Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 68-68)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ونفس نص الآية الكريمة يكذِّبهم فيما يدَّعونه . ومثال ذلك : أنك حين تقول : " اتخذ فلان بيتاً " أي : أن فلاناً له ذاتية سابقة على اتخاذه للبيت ، وبها اتخذ البيت ، فإذا قيل : { ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً … } [ يونس : 68 ] . فهذا اعتراف منهم بكمال الله تعالى وذاتيته قبل أن يتخذ الولد . وهم قد اختلفوا في أمر هذا الولد ، فمنهم من قال : إن الملائكة هن بنات الله وكذَّبهم الحق سبحانه في ذلك ، ومنهم من قال : عزير ابن الله وهم اليهود وقد كذَّبهم الله سبحانه في ذلك ، وطائفة من المسيحيين قالوا : إن المسيح ابن الله ، وكذَّبهم الحق سبحانه في ذلك . ثم ما الداعي أن يتخذ الله الولد ؟ هل استنفد قوته حتى يساعده الولد ؟ ! وهل يمكن أن يضعف سبحانه - معاذ الله - فيمتد بقوة الولد أو يعتمد عليه ؟ ! مثلما يقال حين يواجه شيخٌ شابّاً ، ويعتدي الشاب على الشيخ ، فيقال للشاب : احذر إن لهذا الشيخ ولداً أقوى منك فيرتدع الشاب ، أو أن يقول الشيخ للشاب : إن أبنائي يفوقونك في القوة ، وفي هذا اعتداد بالأولاد . ويريد الحق سبحانه أن يغفل كل هذه الدعاوي ولتكون حركة الحياة متماسكة متلازمة ، لا متعارضة ولا متناقضة لذلك ينبغي أن يكون المحرِّك إلهاً واحداً تصدر منه كل الأوامر ، فلا تعارض في تلك الأوامر لأن الأوامر إن صدرت عن متعدد فحركة الحياة تتصادم بما يبدد الطاقة ويفسد الصالح . ولذلك لا بد أن يكون الأمر صادراً من آمر واحد يُسْلَّم له كل أمر ، وهذا الإله منزَّه عن كل ما تعرفه من الأغيار ، فله تنزيه في ذاته فلا ذات تشبه ذاته ، ومنزَّه في صفاته فلا صفة تشبه صفته ، ومنزَّه في أفعاله فلا فعل يشبه فعله . وحتى نضمن هذه المسألة لا بد أن يكون الإله واحداً ، ولكن بعضاً من القوم جعلوا لله شركاء ، ومن لم يجعل له شريكاً ، توهَّم أن له ابناً وولداً . ونقول لهم : إن كلمتكم : { ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً } [ يونس : 68 ] ترد عليكم لأن معنى اتخاذ الولد أن الألوهية وُجِدَتْ أولاً مستقلة ، وبهذه الألوهية اتخذ الولد . ومن المشركين من قال : إن الملائكة بنات الله . فردَّ عليهم الحق سبحانه : { أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ * تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ } [ النجم : 21 - 22 ] . والكمال كله لله سبحانه فهو كمال ذاتي ولذلك يأتي في وسط الآية ويقول تعالى : { سُبْحَانَهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ … } [ يونس : 68 ] . وسبحانه تعني : التنزيه ، وهو الغني أي : المستغني عن مُعِين كما تستعينون أنتم بأبنائكم ، وهو دائم الوجود فلا يحتاج إلى ابن مثل البشر ، وهم أحداث تبدأ وتنتهي لذلك يحبون أن يكون لهم أبناء كما يقول الشاعر : @ ابني يا أنا بعد ما أقَْضَى @@ ويقال : " من لا ولد له لا ذِكْر له " ، كأن الإنسان لما علم أنه يموت لا محالة أراد أن يستمر في الحياة في ولده . ولذلك حين يأتي الولد للإنسان يشعر الإنسان بالسرور والسعادة ، والجاهل هو من يحزن حين تلد له زوجته بنتاً لأن البنت لن تحمل الاسم لمن بعدها ، أما الولد والحفيد فيحملان اسم الجد ، فيشعر الجد أنه ضمن الذِّكْر في جيلين . إذن : فاتخاذ الولد إما استعانة وإما اعتداد ، والحق سبحانه غنيٌّ عن الاستعانة ، وغني عن الاعتداد لأنك تعتد بمن هو أقوى منك ، وليس هناك أقوى من الله تعالى ، وهو سبحانه لا يحتاج لامتداد لأنه هو الأول وهو الآخر ، وعلى ذلك ففكرة اتخاذ الولد بالنسبة لله تعالى لا تصح على أي لون من ألوانها . ولذلك يقول الحق سبحانه مرادفاً لتلك الفكرة : { سُبْحَانَهُ } لأنها تقطع كل احتمالات ما سبقها ، ويُتْبعِ ذلك بقوله : { هُوَ ٱلْغَنِيُّ } لأنه غني عن اتخذا الولد ، وغني عن كل شيء ، وقوله : { سُبْحَانَهُ } تنزيه له ، والتنزيه : ارتفاع بالمُنَزَّه عن مشاركة شيءٍ له - في الذات أو الأفعال . وإذا ورد شيء هو لله وصفٌ ولخَلْقه وصفٌ ، فإياك أن تأخذ هذه الصفة مثل تلك الصفة . فإن قابلت غنياً من البشر ، فالغني في البشر عَرَضٌ ، أما غنى الله تعالى ففي ذاته سبحانه . وأنت حي والله سبحانه حي ، ولكن أحياتك كحياته ؟ لا لأن حياته سبحانه لم يسبقها عدم ، وحياتك سبقها عدم ، وحياته سبحانه لا يلحقها عدم ، وأنت يلحق حياتك العدم . والله موجود وأنت موجود ، لكن وجوده سبحانه وجود ذاتيٌّ ، ووجودك وجود عَرَضِيٌّ . وإذا قال الحق سبحانه : إن له - سبحانه وتعالى - يداً { يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ … } [ الفتح : 10 ] . فلا يمكن أن تكون يد الله سبحانه مثل يدك لأن ذاته سبحانه ليست كذاتك ، وصفاته سبحانه ليست كصفاتك ، وهو سبحانه القادر الأعلى ، ولا يمكن أن يكون مقدوراً لأحد . ولذلك حين يتجلَّى الله سبحانه لخلقه ، فسوف يتجلى بالصورة التي تختلف عن كل خيال العبد ، وهذه الصورة تختلف من عبد إلى آخر ، ولو كانت الصورة التي يتجلى بها الله سبحانه مقدوراً عليها لكان معنى ذلك أن هناك ذهناً بشرياً قد قدر على الإحاطة بها . وما خطر ببالك فالله سبحانه بخلاف ذلك لأن ما خطر بالبال مقدور عليه لأنه خاطر ، والله سبحانه لا ينقلب أبداً إلى مقدور عليه . وأنت حين تأتي بمسألة في الحساب أو الهندسة - مثلاً - وتعطيها لتلميذ ويقوم بحلها ، فمعنى ذلك أن عقله قد قدر عليها ، أما إن جئت لتلميذ في المرحلة الإعدادية - مثلاً - بمسألة هندسية مقررة على طلبة كلية الهندسة فعقله لن يقدر عليها . إذن : لو أن الإنسان قد أدرك شيئاًً عن الله غير ما قاله الله لانقلب الإله إلى مقدور عليه ، والحق سبحانه مُنَزَّه عن ذلك لأنه القادر الأعلى الذي لا ينقلب أبداً إلى مقدور . لذلك يعلِّمنا الحق سبحانه أن نقول تنزيهاً لله تعالى كلمة { سُبْحَانَهُ } ، وهو التنزيه الواجب عن كل شيء يخطر ببال الإنسان عن الله تعالى ، وهذه السبحانية أو هذا التنزيه هو صفة ذاتية في الله تعالى ، قبل أن يوجد شيء ، وبعد أن خَلَق الخَلْق ، فعلى كل المخلوقات تنزيهه ، وبدأ الخلق في التسبيح . والتسبيح فعل مستمر لا ينقطع ولا ينقضي لذلك تجد استدلالات القرآن في السور التنزيهية تؤكد ذلك ، فيقول الحق سبحانه : { سُبْحَانَ ٱلَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ } [ الإسراء : 1 ] . وإياك أن تظن أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد سرى بقرار من نفسه ، بل الذي أسرى به هو الحق سبحانه ، فلا تظن أن المسافة يمكن أن تمنع مشيئة الحق المطلقة ، ولا المكان ، ولا الزمن لأن الفعل منسوب لله تعالى ، ولا يمكن أن نقيس فعلاً منسوباً لله تعالى بقياس الزمان أو المكان ، أو حسب قانون الحركة النسبية ، لأن الحق سبحانه له طلاقة القدرة ، وأنت بشر مجرد حادث محدود الزمان والمكان . وأنت إذا سِرْت من هنا إلى الإسكندرية - مثلاً - على قدميك فستقطع المسافة في أسابيع ، وإن امتطيت دابة فقد تأخذ في الوصول إلى الإسكندرية أياماً ، وإن ركبت سيارة فسوف تقطع المسافة في ساعتين ، وإن ركبت صاروخاً ، فستصل خلال دقائق . أي : أنك كلما زادت قوة أداة الوصول قَلَّ زمن الوصول ، وهذا موجز نظرية الحركة ، وإذا كان الذي أسرى هو الله سبحانه ، وهو قوة القوى ، لذلك لا يمكن أن يقاس بالنسبة لمشيئة قوة أخرى ، أو أن يقاس الأمر ببُعْد أو قُرْب المكان أو كيفية الزمان الذي تعرفه . وإياك أن تفهم أن إسراء الله تعالى مثل إسرائك لأن الفعل إنما يأخذ قوته من الفاعل ، وما دام الفاعل هو الله سبحانه فلا أحد بقادر أن يَحُدَّ أفعاله بزمن . وقد استهل الحق سبحانه سورة الإسراء بالسبحانية وآياتها الأولى تتكلم في أدق شيء تكلم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذاته بأنه قد أسْرِيَ به ، وبذلك أثبت بحادث الإسراء حقيقة المعراج ، وأن الناموس قد خُرِق له ، وحدَّثنا عما نعلم لنصدِّق حديثه عما لا نعلم ، وحتى نقيس ما لا نعلم على ما نعلم ، فيتأكد لنا صدقه صلى الله عليه وسلم في حديثه عما لا نعلم . كلمة " سبحانه " - إذن - هي للتنزيه ، وهي لله تعالى أزلاً قبل أن يَخلق الخَلق ، فقد شهد سبحانه لذاته أنه إله واحد ، ثم شهدت الملائكة ، ويتكرر التسبيح من كل المخلوقات التي أوجدها الله سبحانه . وأنت تجد سور القرآن الكريم التي جاء فيها التسبيح مؤكدة أنه سبحانه مُنزَّه ، وله التسبيح من قبل أن يخلق الخلق ، ثم خلق الخلق ليسبِّحوا ، ففي سورة الحديد يقول سبحانه : { سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ … } [ الحديد : 1 ] . ويقول سبحانه في سورة الحشر : { سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ … } [ الحشر : 1 ] . فهل سبَّح كل من في السماوات ومن في الأرض مرة واحدة وانتهى الأمر ؟ لا لأن الله سبحانه يقول : { يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ ٱلْمَلِكِ ٱلْقُدُّوسِ … } [ الجمعة : 1 ] . ويقول سبحانه في سورة التغابن : { يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ لَهُ ٱلْمُلْكُ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ التغابن : 1 ] . إذن : فالسبحانية لله أزلاً ، وسبَّح ويسبِّح الخَلْق وكل الوجود بعد أن خلقه الله سبحانه ، سماوات وأرض وما فيهما ومن فيهما ، وما بقي إلا أنت أيها الإنسان فسبِّحْ باسم ربك الأعلى . وفي الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها يقول الحق سبحانه : { قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ … } [ يونس : 68 ] . وعلة التسبيح والتنزيه عن أن يكون له ولد تأتي في قوله تعالى : { هُوَ ٱلْغَنِيُّ } لأن اتخاذ الولد إنما يكون عن حاجة ، إما استعانة ، وإما اعتماداً ، وإما اعتداداً ، وإما امتداداً ، وكل هذه أمور باطلة بالنسبة له سبحانه ، وهو الحق الأعلى ، وهو سبحانه القائل في آية أخرى : { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ } [ البقرة : 116 ] . والقنوت معناه : الإقرار بالعبودية لله تعالى والخضوع له وإطاعته . ويقول سبحانه في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها : { إِنْ عِندَكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بِهَـٰذَآ أَتقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ يونس : 68 ] . و " إنْ " قد تأتي للنفي في مثل قول الحق سبحانه : { إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ … } [ المجادلة : 2 ] . وفي قول الحق سبحانه هنا : { إِنْ عِندَكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بِهَـٰذَآ … } [ يونس : 68 ] . أي : ليس عندكم حُجَّة تدل على أن الله تعالى اتخذ ولداً . ولذلك يُنهي الحق سبحانه الآية بقوله : { أَتقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ يونس : 68 ] أي : أنكم لا تملكون إعلاماً من الله تعالى بذلك ، فلا إعلام عن الله إلا من الله ، وليس لأحد أن يُعْلِم عن ربه ، فهو سبحانه من يُعْلِم عن نفسه . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : { قُلْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ … } .