Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 34-34)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهنا يأمر الحق سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يسألهم : { هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ … } [ يونس : 34 ] . ومعنى أن الله يسأل القوم هذا السؤال أنه لا بد أن تكون الإجابة كما أرادها هو سبحانه . وإنْ قال قائل : وكيف يأمنهم على مثل هذا الجواب ، ألم يكن من الجائز أن ينسبوا هذا إلى غير الله ؟ نقول : إن هذا السؤال : لا يُطرح إلا وطارحه يعلم أن له إجابة واحدة ، فلن يجد المسئول إجابة إلا أن يقول : إن الذي يفعل ذلك هو الله سبحانه ولا يمكن أن يقولوا : إن الصنم يفعل ذلك لأنهم يعلمون أنهم هم الذين صنعوا الأصنام ، ولا قدرة لها على مثل هذا الفعل . فالإجابة معلومة سلفاً : إن الله سبحانه وتعالى وحده هو القادر على ذلك ، وهذا يوضح أن الباطل لجلج والحق أبلج ، وللحق صَوْلة فأنت ساعة تنطق بكلمة الحق في أمر ما ، تجدها قد فعلت فِعْلها فيمن هو على الباطل ، ويأخذ وقتاً طويلاً إلى أن يجد كلاماً يرد به ما قلته ، بل يحدث له انبهار واندهاش ، وتنقطع حجته . ولذلك لم يَقُل الحق سبحانه هنا مثلما قال من قبل : { فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُ … } [ يونس : 31 ] . بل قال : { قُلِ ٱللَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ … } [ يونس : 34 ] . وجاء بها الحق سبحانه هكذا لأنهم حينما سُئلوا هذا السؤال بهرهم الحق وغلب ألسنتهم وخواطرهم فلم يستطيعوا قول أي شيء . ومثال ذلك - ولله المثل الأعلى - نجد وكيل النيابة يضيّق الخناق على المتهم بأسئلة متعددة إلى أن يوجه له سؤالاً ينبهر المتهم من فرط دقته وليس له إلا إجابة واحدة تتأبى طباعه ألا يجيب عنه ، فيجيب المتهم معترفاً . والإنسان - كما خلقه الله تعالى - صالح لأن يؤمن ، وصالح لأن يكفر ، فإرادته هنا تتدخل ، لكن أبعاضه مؤمنة عابدة مسبحة ، فاللسان الذي قد ينطق الكفر ، هو في الحقيقة مؤمن مُسبِّحٌ ، حامد ، شاكر ، لكن إرادة الإنسان التي شاءها الله - سبحانه - متميزة بالاختيار قد تختار الكفر - والعياذ بالله - فينطق اللسان بالكفر . وقد تأتمر اليد بأمر صاحبها فتمتد لتسرق ، أو تسعى الأقدام - مثلاً - إلى محل احتساء الخمر ، ولكن هل هذه الفاعلات راضية عن تلك الأفعال ؟ لا ، إنها غير راضية ، إنما هي خاضعة لإرادة الفاعل . وحين يسأل السؤال : من يبدأ الخلق ثم يعيده ؟ فاللسان بفطرية تكوينه المؤمنة يريد أن يتكلم لكنه لا يملك إرادة الكلام ، فيبين الحق سبحانه للنبي صلى الله عليه وسلم أن يجيب نيابة عن الأبعاض المؤمنة ، فيقول سبحانه : { قُلِ ٱللَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ … } [ يونس : 34 ] وهو بذلك يؤكد الصيغة ، ويكفي أن يقول محمد صلى الله عليه وسلم هذا القول مُبلِّغاً عن ربه ، وينال هذا القول شرف العندية : { قُلِ ٱللَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } [ يونس : 34 ] . والإفك : هو الكذب المتعمَّد ، وهو الافتراء ، وهناك فارق بين الكذب غير المتعمد والكذب المتعمد ، فالكذب غير المتعمد هو من ينقل ما بلغه عن غيره حسبما فهم واعتقد ، وهو لون من ألوان الكذب لا يصادف الحق ، ويتراجع عنه صاحبه إن عرف الحق . أما الافتراء فهو الكذب المتعمد ، أي : أن يعلم الإنسان الحقيقة ويقلبها ولذلك نجد العلماء قد وقفوا هنا وقفة فمنهم من قال : هناك صدق ، وهناك كذب ، لكن علماء آخرين قالوا : لا ، إن هناك واسطة بين الصدق والكذب . ومثال ذلك : أن يدخل ابنٌ على أبيه ، بعد أن سمع هذا الابن من الناس أن هناك حريقاً في بيت فلان ، فيقول الابن لوالده : هناك حريق في بيت فلان فيذهب الأب ليعاين الأمر ، فإن وجد حريقاً فقول الابن صدق ، وإن لم يكن هناك حريق فالخبر كاذب ، ولكن ناقل الخبر نقله حسبما سمع . إذن : فهناك فَرْق بين صدق الخبر وصدق المُخْبِر ، فمرة يَصْدُق الخبر ويصدُق المخبر ، ومرة يصدُق الخبر ولا يصدُق المخبِر ، ومرة يصدق المخبر ولا يصدق الخبر . فهُنا أربعة مواقف ، والذين قالوا إن هناك واسطة بين الصدق والكذب هم مَنْ قالوا : إن الصدق يقتضي مطابقة بين الواقع والخبر . أما الكذب فهو ألا يطابق الواقع الخبر . لذلك يجب أن نفرِّق بين صدق الخبر في ذاته ، وصدق المخبر ، بأنه يقول ما يعتقد . أما صدق الخبر فهو أن يكون هو الواقع . وقول الحق سبحانه : { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } أي : فكيف تقلبون الحقائق لأنكم تعرفون الواقع وتكذبونه كذباً متعمداً ؟ وكلنا نعلم قول الحق سبحانه : { وَٱلْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ } [ النجم : 53 ] . والمؤتفكة : هي القرى التي كُفئت أعلاها إلى أسفلها ، كذلك الكذَّاب يقلب الحقيقة . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : { قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَهْدِيۤ إِلَى ٱلْحَقِّ … } .