Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 90-90)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال الحق سبحانه : { وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ … } [ يونس : 90 ] لأن الاجتياز لم يكن بأسباب بشرية ، بل بفعل يخرج من أسباب البشر ، فلو أن موسى عليه السلام قد حفر نفقاً تحت الماء ، أو لو كان قد ركب سفناً هو وقومه لكان لهم مشاركة في اجتياز البحر ، لكن المجاوزة كانت بأسباب غير ملوحظة بالنسبة للبشر ، فالحق سبحانه هو الذي أوحى لموسى : { أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ … } [ الشعراء : 63 ] . ومياه البحر كأية مياه أخرى تخضع لقانون السيولة ، والاستطراق هو وسيلة السيولة ، وهي عكس التجمد الذي يتسم بالتحيز . والاستطراق هو الذي قامت عليه أساليب نقل المياه من صهاريج المياه التي تكون في الأغلب أعلى من طول أي منزل ، ويتم ضخ المياه إليها لتتوزع من بعد ذلك حسب نظرية الأواني المستطرقة على المنازل ، أما إذا كانت هناك بناية أعلى طولاً من الصهريج ، هنا يقوم سكان المبنى بتركيب مضخة لرفع المياه إلى الأدوار العالية . وإذا كان قانون البحر هو السيولة والاستطراق ، فكيف يتم قطع هذا الاستطراق ؟ يقول الحق سبحانه : { … فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ } [ الشعراء : 63 ] . فكيف تحول الماء إلى جبال يفصل بينها سراديب وطرق يسير فيها موسى عليه السلام وقومه ؟ كيف يسير موسى وقومه مطمئنين ؟ لا بد أنها معية الله سبحانه التي تحميه ، وهي تفسير لقول الحق سبحانه : { … إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } [ الشعراء : 62 ] . ورغم ذلك يتبعهم فرعون وجنوده لعله يدركهم ، وأراد سيدنا موسى - عليه السلام - بمجرد نجاحه في العبور هو وقومه أن يضرب البحر بعصاه ليعود إلى قانون السيولة ، ولو فعل ذلك لما سمح لفرعون وجنوده أن يسيروا في الممرات التي بين المياه التي تحولت إلى جبال ، ولكن الله - سبحانه وتعالى - يريد غير ذلك ، فقد أراد الحق سبحانه أن ينجي ويهلك بالشيء الواحد ، فأوحى لموسى عليه السلام : { وَٱتْرُكِ ٱلْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ } [ الدخان : 24 ] . أي : اترك البحر على حاله فينخدع فرعون وجنوده ، وما إن ينزل آخر جندي منهم إلى الممر بين جبال الماء سيعود البحر إلى حالة السيولة فيغرق فرعون وجنوده ، وينجو موسى وقومه . ويقول الحق سبحانه : { فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ … } [ يونس : 90 ] . فهل كان هذا الإتباع دليل إرادة الشر ؟ أكان من الممكن أن تكون نية الفرعون أن يدعو موسى وقومه إلى العودة إلى مصر ليستقروا فيها ؟ لا ، لم تكن هذه هي نية الفرعون لذلك قال الحق سبحانه عن هذا الإتباع : { بَغْياً وَعَدْواً … } [ يونس : 90 ] . أي : أنه اتباع رغبة في الانتقام والإذلال والعدوان . ويصور القرآن الكريم لحظة غرق فرعون بقوله : { حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ … } [ يونس : 90 ] . والإدراك : قصد للمدرك أن يلحق بالشيء ، والغرق معنى ، فكيف يتحول المعنى إلى شيء يلاحق الفرعون ؟ نعم ، فكأن الغرق جندي من الجنود ، وله عقل ينفعل فيجري إلى الأحداث : { . . حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } [ يونس : 90 ] . والإيمان إذا أطلق فهو الإيمان بالقوة العليا ، بدليل أن الحق سبحانه وتعالى قد قال : { قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا … } [ الحجرات : 14 ] . لأن الإيمان يتطلب انقياد القلب ، والإسلام يقتضي اتباع أركان الإسلام ، فالإيمان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قل آمنت بالله ثم استقم " وفي هذا القول ذكر محدد بأن الإيمان إنما يكون لله الأعلى . لكن لو قلت - مثلاً : " آمنت أنك رجل طيب " فهذا إيمان له متعلق ، أما إذا ذُكِر الإيمان بإطلاق فهو ينصرف إلى الإيمان بالله تعالى ولذلك قال الله سبحانه للأعراب : { وَلَـٰكِن قُولُوۤاْ أَسْلَمْنَا … } [ الحجرات : 14 ] . وهنا يأتي القول على لسان فرعون : { … آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } [ يونس : 90 ] . والخلاف هنا كان بين الفرعون كجهة كفر ، وبين موسى وهارون وقومهما كجهة إيمان ، وأعلن فرعون إيمانه ، وقال أيضاً : { … وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } [ يونس : 90 ] . ولم يقبل الله ذلك منه بدليل قوله الحق سبحانه : { آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ … } .