور والمنازل { أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ } فانتظروا { حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ } قال عطاء : بقضائه ، وقال مجاهد ومقاتل : يعني فتح مكة { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي } لا يُرشد ولا يوفّق { ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ } الخارجين من طاعته إلى معصيته . { لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ } أيّها المؤمنون { فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ } أي مشاهدوها أماكن حرب تستوطنون فيها أنفسكم على لقاء عدوكم { وَيَوْمَ حُنَيْنٍ } يعني وفي يوم حنين وهو واد بين مكة والطائف . وقال عروة بن الزبير : هو واد إلى جنب ذي المجاز والحري ، ولأنه اسم لمذكر فقد يترك إجزاؤه يراد به اسم البلدة التي هو بها ، ومنه قول الشاعر : @ نصروا نبيهم وشدّوا أزره بحنين يوم تواكل الابطال @@ وكانت قصة حنين على ما ذكره المفسّرون بروايات كثيرة لفّقتها ونسّقتها لتكون أقرب إلى الأفهام وأحسن [ … ] " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح مكة وقد بقيت عليه أيام من شهر رمضان ثم خرج متوجهاً إلى حنين لقتال هوازن وثقيف في اثني عشر الفاً ، عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار وألفان من الطائف " . قال قتادة ، وقال مقاتل : كانوا أحد عشر ألفاً وخمسمائة ، وقال الكلبي : كانوا عشرة آلاف وكانوا يومئذ أكثر ما كانوا [ … ] وكان المشركون أربعة آلاف من هوازن وثقيف ، وعلى هوازن ملك بن عوف النضري ، وعلى ثقيف كنانة بن عبد ياليل بن عمرو بن عمير الثقفي ، فلما التقى الجمعان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لن تُغلب اليوم من قلّة " ، ويقال : بل قال ذلك رجل من المسلمين يقال له سلمة بن سلامة ( وسمع ) رسول الله صلى الله عليه وسلم كلامه ، ووكلوا إلى كلمة الرجل . قال : فاقتتلوا قتالاً شديداً . فانهزم المشركون وخلوا من الذراري ، ثم نادوا : ياحماة السوء اذكروا الفضائح ، فتراجعوا وانكشف المسلمون . وقال قتادة : وذُكر لنا أن الطلقاء ( إنجفلوا ) يومئذ بالناس وسأل رجل البراء بن عازب : أفررتم يوم حنين ؟ فقال : كانت هوازن رماة وإنّا لمّا حملنا عليهم وانكشفوا وأقبلنا على الغنائم ، فاستقبلوا بالسهام فانكشف المسلمون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الكلبي : كان حول رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ثلاثمائة من المسلمين وانهزم سائر الناس عنهم . وقال الآخرون : لم يبق يومئذ مع النبي صلى الله عليه وسلم غير العباس بن عبد المطلب وعلي وأيمن بن أم أيمن ، وقُتل يومئذ بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وطفق رسول الله يركض بغلته نحو الكفار لا يألوا ، وكانت بغلة شهباء أهداها له فروة الجدامي . أخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا العمري ، حدّثنا أحمد بن محمد ، حدّثنا الحمامي ، حدّثنا شريك عن أبي إسحاق ، " قيل للبراء : كان النبي صلى الله عليه وسلم فيمن ولى دبره يوم حنين قال : والذي لا إله إلاّ هو ماولّى رسول الله دبره قط ، لقد رأيناه وأبو سفيان بن الحرث آخذ بالركاب والعباس آخذ لجام الدابة ، وهو يقول : أنا النبي لا كذب أنا بن عبد المطلب ، قالوا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس : ناد يامعشر المهاجرين ويامعشر الأنصار وكان العباس رجلاً صويّتاً . ويروى من شدة صوت العباس أنه أُغير يوماً على مكة فنادى : واصباحاه فأسقطت كل حامل سمعت صوته جنينها . فجعل ينادي : ياعباد الله ، يا أصحاب الشجرة ، يا أصحاب سورة البقرة ، وعطف المسلمون حين سمعوا صوته عطفة البقر على أولادها فقالوا : يالبيك يالبيك يالبيك وجاؤوا عنقاً واحداً فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عصابة من الأنصار فقال : هل معكم غيركم ؟ فقالوا : يانبي الله لو عمدت إلى برك العماد من ذي يمن لكنّا معك ، ثم أقبل المشركون فالتقوا هم والمسلمون ، وتنادى الأنصار : يامعشر الأنصار أم قصرت الدعوة على بني الحرث والخزرج ، فتنادوا فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول إلى قتالهم فقال هذا حين حمي الوطيس ، فأخذ بيده كفّاً من ( الحبِّ ) فرماهم وقال : شاهت الوجوه ، ثم قال : انهزموا ورب الكعبة ، انهزموا ورب الكعبة . " قال : فوالله مازال أمرهم مدبراً وجدّهم كليلا حتى هزمهم الله تعالى . قال يعلى بن عطاء : فحدثني أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا : ما بقي منا أحد يومئذ إلا وامتلأت عيناه من ذلك التراب ، قال يزيد بن عامر وكان في المشركين يومئذ : فانصرفنا ما بقي منّا أحد ، وكأن أعيننا عميت فأنجز الله وعده وأنزل نصره وجنده فقهر المشركين ونصر المسلمين ، وقال سعيد بن جبير : أمدَّ الله ( المسلمين ) بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين ، وقال الحسن : كانوا ثمانية آلاف من الملائكة . قال عطاء : كانوا ستة عشر ألفاً ، وقال سعيد بن المسيب : حدّثني رجل كان في المشركين يوم حنين قال : لما التقينا نحن وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقفوا لنا حلب شاة ، فلما كشفناهم جعلنا نسوقهم ، حتى إذا انتهينا إلى صاحب البغلة الشهباء يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلقّانا رجال بيض الوجوه ، حسان الوجوه فقالوا لنا : شاهت الوجوه ارجعوا ، فرجعنا وركبوا أكتافنا فكانوا إياها ، يعني الملائكة . وفي الخبر " أن رجلاً من بني نضر يقال له شجرة قال للمؤمنين بعد القتال : أين الخيل البلق ، والرجال عليهم ثياب بيض ما كنا نراكم فيها [ … ] ، وما كان قتلنا إلا بأيديهم فأخبروا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : تلك الملائكة " . فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قام خطيباً فقال : " أما إنّ خطيب الأنصار قد قال : كنت طريداً فآويناك ، وكنت خائفاً فأمّنّاك ، وكنت مخذولاً فنصرناك ، وكنت وكنت ، فإنّه قد صدق ، فبكت الأنصار ، وقالت بل الله ورسوله أعظم علينا منّاً " . قال قتادة : وذكر لنا " أن ظئر النبي صلى الله عليه وسلم التي أرضعته من بني سعد أتته يوم حنين وسألته سبايا يوم حنين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لا أملكهم إنّما لي نصيبي منهم ، ولكني ائتني غداً فسليني والناس عندي ، فإني إذا أعطتيك نصيبي أعطاك الناس ، فجاءت في الغد فبسط لها ثوبه فقعدت عليه ثم سألته ذلك فأعطاها نصيبه ، فلما رأى الناس منه أعطوها أنصباءهم " . قال الزهري : أخبرني سعيد بن المسيب " أنهم أصابوا يومئذ ستة آلاف سبي ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر منادياً ينادي يوم أوطاس : ألا لاتوطأ الحبالى حتى يضعن ، ولا غير الحبالى حتى يستبرئن بحيضة . ثم [ … ] من هوازن أقبلوا مسلمين بعد ذلك فقالوا : يارسول الله أنت خير الناس وأبرّهم وقد أخذت أبناءنا ونساءنا وأموالنا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن عندي من ترون ، وخير القول أصدقه ، اختاروا إمّا ذراريكم ونساءكم ، وإمّا أموالكم ، فقالوا : ماكنا نعدل بالأحساب شيئاً ، فقام النبي منتصباً فقال : إن هؤلاء قد جاءوني مسلمين ، وإنا خيّرناهم بين الذراري والأموال فلم يعدلوا بالأحساب شيئاً ، فأمّا ما أصاب بنو هاشم رددناه إليهم ، فمن كان بيده منهم شيء وطابت نفسه أن يردّه عليهم فذلك ، ومن لا فليعطنا وليكن قرضاً علينا حتى نصيب شيئاً فنعطيه مكانه ، ومن لم يرد ففديته خمسون من الابل . فلما رأى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ردّ قالوا يانبي الله رضينا وسلّمنا ، فقال النبي : لا أدري لعلّ منكم من لا يرضى فمروا عرفاءكم فليرفعوا ذلك إليه فرفعت إلينا العرفاء أن قد رضوا وسلّموا ، وردوا جميعاً غير رجل واحد وهو صفوان بن أميّة لأنه وقع على امرأة أصابها فحبلت منه " . فأنزل الله { لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ } حتى قلتم : لن نُغلب اليوم من قلّة { فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ } كثرتكم { شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ } أي برحبها وسعتها وهما المصدر { ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ } منهزمين { ثُمَّ أَنَزلَ ٱللَّهُ } بعد الهزيمة { سَكِينَتَهُ } يعني الأَمَنة والطمأنينة وهي فعيلة من السكون { عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا } يعني الملائكة { وَعذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } بالقتل والأسر وسلب الاموال { وَذٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ * ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ } فيهديه إلى الإسلام ولايؤاخذه بما سلف { وَٱللَّهُ غَفُورٌ } لعباده المؤمنين { رَّحِيمٌ } بهم .