Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 64-64)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وكان قوم صالح قد طلبوا آية ، فقالوا له : إن كنت نبيّاً فأخرج لنا ناقة من تلك الصخرة ، وأشاروا إلى صخرة ما ، وهم قوم كانوا نابغين في نحت بيوتهم في الجبال . ومن يَزُرْ المنطقة الواقعة بين الشام والمدينة ، يمكنه أن يشاهد مدائن صالح ، وهي منحوتة في الجبال . وقد قال فيهم الحق سبحانه : { وَتَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً فَارِهِينَ } [ الشعراء : 149 ] . هم - إذن - قد حددوا الآية ، وهي خروج ناقة من صخرة أشاروا إليها ، فخرجت الناقة وهي حامل . وبعد أن وُجدت الناقة على وفق ما طلبوها لم يطيقوا أن يعلنوا التصديق ، وقد قال لهم صالح عليه السلام : { وَيٰقَوْمِ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ … } [ هود : 64 ] . وساعة تسمع شيئاً مضافاً إلى الله تعالى ، فاعلم أن له عظمة بعظمة المضاف إليه . مثلما نقول : " بيت الله " ، وهذا القول إن أُطلق فالمقصود به الكعبة المشرفة ، وإن حددنا موقعاً وقلنا عنه : " بيت الله " فنحن نبني عليه مسجداً ، وتكون أرضه قد حُكرت لتكون مُصَلّى ، ولا يُزاوَل فيها أي عمل آخر . هكذا تكون الكعبة هي بيت الله باختيار الله تعالى ، وتكون هناك مساجد أخرى هي بيوت لله باختيار خَلْق الله . ولذلك فبيت الله - باختيار الله - هو قبلة لبيوت الله باختيار خلق الله . إذن : فإن أضيف شيء لله تعالى ، فهو يأخذ عظمة الحق سبحانه وتعالى ، وقد قال لهم صالح : { هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ … } [ هود : 64 ] وهي ليست ناقة زيد أو ناقة عمرو . ولم يلتفت قوم صالح إلى ما قاله صالح عليه السلام ، ولم يلحظوا أن الشيء المنسوب لله تعالى له عظمة من المضاف إليه . ومثال ذلك : " ابن أبي لهب ، وكان قد تزوج ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحين اشتد عناد أبي لهب للرسول صلى الله عليه وسلم ، قال أبو لهب لابنه : طلق بنت محمد ، فطلقها ، وفعل فعلاً يدل على الازدراء ، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " أما إني أسأل الله أن يسلط عليه كلبه " . فقال أبو لهب : إني لأتوجس شرّاً من دعوة محمد . ثم سافر ابن أبي لهب مع بعض قومه في رحلة ، وكانوا إذا ناموا طلب أبو لهب مكاناً في وسط رحال الركب كله خوفاً على ابنه من دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا بأسد يقفز من الرحال ويأكل الولد " ، فهنا نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمر إلى الله فقال : " أكلك كلب من كلاب الله " فكان كلب الله أسداً . وهنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها يوضح لهم صالح عليه السلام : هذه الناقة هي الآية التي طلبتموها وقد جاءت من الصخر . وكان يقدر أن يأتي لهم بالجنس الأرقى من الجماد ، وهو النبات ، ولكن الحق سبحانه استجاب للآية التي طلبوها وهي من جنس الحيوان . ونحن نعلم أن الكائنات الأرضية إما أن تكون جماداً ، وإما أن يأخذ الجماد صفة النمو فيصير نباتاً ، وإما أن يأخذ صفة الحس والحركة فيصير حيواناً ، وإما أن يأخذ صفة الحس والحركة والفكر فيصير إنساناً . وكان من الممكن أن يأتي لهم صالح عليه السلام بشجرة من الصخر ، وهذا أمر فيه إعجاز أيضاً ، ولكن الحق سبحانه أرسل الآية كما طلبوها ناقة من جنس الحيوان ، وحامل في الوقت نفسه . وطالبهم صالح عليه السلام أن يحافظوا عليها لأنها معجزة ، عليهم ألا يتعرضوا لها . وقال لهم : { … فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ } [ هود : 64 ] . وهكذا وعظهم ، وطلب منهم أن يتركوها تأكل في أرض الله ، وإن مسّوها بسوء ولم يأخذهم عذاب ، فمن آمن به لا بد أن يكفر . إذن : فلا بد أن يأتي العذاب القريب إن هم مسّوها . وهم قد مسّوها بالفعل ، وهو ما تبينه الآية الكريمة التالية : { فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ … } .