Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 57-57)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الفعل " تولَّوا " أصله : " تتولَّوا " ، وفي اللغة : إذا ابتدأ فعل بتاءين يُقتصَر على تاء واحدة . وهكذا يكون المعنى : إن تتولَّوا فقد أبلغتكم المنهج الذي أرسلت به إليكم ، ولا عُذر لكم عندي لأن الحق سبحانه لا يعذِّب قوماً وهم غافلون لذلك أرسلني إليكم . أو أن الخطاب من الله سبحانه لهود عليه السلام ليبِّين له : فإن تولَّوا فقل لهم : { أَبْلَغْتُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ … } [ هود : 57 ] . والاستخلاف أن يوجد قوم خلفاء لقوم ، إما أن يكونوا عادلين فلا يقفوا من المناهج ولا من الرسالات مثلما وقف قوم عاد . وإما أن يكونوا غير عادلين ، مثل من قال فيهم الحق سبحانه : { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُواْ ٱلصَّلاَةَ وَٱتَّبَعُواْ ٱلشَّهَوَاتِ … } [ مريم : 59 ] . والحق سبحانه قد وعد المؤمنين وعداً طيِّباً : { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي ٱلأَرْضِ كَمَا ٱسْتَخْلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ … } [ النور : 55 ] . إذن : فالاستخلاف إما أن يكون الخلف فيه صاحب عمل صالح ، أو أن يبدد المنهج فلا يتبعه ، بل يتبع الشهوات . وفي آية أخرى يقول الحق سبحانه : { هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلاَءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم } [ محمد : 38 ] . وهنا يقول الحق سبحانه : { وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئاً … } [ هود : 57 ] . لأن المنهج الذي نزل على الخَلْق ، أنزله الحق سبحانه وتعالى لصلاح العباد ، وهو سبحانه خَلَق أولاً بكل صفات الكمال فيه ، ولن يزيده العباد وصفاً من الأوصاف ، ولن يسلبه أحد وصفاً من الأوصاف . ولذلك نقول للمتمردين على عبوديتهم لله كفراً ، وللمتمردين على المنهج بالمعصية : أنتم ألفتم التمرد إما التمرد في القمة وهو الكفر بالله ، وإما التمرد على أحكام الله بمخالفتها ، فلماذا لا يتمرد أحدكم على المرض ، ويقول : " لن أمرض " ؟ ولماذا لا يتمرد أحدكم على الموت ويرفض أن يموت ؟ إذن : فما دُمْتَ قد عرفت التمرد فيما لك فيه اختيار ، فهل تستطيع التمرد على أحكام الله القهرية فيك ؟ إنك لن تستطيع لأنك مأخوذ بناصيتك . والحق سبحانه إن شاء أن يوقف القلب ، فلن تستطيع أن تأمر قلبك بعدم التوقف . لذلك قال هود عليه السلام : { … وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } [ هود : 57 ] . فالله سبحانه رقيب لأنه قيوم قائم على كل أمور كونه . وبعض الفلاسفة قالوا : إن الله قد خلق الكون ، وخلق النواميس والقوانين ، ثم تركها تقوم بعملها . ولهؤلاء نقول : لا فأنتم أقررتم بصفات الخالق القادر ، فأين صفات القيومية لله القائم على كل نفس بما كسبت ، وهو سبحانه القائل لعبيده عن نفسه : { لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ … } [ البقرة : 255 ] . وهو سبحانه حين يقول هذا إنما يطمئن العباد ليناموا ويرتاحوا لأنه سبحانه مُنزَّه عن الغَفْلة أو النوم ، بل هو سبحانه قيوم . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : { وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ … } .