Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 40-40)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والكلام هنا في الذين كذَّبوا ، فكيف يقسِّم الله المكذبين - وهم بتكذيبهم لا يؤمنون - إلى قسمين : قسم يؤمن ، وقسم لا يؤمن ؟ ونحن نعلم أن الإيمان عمل قلوب ، لا عمل حواس ، فنحن لا نطَّلع على القلوب ، والحق سبحانه يعلم مَنْ مِنْ هؤلاء المكذبين يخفي إيمانه في قلبه . إذن : فمن هؤلاء من يقول بالتكذيب بلسانه ويخفي الإيمان في قلبه ، ومنهم من يوافق تكذيبه بلسانه فراغُ قلبه من الإيمان ، ومن الذين قالوا : إن هذا القرآن افتراء إنما يؤمن بقلبه أن محمداً رسول من الله ، وصادق في البلاغ عن الله ، ولكن العناد والمكابرة والحقد يدفعونه إلى أن يعلن عدم الإيمان . وكذلك منهم قسم آخر لا يؤمن ويعلن ذلك . إذن : فالمقسم ليس هو الإيمان الصادر عن القلب والمعبَّر عنه باللسان ، ولكن المُقسِّم هو إيمان بالقلب غير مُعبَّر عنه ، ولم يصل إلى مرتبة الإقرار باللسان . والذي جعل إيمان بعضهم محصوراً في القلب غير مُعبَّر عنه باللسان هو الحقد والحسد والكراهية وعدم القدرة على حكم النفس على مطلوب المنهج . وبعض العرب حين أعلن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقولوا : لا إله إلا الله فيضمن لهم السيادة على الدنيا كلها . ورفضوا أن يقولوا الكلمة لأنهم يعلمون أنها ليست كلمة تقال : بل فهموا مضمون ومطلوب الكلمة ، وعرفوا أن " لا إله إلا الله " تعني : المساواة بين البشر ، وهم يكرهون ألاَّ تكون لهم السيادة والسيطرة في أقوامهم . وهذا يدل أيضاً على أن الحق سبحانه قد شاء أن يبدأ الإسلام في مكة ، حيث الأمة التي تعلن رأيها واضحاً ولذلك نجد أن النفاق لم ينشأ إلا في " المدينة " ، أما في مكة ، فهم قوم منسجمون مع أنفسهم ، فهم حين أعلنوا الكفر لم يعانوا من تشتت المَلَكَات ، لكن المنافقين في المدينة وغيرها هم الذين كانوا يعانون من تشتت الملكات ، ومنهم من كان يلعب على الطرفين ، فيقول بلسانه ما ليس في قلبه . ولذلك يُعزِّي الحق رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ويُسََرِّي عنه ويبين له : إياك أن تحزن لأنهم يكذبونك لأنك محبوب عندهم وموقَّر ، فيقول الحق سبحانه : { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ … } [ الأنعام : 33 ] . أي : أنك يا محمد مُنزَّه عن الكذب ؟ ويقول الحق سبحانه : { وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } [ الأنعام : 33 ] . أي : أنه سبحانه يحملها عن رسوله صلى الله عليه وسلم لأن الحق سبحانه يعلم أن رسوله أمين عند قومه ، وهم في أثناء معركتهم معه ، نجد الواحد منهم يستأمنه على أشيائه النفيسة . والذين آمنوا برسالته صلى الله عليه وسلم ولم يعلنوا إيمانهم ، والذين لم يؤمنوا ، هؤلاء وأولئك أمرهم موكول إلى الله تعالى ليلقوا حسابهم عند الخالق سبحانه لأنه سبحانه الأعلم بمن كذَّب عناداً ، ومن كذَّب إنكاراً . والحق سبحانه هو الذي يُعذِّب ويُعاقِب ، وكل إنسان منهم سوف يأخذ على قَدْر منزلته من الفساد لذلك يُنهي الحق سبحانه الآية بقوله : { وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِٱلْمُفْسِدِينَ } [ يونس : 40 ] . والمفسد كما نعلم هو الذي يأتي إلى الشيء الصالح فيصيبه بالعطب لأن العالَم مخلوقٌ قبل تدخُّل الإنسان - على هيئة صالحة ، وصنعة الله سبحانه وتعالى - لم يدخل فيها الفساد إلا بفعل الإنسان المختار ، وصنعة الله تؤدي مهمتها كما ينبغي لها . وأنت أيها الإنسان إن أردت أن يستقيم لك كل أمر في الوجود ، فانظر إلى الكون الأعلى الذي لا دخل لك فيه ، وستجد كل ما فيه مستقيماً مصداقاً لقول الحق سبحانه : { وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ * أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي ٱلْمِيزَانِ * وَأَقِيمُواْ ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ ٱلْمِيزَانَ } [ الرحمن : 7 - 9 ] . أي : أتقِنوا أداء مسئولية ما في أيديكم وأحسنوه كما أحسن الله سبحانه ما خلق لكم بعيداً عن أياديكم ، والمطلوب من الإنسان - إذن - أن يترك الصالح على صلاحه ، إن لم يستطع أن يزيده صلاحاً حتى لا يدخل في دائرة المفسدين . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : { وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ … } .