Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 89-89)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ويلاحظ أن الذي دعا هو موسى عليه السلام ، ولكن قوله سبحانه : { قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا … } [ يونس : 89 ] يدل على أن هارون - عليه السلام - قد دعا مع موسى . وقد قلنا من قبل : إننا إن نظرنا إلى الأصالة في الرسالة لوجدنا موسى - عليه السلام - هو الأصيل فيها ، وجاء هارون ليشد عضده ، وإن نظرنا إلى طبيعة الاثنين فكل منهما رسول ، والاثنان لهما رسالة واحدة . وما دام الحق سبحانه قد أرسل الاثنين لمهمة واحدة ، فإن انفعل واحد منهما لشيء فلا بد أن ينفعل الآخر لنفس الشيء لذلك فلا يوجد ما يمنع أن هارون ساعة سمع أخاه داعياً بمثل هذا الدعاء ، قد دعا هو أيضاً بالدعاء نفسه ، أو أنه - أي : هارون - قد دعا بهذا الدعاء سِرّاً . والدعاء معناه : أنك تفزع إلى من يقدر على تحقيق ما لا تقدر عليه ، فأنت لا تدعو إلا في أمر عَزَّتْ عليك أسبابه فتقول : إن لي ربّاً أومن به ، وهو يقدر على الأسباب لأنه خالق الأسباب ، وقادر على أن يعطي بلا أسباب ، والمؤمن الحق يستقبل الأحداث ، لا بأسبابه ، ولكن بقدرة مَنْ آمن به ، وهو المسِّبب الأعلى سبحانه . ولذلك تجد موسى عليه السلام ومعه قومه حين وصلوا إلى شاطىء البحر ، وكان من خلفهم قوم فرعون يطاردونهم ، فقال قوم موسى : { … إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } [ الشعراء : 61 ] . فَرَدَّ موسى عليه السلام : { كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [ الشعراء : 62 ] . أي : لا ترتِّبوا الأمر بترتيب البشر لأن معي رب البشر ، فجاءه الإنقاذ : { فَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ } [ الشعراء : 63 ] . إذن : فالدعاء إنما يكون فزعاً إلى من يقدر على أمر لا تقدر عليه . والموضوع الذي كان يشغل موسى وهارون عليهما السلام هو بقاء آل فرعون على ضلالهم وإصرارهم على إضلال غيرهم ، فلا بد أن يدعو كل منهما نفس الدعاء ، ومثل هذا نجده في غير الرسل ونسميه " التخاطر " ، أي : التقاء الخواطر في لحظة واحدة . ومثال ذلك في التاريخ الإسلامي ، لحظة أن كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه مشغولاً بالتفكير في جيش المسلمين المقاتل في إحدى المعارك ، وكان عمر في المدينة يخطب على المنبر ، فإذا به يقول فجأة : " يا سارية الجبل " وهي كلمة لا موضع لها في منطق الخطبة ، ولكن كان فكره مشغولاً بالقائد الذي يحارب ، وسمع القائد - وهو على البعد - الأمر فانحاز إلى الجبل . ويقال في هذه المسألة : إن الخاطر قد شغل مع الخاطر ، مثلما تطلب أحداً في الهاتف فيرد عليك الشخص الذي تريد الكلام معه قائلاً : لقد كنت على وشك أن أتصل بك هاتفيّاً ، وهذا يعني أن الخاطرين قد انضبطا معاً . وإذا كان هذا ما يحدث في حياتنا العادية ، فما بالنا بما يحدث في الأمور الصفائية وفي أرقى درجاتها وهي النبوة ؟ أو أن الذي دعا هو موسى وما كان هارون إلا مؤمِّناً ، والمؤمِّن هو أحد الداعيين ، وما دام الحق سبحانه قد قَبِل دعوة موسى عليه السلام ، فقد قَبِل أيضاً دعوة المؤمِّن معه . ويظن بعض الناس أن إجابة الدعوة هي تحقيق المطلوب فور الدعاء ، ولكن الحقيقة أن إجابة الدعوة هي موافقة على الطلب ، أما ميعاد إنجاز الطلب ، فقد يتأجل بعض الوقت ، مثلما حدث مع دعوة موسى عليه السلام على فرعون وملئه ، فحين دعا موسى ، وأمَّن هارون ، جاءت إجابة الدعاء : { قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا … } [ يونس : 89 ] بعد أربعين عاماً ، ويحقق الله سبحانه الطمس على المال . فالسماء ليست موظفة عند من يدعو ، وتقبل أي دعاء ، ولكن قبول الدعوة يقتضي تحديد الميعاد الذي تنفذ فيه . وهذه أمور من مشيئة الله سبحانه فالحق سبحانه وتعالى منزَّه عن أن يكون منفِّذاً لدعاء ما ، ولكنه هو الذي بيده مقاليد كل أمر ، فإذا ما أجيبت دعوة ما ، فهو سبحانه بمشيئته يضع تنفيذ الدعوة في الميعاد الملائم لأنها لو أجيبت على الفور فقد تضر . والحق سبحانه وتعالى هو القائل : { وَيَدْعُ ٱلإِنْسَانُ بِٱلشَّرِّ دُعَآءَهُ بِٱلْخَيْرِ وَكَانَ ٱلإِنْسَانُ عَجُولاً } [ الإسراء : 11 ] . لذلك يحدد الحق سبحانه ميعاد تطبيق الدعوة في مجال التنفيذ والواقع . وهو سبحانه وتعالى يقول : { … سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ } [ الأنبياء : 37 ] . والإنسان يعرف أنه قد يكون قد دعا بأشياء ، فحقق الله سبحانه الدعاء وكان شرّاً ، وكم من شيء يدعو به الإنسان ولم يحققه الله تعالى وكان عدم تحقيقه خيراً . إذن : فالقدرة العليا رقيبة علينا ، وتعلم ما في صالحنا لأننا لسنا آلهة تأمر بتنفيذ الدعوات ، بل فوقنا الحكيم الأعلى سبحانه . ولذلك نقول في بيان قول الحق سبحانه : { وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ … } [ يونس : 11 ] . لأن الإنسان قد يدعو بالشر على نفسه ، ألا تسمع أمّاً تدعو على ابنها أو ابنتها رغم حبها لهما ، فلو استجاب الله لدعائها على أولادها الذين تحبهم أليس في ذلك شر بالنسبة للأم . والولد قد يقول لأمه مغاضباً : يا رب تحدث لي حادثة حتى تستريحي مني . فهَبْ أن الله استجاب لهذا الدعاء ، أيرضي ذلك من دعا على نفسه أو يرضي أمه ؟ طبعاً لا فإذا كان الله سبحانه قد أبطأ عليك بدعاء الشر فهذا خير لك ، فعليك أن تأخذ إبطاء الله سبحانه عليك بدعاء الخير على أنه خير لك . ولذلك شاء الحق سبحانه أن يقول لموسى وهارون عليهما السلام : { … قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فَٱسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } [ يونس : 89 ] . أي : ابقيا على الطريق السوي ، ولا تُدْخِلا نفسيكما فيما لا علم لكما به . أليس الحق سبحانه هو القائل : { وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَاكِمِينَ * قَالَ يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّيۤ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } [ هود : 45 - 46 ] . أي : كُنْ مؤدَّباً مع ربك حين تدعو وتنفِّس عن نفسك ، ودَعْ لحكمة الحكيم الإجابة أو عدمها ، وقد تكون الإجابة فورية أو مؤجَّلة إلى حين أوانها ، وكلاهما خير . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : { وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُه … } .