Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 73-73)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والعجب - إذن - إنما يكون من قانون بشري ، وإنما القادر الأعلى سبحانه له طلاقة القدرة في أن يخرق الناموس … ومن خرق النواميس جاءت المعجزات لتثبت صدق البلاغ عن الله تعالى ، فالمعجزات أمر خارق للعادة الكونية . والقصة التي حدثت لإبراهيم عليه السلام وامرأته تكررت في قصة زكريا عليه السلام ، والحق سبحانه هو الذي أعطى مريم عليها السلام بشارة التذكير لزكريا عليه السلام حين سألها : { أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا … } [ آل عمران : 37 ] . فقالت مريم : { … هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ آل عمران : 37 ] . إذن : فالحساب يكون بين الخلق وبعضهم ، لا بين الخالق - سبحانه - وخَلْقه . ولذلك يأتي قول الحق عز وجل : { هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ … } [ آل عمران : 38 ] . وما دام زكريا عليه السلام قد تذكَّر بقول مريم : { … إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ آل عمران : 37 ] . فمن حقه أن يدعو : { قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً … } [ آل عمران : 38 ] . فأوحى له الله سبحانه وتعالى : { يٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً } [ مريم : 7 ] . أي : أن الحق سبحانه لم يرزقه الابن فقط ، بل وسماه له أيضاً باسمٍ لم يسبقه إليه أحد . وتسمية الله تعالى غير تسمية البشر ، فإن كان بعض البشر قد سموا من بعد ذلك بعض أبنائهم باسم " يحيى " فقد فعلوا ذلك من باب الفأل الحسن في أن يعيش الابن . لكن الحق سبحانه حين يسمي اسماً ، فقد سماه " يحيى " ليحيا بالفعل ، ويبلغ سن الرشد ، ثم لا يأتي الموت لذلك قُتِل يحيى وصار شهيداً ، والشهيد حيٌّ عند ربه لا يأتي إليه موتٌ أبداً . وهذا عكس تسمية البشر لأن الإنسان قد يسمي ابنه " سعيد " ويعيش الابن حياته في منتهى الشقاء . والشاعر يقول عن الإنسان الذي سمى ابنه " يحيى " : @ وَسَمَّيْتُهُ يَحْيَى لِيَحْيَا فَلَمْ يَكُنْ لِرَدِّ قَضَاءِ الله فيهِ سَبِيلُ @@ وحين نرجع إلى أن مريم عليها السلام هي التي نبهت إلى قضية الرزق من الله ، نجد أن زكريا عليه السلام قد دعا ، وذكر أنه كبير السن وأن زوجه عاقر . ولا بد أن زكريا عليه السلام يعرف أن الحق سبحانه وتعالى يعلم كل شيء أزلاً ، ولذلك شاء الله سبحانه أن يطمئن زكريا عليه السلام بأنه سيرزقه الولد ويسميه ، ويأتي قول الحق سبحانه وتعالى : { كَذٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ … } [ مريم : 9 ] . وما دام الحق سبحانه وتعالى هو الذي قرَّر ، فلا رادَّ لما أراده ، ولذلك يقول سبحانه : { … هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً } [ مريم : 9 ] . وهكذا توالت الأحداث بعد أن نبهت مريم زكريا عليه السلام إلى قضية خَرْق النواميس التي تعرضت هي لها بعد ذلك ، حينما تمثَّل لها المَلك بشراً ، وبشَّرها بغلام اسمه المسيح عيسى ابن مريم - عليه السلام . وتساءلت مريم عن كيفية حدوث ذلك - وهي التي لم يمسسها بشر - فيذكِّرها الملك بأنها هي التي أجرى الله سبحانه وتعالى على لسانها قوله الحق في أثناء كلامها مع زكريا عليه السلام : { … إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } [ آل عمران : 37 ] . وكان لا بد من طمأنتها لأن إنجابها للمسيح عيسى - عليه السلام - دون أب هي مسألة عرض ، ويجب أن تُقبل عليها وهي آمنة ، غير مرتابٍ فيها ولا متهمة . والآية التي نحن بصددها هنا تتعرض لامرأة إبراهيم عليه السلام حين جاءتها البشارة بالطفل ، وكيف أوضحت لها الملائكة أنه لا عجب مما قدَّره الله تعالى وأراده ، خلافاً للناموس الغالب في خلقه لأن رحمة الله تبارك وتعالى بكل خير فيها قد وسعت أهل بيت النبوة ، ومن تلك الرحمة والبركات هبة الأبناء في غير الأوان المعتاد . ولهذا قال الحق سبحانه هنا : { رَحْمَةُ ٱللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ … } [ هود : 73 ] . وينهي الحق سبحانه الآية بقوله تعالى : { … إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ } [ هود : 73 ] . أي : أنه سبحانه يستحق الحمد لذاته ، وكل ما يصدر عنه يستوجب الحمد له من عباده ، فلا حد لخيره وإحسانه ، والله تعالى مُطْلَقُ صفات المجد . وكلمة " حميد " - في اللغة - من " فَعِيل " وتَرِدُ على معنيين : إما أن تكون بمعنى فاعل مثل قولنا : " الله رحيم " بمعنى أنه راحم خلقه . وإما أن تكون بمعنى مفعول كقولنا : " قتيل " بمعنى " مقتول " . وكلمة " حميد " هنا تأتي بالمعنيين معاً : " حامدٌ " و " محمودٌ " ، مثل قول الحق سبحانه عن نفسه أنه " الشكور " لأنه سبحانه يشكر من يشكره على نعمه بطاعته . والله سبحانه " حميدٌ " لأنه حامدٌ لمن يطيعه طاعة نابعة من الإيمان ، والله سبحانه " محمودٌ " ممن أنعم عليهم نعمه السابغة . والله سبحانه هو المجيد الذي يعطي قبل أن يُسأل . ولذلك نجد عارفاً بالله تعالى قد جاءه سائل ، فأخرج كيساً ووضعه في يده ، ثم رجع إلى أهله يبكي ، فقالت له امرأته : وما يبكيك وقد أديت له حق سؤاله ؟ قال : أنا أبكي لأني تركته ليسأل ، وكان المفروض ألا أجعله يقف موقف السائل . والحق سبحانه وتعالى أعطانا ، حتى قبل أن نعرف كيف نسأل ، ومثال ذلك : هو عطاء الحق سبحانه وتعالى للجنين في بطن أمه ، والجنين لم يتعلم الكلام والسؤال . والحق سبحانه وتعالى في كل لقطة من لقطات القرآن يعطي فكرة اجتماعية مأخوذة من الدين ، فها هو ذا سيدنا إبراهيم عليه السلام يقدم العجل الحنيذ للضيوف ، ليعلمنا أنه إذا جاء لك ضيف ، وعرضت عليه الطعام ، ولم يأكل ، فلا ترفع الطعام من أمامه ، بل عليك أن تسأله أن يأكل ، فإن رد بعزيمة ، وقال : لقد أكلت قبل أن أحضر إليك ، فَلَكَ أن ترفع الطعام من أمامه بعد أن أكدت عليه في تناول الطعام . ويروي بعض العارفين أن سيدنا إبراهيم عليه السلام حينما قال : ألا تأكلون ؟ قالت الملائكة : لا نأكل إلا إذا دفعنا ثمن الطعام . فقال إبراهيم ، بما آتاه الله من حكمة النبوة ووحي الإلهام : ثمنه أن تُسمُّوا الله أوله ، وتحمدوه آخره . وأنت إذا أقبلت على طعام وقلت في أوله : " بسم الله الرحمن الرحيم " وإذا انتهيت منه وقلت : " الحمد لله " تكون قد أديت حق الطعام مصداقاً لقول الحق سبحانه : { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } [ التكاثر : 8 ] . وهكذا بيَّن لنا الحق سبحانه أن إبراهيم عليه السلام وزوجه قد أطمأنا على أن الملائكة قد جاءت لهما بالبشرى ، وأنها لا تريد بإبراهيم أو بقومه سوءاً ، بل هي مكلفة بتعذيب قوم لوط . وهنا يقول الحق سبحانه : { فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ ٱلرَّوْعُ … } .