Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 55-55)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
و " ألا " في اللغة يقال عنها " أداة تنبيه " وهي تنبه السامع أن المتكلم سيقول بعدها كلاماً في غاية الأهمية ، والمتكلم - كما نعلم - يملك زمام لسانه ، بحكم وضعه كمتكلم ، لكن السامع يكون في وضع المُفاجَأ . وقد يتكلم متكلم بما دار في ذهنه ليبرزه على لسانه للمخاطب ، ولكن المخاطب يفاجأ ، وإلى أن ينتبه قد تفوته كلمة أو اثتنان مما يقوله المتكلم . والله سبحانه وتعالى يريد ألاَّ يفوت السامع لقوله أي كلمة ، فأتى بأداة تنبيه تنبه إلى الخبر القادم بعدها ، وهو قول الحق سبحانه : { إِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ … } [ يونس : 55 ] . هكذا شاء الحق سبحانه أن تأتي أداة التنبيه سابقة للقضية الكلية ، وهي أنه سبحانه مالك كل شيء ، فهو الذي خلق الكون ، وخلق الإنسان الخليفة ، وسخَّر الكون للإنسان الخليفة ، وأمر الأسباب أن تخضع لمسببات عمل العامل فكل من يجتهد ويأتي بالأسباب فهي تعطيه ، سواء أكان مؤمناً أو كافراً . وإذا خدمت الأسبابُ الإنسانَ ، وكان هذا الإنسان غافلاً عن ربه أو عن الإيمان به ، ويظن أن الأسباب قد دانت له بقوته ، ويفتن بتلك الأسباب ، ويقول مثلما قال قارون : { قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ … } [ القصص : 78 ] . فالذي نسي مسبِّب الأسباب ، وارتبط بالأسباب مباشرة ، فهو ينال العذاب ، إن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة فكأن الحق سبحانه ينبههم : تَنَّبهوا أيها الجاهلون ، وافهموا هذه القضية الكبرى : { إِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ … } [ يونس : 55 ] . فإياك أيها الإنسان أن تغترَّ بالأسباب ، أو أنك بأسبابك أخذت غير ما يريده الله لك ، فهو سبحانه الذي أعطاك وقدَّر لك ، وكل الأسباب تتفاعل لك بعطاء وتقدير من الله عز وجل . وفي أغيار الكون الدليل على ذلك ، ففكرك الذي تخطِّط به قد تصيبه آفة الجنون ، والجوارح مثل اليد أو القدم أو اللسان أو العين أو الأذن قد تُصاب أيُّ منها بمرض فلا تعرف كيف تتصرف . وكل ما تأتي فيه الأغيار فهو ليس من ذاتك ، وكل ما تملكه موهوب لك من مسبِّب الأسباب . فإياك أن تنظر إلى الأسباب ، وتنسى المسبِّب لأن لله ملك الأشياء التي تحوزها والأدوات التي تحوز بها بدليل أنه سبحانه حين يشاء يسلبها منك ، فتنبه أيها الغافل ، وإياك أن تظن أن الأسباب هي الفاعلة ، بدليل أن الله سبحانه وتعالى يخلق الأسباب ثم يشاء ألا تأتي بنتائجها ، كمن يضع بذور القطن - مثلاً - ويحرث الأرض ، ويرويها في مواعيدها ، ثم تأتي دودة القطن لتأكل المحصول . إذن : فمردُّ كل مملوك إلى الله تعالى . واعلمْ أن هناك مِلْكاً ، وإن هناك مُلْكاً ، والمِلْك هو ما تملكه جلباباً أو بيتاً ، أو حماراً ، إلى غير ذلك ، أما المُلْك فهو أن تملك من له مِلْك ، وتسيطر عليه ، فالقمة - إذن - في المُلْك . وانظر إلى قول الحق سبحانه : { قُلِ ٱللَّهُمَّ مَالِكَ ٱلْمُلْكِ تُؤْتِي ٱلْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ ٱلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ … } [ آل عمران : 26 ] . إذن : فالمُلك في الدنيا كله لله سبحانه . وكلمة " ألا " جاءت في أول الآية - التي نحن بصدد خواطرنا عنها - لتنبِّه الغافل عن الحق لأن الأسباب استجابت له وأعطته النتائج ، فاغترَّ بها ، فيجعل الله سبحانه الأسباب تختلف في بعض الأشياء ليظل الإنسان مربوطاً بالمسبِّب . ويقول الحق سبحانه في نفس الآية : { أَلاَ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ … } [ يونس : 55 ] . والوعد إن كان في خير فهو بشارة بخير يقع ، وإن كان بِشَرٍّ فهو إنذار بشرّ يقع ويغلب عليه كلمة " الوعيد " . إذن : ففي غالب الأمر تأتي كلمة " وعد " للاثنين : الخير والشر ، أما كلمة " وعيد " فلا تأتي إلا في الشر . والوعد : هو إخبارٌ بشي سيحدث من الذي يملك أن يُحْدِث الشيء . وإنفاذ الوعد له عناصر : أولها الفاعل ، وثانيها المفعول ، وثالثها الزمان ، ورابعها المكان ، ثم السبب . والحدث يحتاج إلى قدرة ، فإن قلت : " آتيك غداً في المكان الفلاني لأكلمك في موضوع كذا " فماذا تملك أنت من عناصر هذا الحدث إنك لا تضمن حياتك إلى الغد ، ولا يملك سامعك حياته ، وكذلك المكان الذي تحدد فيه اللقاء قد يصيبه ما يدمِّره ، والموضوع الذي تريد أن تتحدث فيه ، قد يأتي لك خاطر ألا تتحدث فيه من قبل أن يتم اللقاء . وهَبْ أن كل العناصر اجتمعت ، فماذا تملك أنت أو غيرك من عناصر الوعد ؟ لا شيء أبداً . ولذلك يعلِّم الله سبحانه خَلْقه الأدب في إعطاء الوعود ، التي لا يملكونها ، فيقول سبحانه : { وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ … } [ الكهف : 23 - 24 ] . وحين تقدِّم المشيئة فإن حدث لك ما يمنع إنفاذ الوعد فلن تكون كذاباً . وهكذا يعلّمنا ربنا صيانة أخبارنا عن الكذب ، وجعلنا نتكلم في نطاق قُدراتنا ، وقُدراتنا لا يوجد فيها عنصر من عناصر الحدث ، لكن إذا قال الله سبحانه ، ووعد ، فلا رادّ لما وعد به سبحانه لأنه منزَّه عن أن يُخْلف الميعاد لأن عناصر كل الأحداث تخضع لمشيئته سبحانه ، ولاَ تتأبَّى عليه ، ووعده حق وثابت . أما أنت فتتحكم فيك الأغيار التي يُجريها الحق سبحانه عليك . وهَبْ أنك أردت أن تبني بيتاً ، وقلت للمهندس المواصفات الخاصة التي تريدها في هذا البيت ، لكن المهندس لم يستطع أن يشتري من الأسواق بعضاً من المواد التي حددتها أنت ، فأنت - إذن - قد أردت ما لا يملك المهندس تصرُّفاً فيه . لكن الأمر يختلف بالنسبة للخالق الأعلى سبحانه فهو الذي يملك كل شيء ، وهو حين يَعد يصير وَعْدُه محتَّم النفاذ ، ولكن الكافرين ينكرون ذلك ولذلك قال الله سبحانه : { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [ يونس : 55 ] . أي : أنهم لا يعلمون هذه الحقيقة ، فقد سبق أن قالوا : { مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ … } [ يونس : 48 ] . أو أن { أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } تعني : أن الإنسان يجب ألاَّ يضع نفسه في موعد دون أن يقدِّم المشيئة لأنه لا يملك من عناصر أي وعد إلا ما يشاؤه الله تعالى . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : { هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ … } .