Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 53-53)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهم قد قالوا من قبل : { مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ … } [ يونس : 48 ] . وهم هنا قد عادوا للتساؤل . { وَيَسْتَنْبِئُونَكَ } أي : يطلبون منك النبأ . والنبأ هو الخبر المتعلق بشيء عظيم ، وهم يطلبون الخبر منك يا رسول الله ويتساءلون : أهو حق ؟ وكلمة " حق " هنا لها معطيات كثيرة لأن { هُوَ } يمكن أن تعود على أصل الدين قرآناً ونبوَّة ، وتشريعاً ، وهي كلمة تحمل التصديق بأن القرآن حق ، والتشريع حق ، والنبوة لمحمد صلى الله عليه وسلم حق ، والقيامة والبعث حق ، والكلام عن العذاب في الدنيا بخذلانهم ونصرة المؤمنين عليهم حق . إذن : فقولهم : { وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ … } [ يونس : 53 ] لها أكثر من مرجع ، كأنهم سألوا : هل القرآن الذي جئت به حق ؟ وهل النبوة التي تدَّعيها حق ؟ وهل الشرائع - التي تقول : إن الله أنزلها كمنهج يحكم حركة الإنسان - حق ؟ وهل القيامة والبعث حق ؟ وهل العذاب في الدنيا حق ؟ إنها كلمة شاملة يمكن أن تؤول إلى أكثر من معنى . ويأتي الجواب من الله تعالى : { قُلْ إِي وَرَبِّيۤ إِنَّهُ لَحَقٌّ … } [ يونس : 53 ] . وأنت حين يستفهم منك أحد قائلاً : هل زيد موجود ؟ فأنت تقول : نعم موجود . ولا تقول له : والله إن زيداً موجود لأنك لن تؤكد الكلام لمن يسألك لأنه لا ينكر وجود زيد . إذن : فأنت لن تؤكد إجابةً ما إلا إذا كان هناك في السؤال شبهة إنكار . إذن : فأنت تستدل من قول الحق سبحانه : { وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ … } [ يونس : 53 ] على أن سؤالهم يحمل معاني الإنكار والاستهزاء ولذلك جاء الجواب بـ " إي " وهو حرف جواب يعني : " نعم " ، وتأتي " إي " دائماً مع القسم . ولكل حرف من حروف الجواب مقام ، فهناك " بلى " وهي تأتي في جواب سؤال منفي ، في مثل قوله تعالى : { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ … } [ الأعراف : 172 ] . وقول الحق سبحانه هنا : { إِي وَرَبِّيۤ … } [ يونس : 53 ] . تعني : نعم وأقسم بربي إنه لحق . وأنت لا تُقسم على شيء إلا إذا كان السائل عنده شبهة إنكار ، وتأتي بـ " إن " لمزيد من هذا التأكيد . ومثال ذلك في قوله سبحانه : { وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ ٱلقَرْيَةِ إِذْ جَآءَهَا ٱلْمُرْسَلُونَ * إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوۤاْ إِنَّآ إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ } [ يس : 13 - 14 ] . وماذا كان رد من بُعث اليهم الثلاثة ؟ { قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَآ أَنَزلَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ } [ يس : 15 ] . هكذا كان إنكار المكذبين للرسل الثلاثة شديداً . فقال لهم الرسل : { رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ } [ يس : 16 ] . فكان قولهم هذا مناسباً لإنكار الكافرين الشديد . إذن : فالتأكيد في أسلوب المسئول إنما يأتي على مقدار الإنكار ، فإن لم يكن هناك إنكار فلا يحتاج الأمر إلى تأكيد . أما إذا صادف الكلام إنكاراً قليلاً ، فالتأكيد يأتي مرة واحدة . وإن صادف الكلام لجاجة في الإنكار جاء التأكيد مرتين . أما إذا ما صادف الكلام تبجُّحاً في الإنكار فالتأكيد يأتي ثلاث مرات . وقد علَّم الحق سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم هنا أن يرد على استنبائهم بأن يقول لهم : { إِي وَرَبِّيۤ إِنَّهُ لَحَقٌّ … } [ يونس : 53 ] . وهنا يقسم الرسول صلى الله عليه وسلم بالرب لأن الرب هو من كلَّفه ، ثم يؤكد { إِنَّهُ لَحَقٌّ } لأن سؤالهم تضمَّن الإنكار والاستهزاء . وما دام قد قال : { إِي وَرَبِّيۤ إِنَّهُ لَحَقٌّ } فهم إن لم يؤمنوا فسوف يلقون العذاب لأنه ليس هناك مَنْجًى من الله تعالى ، ولن تُعْجِزوا الله هرباً ، ولن تعجزوه شفاعة من أحد ، ولن تعجزوه بيعاً ، ولن تعجزوه خُلَّة تتقدم لتشفع لكم . ثم يأتي قوله سبحانه في نهاية الآية : { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ } [ يونس : 53 ] . وقد أراد الحق سبحانه أن يفسر لمحة من الإعجاز ، ذلك أن الله سبحانه وتعالى من الممكن أن يقبل شفاعة الشافعين ، ومن الممكن أن يقبل الفداء ولذلك جاء الإيضاح في الآية التالية ، فيقول سبحانه : { وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي ٱلأَرْضِ … } .