Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 66-66)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فالحق سبحانه - إذن - لن يَخرج كائنٌ مَنْ كان عن ملكه . وساعة تجد الحق سبحانه يبيِّن الشيء وضده ، فهو يأتي بالقانون والإطار { للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَاواتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ … } [ البقرة : 284 ] . ومثال ذلك : حين تبع قوم فرعون موسى - عليه السلام - وقومه ، قال أصحاب موسى : { إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } [ الشعراء : 61 ] . قالوا ذلك لأنهم رأوا البحر أمامهم ، فشاء الحق سبحانه أن يبيِّن لهم أن البحر لن يعوق مشيئته سبحانه ، ولم ينفلت البحر من قوة الله تعالى لأن لله ما في السماوات وما في الأرض ، والبحر منها لذلك انفلق البحر ، فكان فِرْقٍ كالطود العظيم . فلا شيء يخرج عن مُلكه سبحانه تعالى ولذلك يأتي الحق سبحانه بالنقيض ، فبعد أن جعل الحق سبحانه لهم مسلكاً في البحر ، وكل فرْق كالطود العظيم ، ويظل البحر مفلوقاً فيدخل قوم فرعون فيه . والحق سبحانه يقول لموسى عليه السلام : { وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ } [ الدخان : 24 ] . فيأمر الحق سبحانه البحر أن يعود كما كان فيغرق قوم فرعون بعد أن أنجى الله - سبحانه وتعالى - موسى - عليه السلام - ومن معه ، فأهلك وأنجى بالشيء الواحد لأنه سبحانه له ما في السماوات وما في الأرض ، وليبيِّن الحق سبحانه لنا أنه لا شيء في كون الله تعالى يقوم مقام عزته سبحانه أبداً . وهناك مثال آخر : حين يقول نوح - عليه السلام - لابنه : { يٰبُنَيَّ ٱرْكَبَ مَّعَنَا … } [ هود : 42 ] . فيردّ الابن قائلاً : { سَآوِيۤ إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ ٱلْمَآءِ … } [ هود : 43 ] . وهذا كلام صحيح من ناحية أن الجبل يعلو مستواه عن مستوى المياه ، ولكن ابن نوح نسي أن لله تعالى جندياً آخر هو الموج فكان من المغرَقين . صحيح أن ابن نوح فطن إلى أن السفينة سوف تستوي على " الجودي " ، وأن من يركبها لن يغرق ، وكذلك من يأوي إلى الجبل العالي ، لكنه لم يفطن إلى الموج الذي حال بينه وبين الجبل فكان من المغرقين . إذن : فكل كائن هو مؤتمر بأمر من الله تعالى ، وما دامت العزة لله جميعاً فمصداقها أن لله تعالى ما في السماوات وما في الأرض ، وليس هناك كائن في الوجود يتأبَّى على أن يكون جندياً من جنود الحق سبحانه ، فيكون جندياً للإهلاك ، وجندياً للنجاة في نفس الوقت . وقول الحق سبحانه هنا : ألا نعلم منه أن ألا أداة تنبيه للسامع فلا يؤخذ على غرَّة ولا تفوته حكمة من حكم الكلام ، وينتبه إلى أن هناك خطاباً عليه أن يجمع عقله كله ليحسن استقبال ما في هذا الخطاب . ويقول الحق سبحانه : { أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَن فِي ٱلسَّمَاوَات وَمَنْ فِي ٱلأَرْضِ … } [ يونس : 66 ] . ولقائل أن يقول : هناك كثير من الكائنات غير العاقلة ، وقوله هنا { مَن } مقصود به الكائنات العاقلة ؟ ولنا أن نتساءل للرَّدِّ على هذا القائل : وهل هناك أي شيء في الوجود لا يفهم عن الله ؟ طبعاً لا ، والله سبحانه وتعالى هو القائل عن الأرض : { يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا } [ الزلزلة : 4 - 5 ] . إذن : فكل الكائنات في عُرف الاستقبال عن الله سبحانه سواء بـ " مَنْ " أو بـ " ما " ، وكل من في الوجود يفهم عن الله . ونلحظ أن الحق سبحانه يأتي مرة بالقول : { وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً … } [ آل عمران : 83 ] . ومرة يقول الحق سبحانه : { أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَن فِي ٱلسَّمَاوَات وَمَنْ فِي ٱلأَرْضِ … } [ يونس : 66 ] . كما جاء في هذه الآية التي نحن بصددها الآن . شاء الحق سبحانه ذلك ، لأن هناك جنساً في الوجود يوجد في السماء ويوجد في الأرض ، وهم الملائكة المُدَبِّرَات أمْراً ، هؤلاء هم المقصودون بأن لله ما في السماوات والأرض . ولله سبحانه وتعالى أيضاً جنس في السماوات لا يوجد في الأرض وهم الملائكة المهيمون العالين ، وليس لهم وجود على الأرض ، كما أن لله تعالى جنوداً في الأرض ليس لهم وجود في السماء ، فإن لاحظنا الملائكة المدبرات أمراً ، نجد أن قول الحق سبحانه : { للَّهِ ما فِي ٱلسَّمَاواتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ … } [ البقرة : 284 ] . مناسب لها . وإن لاحظنا أن لله ملائكة مهيمين في السماء ، وجنوداً في الأرض لا علاقة لهم بالسماء يكون مناسباً لذلك قول الحق سبحانه : { أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَن فِي ٱلسَّمَاوَات وَمَنْ فِي ٱلأَرْضِ … } [ يونس : 66 ] . وما دام كل شيء في الكون مملوكاً لله تعالى فلا شيء يخرج عن مراده سبحانه ، فلا يوجد مثلاً غار يدخله كائن فراراً من الله لأنه سبحانه قادر على أن يسد الغار ، وإن شاء الله سبحانه أن يساعد من دخل الغار فهو تعالى يعمي بصر من يرقب الغار . إذن : فلن يجير شيء على الله تعالى ، وستظل له صفة العزة لا يخدشها خادش من وجود الله في الكون . ثم يقول الحق سبحانه : { وَمَا يَتَّبِعُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُرَكَآءَ … } [ يونس : 66 ] . ومعنى اتباعهم شركاء كأن هناك شركاء ، رغم أن الأصل والحقيقة ألاَّ شركاء له سبحانه . إذن : فهم يتبعون غير شيء والدليل على ذلك موجود في طي القضية ، فهم يبعدونهم من دون الله تعالى ، ومعنى العبادة أن يطاع أمر وينهى نهي ، وما يعبدونه من أشياء لا أوامر لها ولا نواهي فليس هناك منهج جاءوا به . إذن : فلا ألوهية لهم . إذن : فالأصل ألا شركاء لله تعالى ، ولو كان له شركاء لأنزلوا منهجاً ولأوجدوا أوامر ، وكان لهم نواهٍ لأن الذي يقول : " اعبدني " إنما يحدد طريقة وأسلوب العبادة . وهاتوا واحداً من الذين تتبعونهم وتدعون لهم يكون له منهج ، ولن يستطعيوا ذلك ، ولاحق سبحانه هو القائل : { قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً } [ الإسراء : 42 ] . أي : أننا لو افترضنا أن هناك آلهة ولها مظهر قوة كالشمس التي تضيء والقمر الذي ينير ، والمطر الذي ينزل من السماء ، والملائكة التي تدبِّر الأمر ، لو صدَّقنا أن كل هؤلاء آلهة ، فهم سيبحثون عن الإله الواحد الأحد ليأخذوا منه القوة التي ظننتم أنها لهم . ولذلك يقول الحق سبحانه : { وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } [ المؤمنون : 91 ] . إذ لو كان هذا الأمر صحيحاً لكانت هناك ولايات إلهية . ولذلك قال الحق سبحانه : { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ … } [ الإسراء : 57 ] . وهم قالوا إنهم يعبدون الملائكة ، وعليهم أن يعلموا أن الملائكة نفسها تعبد الله سبحانه وتعالى ، وما دام لا يوجد شركاء لله لتتبعوهم إذن : فأنتم تتبعون الظن . لذلك جاء قول الحق سبحانه : { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } [ يونس : 66 ] . ونحن نجد الذين أولعوا بأن يُوجِدوا في القرآن ظاهر تعارض ليشكِّكوا فيه ، قالوا : إن هذه الآية مثال على ذلك فيقولون : في بداية الآية يقول : { وَمَا يَتَّبِعُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُرَكَآءَ … } [ يونس : 66 ] . فينفي أن المشركين يتبعون شركاء لله ، ثم يأتي في آخر الآية فيقول إنهم يتَّبعون الظن والخرص ، ففي أولها ينفي الاتباع ، وفي آخرها يثبته . وهذا جهل ممن قال بهذا وادعى أن هناك تناقضاً في الآية ، فالله سبحانه ينفي أن يكون ما يدعوه هؤلاء المشركون شركاء لله في ملكه ، فللَّه من في السماوات ومن في الأرض ، ولكنه يثبت أنهم يتَّبعون الظن والخرص والتخمين . ونقول : ما هو الظن ؟ وما هو الخرص ؟ إن الظن حكم بالراجح كما أوضحنا من قبل في النسب من أن هناك نسبة إنْ لم تكن موجودة فهي مشكوك فيها ، أو نسبة راجحة ، أو أن نسبة يتساوى فيها الشك مع الإثبات ، فإنْ كان الشك مساوياً للإثبات فهذا هو الشك . وإن رجحت ، فهذا هو الظن . أما المرجوح فنسميه وهماً . الظن - إذن - حكم بالراجح . والخَرْص : هو التخمين ، والقول بلا قاعدة أو دليل . والحق سبحانه يقول هنا : { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } [ يونس : 66 ] . والقرآن حين يوجه خطاباً فهو يأتي بالخطاب المستوعب لكل ممكن ، وهو سبحانه حكم عليهم هنا أنهم يتَّبعون الظن والخرص . ونحن نعلم أن الكافرين قسمان : قسم يُعْلم حقيقة الشيء ، ولكنه يغيّر الحقيقة إلى إفك وإلى خَرْص ، وقسم آخر لا يعرف حقيقة الشيء ، بل يستمع إلى من يعتقد أنه يعرف . إذن : فهناك مُتَّبِع - بكسر الباء - وهناك مُتَّبَع - بفتح الباء - المُتَّبَع - بفتح الباء - يعلم أن ما يقوله هو كلام ملتوٍ ، يشوّه الحقيقة ويزينها ، أما المتّبع - بكسر الباء - فيظن أنه يتبع أناساً عاقلين أمناء فأخذ كلامهم بتصديق . إذن : فالمتبع بكسر الباء يكون الظن من ناحيته ، أما المتبع بفتح الباء فيكون الخَرْص والكذب والافتراء من ناحيته ولذلك يقول لنا الحق سبحانه : { وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } [ البقرة : 78 ] . هؤلاء - إذن - يصدِّقون ما يقال لهم لأنهم أميُّون ، والكلام الذي يقال لهم راجح ، وهم لو فكروا بعقولهم لما انتهوا إلى أنه كلام راجح . أما الآخرون فيقول فيهم الحق سبحانه : { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً … } [ البقرة : 79 ] . وهؤلاء هم الذين يأتي منهم الخَرْص والإفك وقول الزور والبهتان . إذن : فالكفار إن كانوا من الأميين فهم من أهل الظن ، وينطبق عليهم قول الحق سبحانه : { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ … } [ يونس : 66 ] . وإن كانوا من القادة والرؤساء فهؤلاء هم من ينطبق عليهم قول الحق سبحانه : { وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } [ يونس : 66 ] . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ … } .