Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 65-65)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وجلسوا في منازلهم ثلاثة أيام ثم جاءهم العذاب . ولقائل أن يقول : ولمَ الإمهال بثلاثة أيام ؟ ونقول : إن العذاب إذا جاء فالألم الحسِّي ينقطع من المعذَّب ، ويشاء الله تعالى أن يعيشوا في ذلك الألم طوال تلك المُدَّة حتى يتألموا حِسِّيًا ، وكل يوم يمرُّ عليهم تزداد آلامهم من قرب الوعيد الذي قال فيه الله تعالى : { … وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } [ هود : 65 ] . الحق سبحانه هو الذي يَعِدُ ، وهو القادر على إنفاذ الوعد ، ولا تقوم قوة أمامه لذلك فهو وعد صادق غير مكذوب . على عكس الإنسان منا حين يَعِدُ بشيء ، فمن الممكن أن يأتي وقت تنفيذ الوعد ولا يستطيع . لذلك يقول لنا الحق سبحانه : { وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ … } [ الكهف : 23 - 24 ] . لأنك إن قلت : " أفعل ذلك غداً " ، وتعد إنساناً بلقائه لكذا وكذا فقل : " إن شاء الله " لأن الله تعالى لا يمنع ترتيب أمور لزمن يأتي ، وإنما يجب أن يردف من يرتب الأمور " بمشيئة القوي القادر " حتى إذا لم ينجز ما وعد به يكون قد خرج عن الكذب ، لأن الله تعالى لم يشأ ، لأن الإنسان إذا وعد ، فهو لا يعتمد على إرادته ، ولكن مشيئة الله تعالى تعلو كل شيء . والفعل - كما نعلم - يقتضي فاعلاً ، ومفعولاً ، وزمناً ، وسبباً دافعاً ، وقدرة تمكِّن الإنسان من الفعل ، فهل يملك أحدٌ شيئاً من كل هذا ؟ إن الإنسان لا يملك نفسه أن يعيش إلى الغد ، ولا يملك من يعده أن يوجد غداً حتى يلقاه ، ولا يملك أن يظل السبب سبباً للِّقاء فربما انتهى السبب ، ولا يملك حين تجتمع الأسباب كلها أن توجد له قدرة وقوة على إنفاذ السبب . إذن : فإذا قال : " أفعل ذلك غداً مع فلان " يكون قد جازف وتكلم في شيء لا يملك عنصراً واحداً من عناصره ، فقل : " إن شاء الله " ، أي : أنك تستعين بمشيئة من يملك كل هذه العناصر . ويعطي الحق سبحانه في كل لقطة إيمانية من اللقطات ، قدرته على خلقه فهو سبحانه القائل : { فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } [ هود : 65 ] . وقوله : { فِي دَارِكُمْ } لأن من هؤلاء الذين كفروا قوماً في مكان يختلف عن مكان آخر يوجد به أيضاً قوم كافرون ، ومنهم المسافر ، ومنهم العائد من سفر ، فتتبعهم العذاب حيثما كانوا ، فلم ينزل على مكان واحد ، إنما نزل على المكين منهم في أي مكان . ولم يَنْجُ من هذه المسألة إلا واحد اسمه " أبو رغال " ، وكان يحج إلى بيت الله ، فلم يتبعه عذابه في بيت الله لأن الله سبحانه طلب منا نحن عباده أن نؤمِّن من دخل بيته ، فهو سبحانه وتعالى أوْلى بأن يؤمِّن من دخل البيت الحرام ، وظل الحجر الذي سيُضرب به ، أو الصيحة التي كان عليها أن تأخذه ، ظلت إلى أن خرج من الحرم فوقعت عليه . . وعَمَّ العذابُ الكافرين من قوم صالح ، وتتبع من في الديار إلا هذا الرجل ، وما إن خرج من البيت الحرام حتى وقع عليه العذاب . ولذلك كان قاتل الأب أو الإنسان الذي عليه دم نتيجة أنه ارتكب جريمة قتل ، إذا ما دخل البيت الحرام فهو يُؤمَّن إلى أن يخرج ، وكانوا يُضيِّقون عليه ، فلا يطعمه أحد ، ولا يسقيه أحد ليضطر إلى الخروج ، فيتم القصاص منه بعد خروجه من البيت الحرام ، ولتظل حرمة البيت الحرام مُصَانة . ونحن نعلم أن الحق سبحانه أراد من تحريم القتال في البيت الحرام ، صيانة وتكريماً للكرامة الإنسانية . ونحن نعلم أيضاً أن كل حدث من الأحداث يقتضي زماناً ، ويقتضي مكاناً . وكان العرب دائمي الغارات على بعضهم البعض ، فأراد الحق سبحانه أن يوجد مكان يحرم فيه القتال فخصَّ البيت الحرام بذلك ، وأراد سبحانه أن يوجد زمان يحرم فيه القتال فكانت الأشهر الحرم لان الحرب قد تكون سجالاً بين الناس وتوقظ فيهم الحمية والأنفة والعزة . وكل واحد منهم يحب في ذاته أن ينتهي من الحرب ، ولكنه لا يحب أن يجبن أمام الناس ، فأراد الحق سبحانه أن يجعل لهم شيئاً يتوارون فيه من الزمان ومن المكان ، فحرم القتال في الأشهر الحرم . وما إن تأتي الأشهر الحرم حتى يعلن المقاتل من هؤلاء : لولا الأشهر الحرم لكنت قد أنزلت بخصمي الهزيمة الساحقة ، وهو يقول ذلك ليداري كبرياءه لأنه في أعماقه يتمنى انتهاء الحرب . وكذلك حين يدخل مقاتل إلى البيت الحرام ، هنا يقول مَنْ كان يحاربه : لو لم يدخل الحرم لأذقته عذاب الهزيمة . وبمضيِّ الزمان وبالمكث في المكان ينعم الناس بالأمن والسلام ، وربما عشقوه فانتهوا من الحرب . ثم يقول الحق سبحانه : { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ … } .