Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 5-5)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وإذا وجدت " ألا " في أول الكلام فأنت تعلم أنها للتنبيه ، ومعنى التنبيه أنه أمر يوقظ لك السامع إن كان غافلاً لأنك تحب ألا تفوته كلمة من الكلام الذي تقوله . وحين تنبهه بغير أداء الأسلوب الذي تريده منه ، هنا يكون التنبيه قد أخذ حقه ، ومن بعد ذلك يجيء الكلام الذي تقوله ، وقد تهيَّأ ذهن السامع لاستقبال ما تقول . فـ " ألا " - إذن - هي أداة تنبيه لأن الكلام ستار بين المتكلم والمخاطب ، والمخاطب لا يعرف الموضوع الذي ستكلمه فيه ، والمتكلم هو الذي يملك زمام الموقف ، وهو يهيىء ذهنه لترتيب ما يقول من كلمات ، أما المستمع فسوف يفاجأ بالموضوع وحتى لا يفاجأ ولا تضيع منه الفرصة ليلتقط كلمات المتكلم من أولها ، فهو ينبهه بأداة تنبيه ليستمع . ويقول الحق سبحانه هنا : { أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ … } [ هود : 5 ] . ويقال : ثنيت الشيء أي : طويته ، وجعلته جزئين متصلين فوق بعضهما البعض . وحين يثني الإنسان صدره ، فهو يثنيه إلى الأمام ناحية بطنه ، ويداري بذلك وجهه ، والغرض هنا من مداراة الوجه هو إخفاء الملامح لأن انفعال مواجيد النفس البشرية ينضح على الوجوه ؟ وهم كارهون للرسول صلى الله عليه وسلم ، وحاقدون عليه ولا يريدون أن يلحظ الرسول صلى الله عليه وسلم ما على ملامحهم من انفعالات تفضح مواجيدهم الكارهة . ومثل ذلك جاء من قوم نوح عليه السلام ، حين قال الحق سبحانه على لسان نوح : { وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوۤاْ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِمْ وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ ٱسْتِكْبَاراً } [ نوح : 7 ] . ومن البداهة أن نعرف أن الإصبع لا تدخل كلها إلى الأذن ، إنما الأنملة تسد فقط فتحة السمع ، وعدَّل القرآن الكريم ذلك بمبالغة تكشف موقف نوح - عليه السلام - ، فكل منهم أراد أن يُدخِل إصبعه في أذنه حتى لا يسمع أي دعوة ، وهذا دليل كراهية ، وهذه شهادة ضدهم لأنهم يفهمون أنهم لو سمعوا فقد تميل قلوبهم لما يقال . ولذلك نجد القرآن الكريم وهو ينقل لنا ما قاله مشركو مكة لبعضهم البعض : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَٱلْغَوْاْ فِيهِ … } [ فصلت : 26 ] . فكأنهم تواصوا بالتشويش على القرآن ، ثقة منهم في أن القرآن لو تناهى إلى الأذن فقد يؤثر في نفسية السامع لأن النفس البشرية أغيار ، وقد تأتي للنفس ما يجعلها تميل دون أن يشعر صاحبها . ولو كان هذا القرآن باطلاً ، فلماذا خافوا من سماعه ؟ ولكنه الغباء في العناد والكفر . وهنا يقول الحق سبحانه وتعالى : { أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ … } [ هود : 5 ] . وهم قد استغشوا ثيابهم ليغطوا وجوههم مداراة للانفعالات التي تحملها هذه الوجوه ، وهي انفعالات كراهية ، أو أنها قد تكون انفعالات أخرى ، فساعة يسمع واحد منهم القرآن قد ينفعل لما يسمع ، ولا يريد أن يُظهر الانفعال . إذن : فالانفعال قد يكون قسرياً ، وكان كفار قريش رغم كيدهم وحربهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، يتسللون ناحية بيت النبي صلى الله عليه وسلم ليسمعوا القرآن ، وكانوا يضبطون بعضهم البعض هنالك ، ويدّعي كل منهم أنه إنما مرَّ على بيت النبي صلى لله عليه وسلم مصادفة . وفي ذلك يقول الشاعر : @ اذكُروهُمْ وقد تسلَّل كلٌّ بعدَ ما انفضَّ مجلسُ السُّمَّارِ اختلاساً يسْعَى لحجرةِ طَهَ لسَماعِ التنزيلِ في الأسْحَارِ عُذْرهم حُسْنُهُ فلمّا تَراءَوْا عَلَّلوها ببَارزِ الأعْذَارِ @@ وجاء الحق سبحانه وتعالى هنا في نفس الآية بـ " ألا " في قوله : { … أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } [ هود : 5 ] . فهم إن داروا على محمد صلى الله عليه وسلم ، فهل هم قادرون على المداراة على رب محمد ؟ والذي لا يدركه بصر محمد فربُّ محمد سيُعلمه به . وما دام الحق سبحانه يعلم ما يسرون ، فمن باب أولى أنه سبحانه وتعالى يعلم ما يعلنون . والحق سبحانه وتعالى غيب ، وربما ظن ظان أنه قد يفلت منه شيء ، ولكن الحق سبحانه يُحصي ولا يُحصَى عليه ، فإن ظن ظان أن الحق سبحانه يعلم الغيب فقط لأنه غيب ، فهذا ظن خاطىء لأنه يعلم السر والعلن ، فهو عليم بذات الصدور ، وكلمة " عليم " صيغة مبالغة ، وهي ذات في كنهها العلم . وقول الحق سبحانه : { … عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } [ هود : 5 ] . نجد فيه كلمة { ذَاتِ } وهي تفيد الصحبة ، وذَاتِ الصُّدُورِ أي : الأمور المصاحبة للصدور . ونحن نعلم أن الصدر محل القلب ، ومحل الرئة ، والقلب محل المعتقدات التي انتُهي إليها ، وصارت حقائق ثابتة ، وعليها تدور حركة الحياة . ويُقصد بـ { بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } أي : المعاني التي لا تفارق الصدور ، فهي صاحبات دائمة الوجود في تلك الصدور ، سواء أكانت حقداً أو كراهية ، أو هي الأحاسيس التي لا تظهر في الحركة العادية ، سواء أكانت نية حسنة أو نية سيئة . وكل الأمور التي يسمونها ذات الصدور ، أي : صاحبات الصدور ، وهي القلوب ، وكأن الجِرْم نفسه وهو القلب معلوم للحق سبحانه وتعالى ، فخواطره من باب أولى معلومة . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ … } .