Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 65-65)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
تجيء هذه الآية بعد أن بيَّن لنا الله سبحانه وتعالى اعتراضات الكفار ، وإيذاءهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتكذيبهم له وقولهم فيه ما قالوه ، وفيما قالوه ما أحزنه صلى الله عليه وسلم لذلك طلب منه الحق سبحانه ألاَّ ينفعل لما قالوه انفعال الحزين ، فقد قالوا : ساحر ، وكاذب ، ومُفْتَرٍ ، ومجنون ، وقد نفى عنه الحق سبحانه كل ما قالوه ، فلو كان محمد صلى عليه وسلم ساحراً فلماذا لم يسحرهم هم أيضاً ، وهل للمسحور إرادة مع الساحر ؟ ! إذن : كَذَّبَ قولَهم في أنه صلى الله عليه وسلم سحر عبيدَهم وأولادَهم . وقالوا : مجنون ، ولم يكن في سلوكه صلى الله عليه وسلم أدنى أثر من جنون ، وفنَّد أقوالهم هذه بقوله سبحانه : { نۤ وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } [ القلم : 1 - 4 ] . فالمجنون لا يكون على خُلُق عظيم أبداً . وحين قالوا : إنه افترى القرآن ، تحداهم أن يأتوا بسورة من مثل ما قال ، وعجزوا عن ذلك رغم أنهم مرتاضون للشعر والأدب والبيان . وقول الحق سبحانه : { وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ … } [ يونس : 65 ] لأن أقوالهم لا حصيلة لها من الوقوف أمام الدعوة لأن { … ٱلْعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً … } [ يونس : 65 ] والعزة هي القوة ، والغلبة ، ويقال : هذا الشيء عزيز ، أي : لا يوجد مثله ، وهو سبحانه العزيز المُطْلَق لأنه لا إله إلا هو لا يُغلَب ولا يُقهَر . وتلحظ حين تقرأ هذه الآية وجود حرف " الميم " فوق كلمة { قَوْلُهُمْ } وتعني : ضرورة الوقف هنا . ولسائل أن يقول : كيف يلزم الوقف هنا مع أن القرآن الكريم مبنيٌّ على الوصل وآخر حرف في كل سورة تجده مُنوَّناً ، وليس في القرآن ما يُلزِم الوقف للقارىء ؟ وأقول رَدّاً على هذا التساؤل : إن العلماء حين لاحظوا ضعف مَلَكة اللغة جاءوا بهذا الوقف ليتفهم القارىء - الذي لا علم له بالبيان العربي - كيف يقرأ هذه الآية ، فهَبْ أن واحداً لا يملك فطنة الأداء ، فينسب { … إِنَّ ٱلْعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً … } [ يونس : 65 ] إلى { وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ … } [ يونس : 65 ] . ويخطىء الفهم ، ويظن - معاذ الله - أن العزة لله هي أمر يُحزِن النبي صلى الله عليه وسلم لذلك جاء العلماء بالوقف هنا لندقِّق القراءة ونُحْسِن الفهم . ولذلك علينا أن نقرأ { … وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ … } [ يونس : 65 ] ثم نتوقف قبل أن نتابع القراءة { إِنَّ ٱلْعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً … } [ يونس : 65 ] وبهذا نفهم المعنى : يجب ألاَّ تحزن يا محمد لأن أقوالهم لن تغيّر في مجرى حتمية انتصارك عليهم . ويريد الحق سبحانه هنا أن يطمئن رسوله صلى الله عليه وسلم في أمر محدد ، هو أنه صلى الله عليه وسلم مهمته هي البلاغ فقط ، وليس عليه أن يُلزمهم بالإيمان برسالته والتسليم لمنهجه . وبيّن له الحق سبحانه : أنهم إذا ما صدُّوا بعد بلاغك ، فلا تحزن مما يقولون فأقوالهم لا يقوم عليها دليل ، ولا تنهض لها حُجَّة ، وقد جاء فيهم قول الحق سبحانه : { وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ … } [ النمل : 14 ] . وأقوالهم لن تقف في سبيل دعوتك ، وسيُتمُّ الله نوره ، ولا يوجد أعز من الله سبحانه وتعالى ، ولن يجير أحد على الله أحداً ، فهو سبحانه يُجير ولا يُجار عليه . وإذا كانت العزة هي القهر والغلبة ، وقد تكون عزة حُجّة ، وقد تكون عزة حلْف ، وقد تكون عزة حكمة ، وكل واحد من خلق الله سبحانه قد توجد له عزة مجالٍ ما أو محيط ما ، لكن العزة لله سبحانه شاملة مطلقة في كل محيطٍ وفي كل مجال ، شاملة لكل شيء وأي شيء . ولماذا لم يأت الحق سبحانه بأسلوب القَصْر في هذه الآية ؟ أي : أن تأتي الصفة للموصوف وتنفيها عما عداه كأن نقول : " لزيدٍ مالٌ ليس لغيره " . وإذا قدمنا الجار والمجرور - وهو المتعلّق - فنقول : " لفلانٍ كذا " ، وهذا يعني أن غير فلانٍ ليس له كذا . وإنْ قلنا : " فلان له كذا " فيصح أن نقول : " ولفلانٍ كذا ، ولفلانٍ كذا ، ولفلانٍ كذا " . أما إذا قلت : " لفلان كذا " فمعناها : امتناع أن يكون لغير فلان شيء من مثل ما قلت . وهنا يقول الحق سبحانه : { … إِنَّ ٱلْعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً … } [ يونس : 65 ] وجاء بالتأكيد ولم يأت لها بأسلوب القصر الذي يعطي العزة لله سبحانه وينفيها عن غيره لأنه لا يوجد لهذه الآية مناهض ، وهو كلام ابتدائي يخبر به الله سبحانه خبراً كونياً بأن العزة لله جميعاً . وما دام الحق سبحانه هو الذي يقول ذلك - وهو خالق الخلق - فلن تأتي قضية كونية تناقضها ، ولو وجدت - معاذ الله - قضية كونية تناقضها ، فالآية لن تكون صادقة . وهذا لم ولن يحدث أبداً مع آيات الحق سبحانه لأنه هو خالق الكون ، وهو مُنزل الآيات فلا يمكن أن يحدث تناقض أبداً بين الكون وكلام خالق الكون سبحانه وتعالى . وقد حدث أن ادعى بعضهم العزة لنفسه وقالوا : { … لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ … } [ المنافقون : 8 ] . وكان مغزى قولهم هو ادعاء العزة لأنفسهم ، وادعاء الذلة للمؤمنين . إذن فالعزة قد ادُّعيت ، وما دامت قد ادعيت فلماذا لم تأت بأسلوب القصر ؟ نقول : لا ، لقد شاء الحق سبحانه أن يقول : { … وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ … } [ المنافقون : 8 ] . فالعزة لله لا تتعداه ، ولكنه سبحانه شاء أن تكون عزة رسوله صلى الله عليه وسلم وعزة المؤمنين من باطن عزة الله تعالى . وقول الحق سبحانه هنا : { … إِنَّ ٱلْعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً … } أي : في كل ألوانها هي لله سبحانه وتعالى ، إن كانت عزة حكمة فهو الحكيم ، وإنْ كانت عزة القبض على الأمور فهو العزيز ، وإن كانت عزة الحلْم فهو الحليم ، وإنْ كانت عزة الغضب والانتقام فهو المنتقم الجبّار ، وكلُّ ألوان العزة لله تعالى : { … هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } [ يونس : 65 ] . وما دامت العزة هي الغلبة والقهر ، فالله سبحانه يسمع من يستحق أن يُقهر منه ، وما دام الأمر فيه قول فهو يجيء بالسمع ، وإنْ كان فيه فعل ، فهو يأتي بصفة العليم ، فهو السميع لما يُقال والعليم بما يُفعل . ونحن نعلم أن المنهيَّ عنه هنا هو : { وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ … } [ يونس : 65 ] . لذلك كان المناسب أن يقال : { هُوَ ٱلسَّمِيعُ … } أولاً . ويريد الحق سبحانه أن يدلِّل على هذه القضية دلالة كونية في آيات الله تعالى في الكون ، وليس في الوجود أو الكون مَنْ يقف أمامه سبحانه لذلك لا بد أن نلحظ أن قانون " العزة لله جميعاً " محكوم بأن لله تعالى ما في السماوات وما في الأرض . لذلك يقول الحق سبحانه بعد ذلك : { أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَن فِي ٱلسَّمَاوَات … } .