Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 33-33)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { كَذَلِكَ } إشارة إلى ما تقدم من رزق الله تعالى للبشر جميعاً ، ومن مِلْك السمع والبصر ، ومن تدبير الأمر كله ، ومن إخراج الحيّ من الميت ، وإخراج الميت من الحي ، ذلك هو الإله الحق سبحانه ، وقد ثبت ذلك بسؤاله سبحانه وتعالى هذا السؤال الذي علم مُقدَّماً ألا إجابة له إلا بالاعتراف به إلهاً حقاً : { فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقِّ إِلاَّ ٱلضَّلاَلُ … } [ يونس : 32 ] . ومثل هذه القضية تماماً قَوْلُ الحق سبحانه : { حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ فَسَقُوۤاْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ يونس : 33 ] . لأنهم أساءوا الفهم في الوحدانية ، وفي العقيدة ، واستحقوا أن يُعذَّبوا لأنهم صرفوا الحق إلى غير صاحب الحق . وقد كان هذا خطاباً للموجودين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن بعضهم آمن بالله تعالى ولذلك فالعذاب إنما يحُلّ على مَنْ لم يؤمن . وهذا القول متحقق فيمَنْ سبق في علم الله سبحانه أنهم لا يؤمنون ، وكذلك حقَّتْ كلمة ربك على هؤلاء الذين فسقوا ولا ينتهون عن فسقهم وكفرهم ، وإصرارهم على الانحراف بالعبودية لغير الله الأعلى والرَّبِّ الحق سبحانه وتعالى . والدليل على العلم الأزليِّ لله سبحانه ما نقرأه في سورة البقرة : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ البقرة : 6 ] . إذن : معلوم لله تعالى مَنْ يؤمن ومَنْ لا يؤمن ، ومَنْ يستمر ويُصِرّ على كفره هو الذي يَلْقَى العذاب ، بعلم الله تعالى فيه أنه لن يؤمن . ثم يذكر الحق بعد ذلك ما يمكن أن يُجادَلَ به الكافرون بمنطق أحوالهم ، ففي ذوات نفوس غير المؤمنين بإله توجد نزعة فطرية لفعل الخير ، وتوجيه غيرهم إليه ، وهو موجود حتى في الأمم غير المؤمنة ، فكل قوم يُوجِّهون إلى الخير بحسب معتقداتهم ، فنجد بين الشعوب غير المؤمنة بإلهٍ حكماء وأطباء وعلماء ، وهؤلاء يوجهون الناس إلى بعض الخير الذي يرونه . ونجد الطفل الصغير يكتسب المعتقدات والعادات والاتجاهات من والديه ، ومما يسمعه من توجيهاتهم ، فنجده يبتعد عن النار مثلاً أو الكهرباء لأنه ترسخت في ذهنه توجيهات ونصائح غيره بل إنه يتعلم كيف يتعامل مع هذه الأشياء دون أن تصيبه بالضرر . إذن : يوجد توجيه من الخلق إلى الخلق لجهات الخير ، ألا نجد في الدول غير المؤمنة بإله مَنْ يرشد الناس إلى الطرق التي يمكن أن يسيروا فيها باتجاهين ، والطرق التي عليهم أن يسيروا فيها باتجاه واحد ؟ ألا يوجد مَنْ يدل الناس على المنحنيات الخطرة على الطرق ، وكذلك يوجّههم إلى ضرورة خفض سرعة السيارات أمام مدارس الأطفال ؟ نعم ، يوجد في البلاد غير المؤمنة مَنْ يفعل ذلك . إذن : فالتفكير في الخير لصالح الأمم أمر طبيعي غريزي موجود في كل المجتمعات ، وإذا كان التوجيه للخير يحدث من الإنسان المساوي للإنسان ، ألا يكون الله سبحانه هو الأحق بالتوجيه إلى الخير ، وهو سبحانه الذي خلق الإنسان ، وخلق له ما يقيم حياته على الأرض ، ولذلك يقول الحق سبحانه : { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ … } .