Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 36-36)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقول الحق سبحانه : { وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً … } [ يونس : 36 ] يفيد أن بعضهم كان يتبع يقيناً لأن مقابل الظن هو اليقين ، فالنسب التي تحدث بين الأشياء تربط بين الموضوع والمحمول ، أو المحكوم والمحكوم عليه ، وهي نسب ذكرناها من قبل ، ونذكِّر بها ، فهناك شيء أنت تجزم به ، وشيء لا تجزم به . وما تجزم به وتُدلِّل عليه هو علم يقين ، أما ما لا تستطيع التدليل عليه فليس علم يقين ، بل تقليد ، كأن يقول الطفل : { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } [ الإخلاص : 1 ] . وهذا حق ، لكن الطفل لا يستطيع أن يدلل عليه أو أن يقال شيء ومن يقوله جازم به ، وهو غير واقع فذلك هو الجهل . والعلم هو القضية المجزوم بها ، وهي واقعة وعليها دليل ، على عكس الجهل الذي هو قضية مجزوم بها وليس عليها دليل . والظن هو تساوي نسبتين في الإيجاب والسلب ، بحيث لا تستطيع أن تجزم بأي منهما لأنه إن رجحت كفة كانت قضية مرجوحة ، والقضية المرجوحة هي شك أو ظن أو وهم . فالظن هو ترجيح النسب على بعضها . والشك هو تساوي الكفتين . وقول الحق سبحانه : { وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً … } [ يونس : 36 ] يبين لنا أن الذين كانوا يعارضون رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلوا ذلك إما عناداً - رغم علمهم بصدق ما يبلغ عنه ، وإما أنهم يعاندون عن غير علم ، مصداقاً لقول الحق سبحانه : { بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ … } [ يونس : 39 ] . وكان الواحد منهم إذا تمعَّن في البلاغ عن الله تعالى والأدلة عليه ، يعلن الإيمان ، لكن منهم من تمعن في الأدلة وظل على عناده ، والذين اتبعوا الظن إنما اتبعوا ما لا يغني من الحق شيئاً . لذلك يبيّن لهم الحق سبحانه أنه عليم بخفايا نفوسهم ، ويعلم إن كان إنكارهم للإيمان نابعاً من العناد أو من العجز عن استيعاب قضية الإيمان لذلك يقول الحق سبحانه : { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ … } [ يونس : 36 ] . إذن : فقد علم الله سبحانه أزلاً أن بعضهم في خبايا نفوسهم يوقنون بقيمة الإيمان ، لكنهم يجحدونها ، مصداقاً لقول الحق سبحانه : { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } [ الأنعام : 33 ] . إذن : فالحق سبحانه وتعالى عليم ، ولا يخفى عليه أنهم كذَّبوا بما لم يحيطوا بعلمه ، وبعضهم لم يفهم قيمة الإيمان ، ومن علم منهم قيمة الإيمان جحدها ، عناداً واستكباراً . يقول الحق سبحانه : { وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً … } [ النمل : 14 ] . وبعد ذلك يقول الحق سبحانه : { وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ … } .