Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 12, Ayat: 54-54)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ونلحظ أن الملك قد قال : { ٱئْتُونِي بِهِ } [ يوسف : 54 ] . مرتين ، مرة : بعد أن سمع تأويل الرؤيا لكن يوسف رفض الخروج من السجن إلا بعد أن تثبت براءته أو : أنه خرج وحضر المواجهة مع النسوة بما فيهنّ امرأة العزيز . ورأى الملك في يوسف أخلاقاً رفيعة وسِعَة عِلْم . وانتهى اللقاء الأول ليتدبر الملك ، ويُفكر في صفات هذا الرجل والراحة النفسية التي ملأتْ نفس الملك وكيف دخل هذا الرجل قلبه . والمرة الثانية عندما أراد الملك أن يستخلصه لنفسه ويجعله مستشاراً له . ويورد الحق سبحانه هذا المعنى في قوله : { ٱئْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ } [ يوسف : 54 ] . وهذا الاستخلاص قد جاء بعد أن تكلم الملك مع يوسف ، وبعد أن استشفَّ خِفَّة يوسف على نفسه وتيقَّن الملك من بعد الحوار مع يوسف أنه رجل قد حفظ نفسه من أعنف الغرائز غريزة الجنس . وتيقن من أن يوسف تقبّل السجن ، وعاش فيه لفترة طالتْ وهو صاحب عِلْم ، وقد ثبت ذلك بتأويل الرُّؤيا وقد فعل ذلك وهو سجين ، ولم يقبل الخروج من السجن إلا لإثبات براءته ، أو بعد إثبات البراءة . ولكلِّ ذلك صار من أهل الثقة عند الملك ، الذي أعلن الأمر بقوله : { إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ } [ يوسف : 54 ] . وذلك ليسُدَّ باب الوِشَاية به ، أو التآمر عليه . ومكانة " المكين " هي المكانة التي لا ينال منها أيُّ أحد . ولذلك نجد الحق - سبحانه وتعالى - حينما تكلَّم عن الوحي من جبريل عليه السلام قال : { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي ٱلْعَرْشِ مَكِينٍ } [ التكوير : 19 - 20 ] . فالمعنى : أن يوسف عليه السلام أَهْل ٌللثقة عند الحاكم وهو الذي سيُنفذ الأمور ، وله صِلَة بالمحكومين ، وإذا كان هو المُمَكَّن من عند الحاكم فهو أيضاً أمين مع المحكومين . والمشكلة في مجتمعاتنا المعاصرة إنما تحدث عندما يُرجِّح الحاكمُ مَنْ يراهم أهلَ الثقة على أهل الخبرة والأمانة ، فتختل موازين العدل . وعلى الحاكم الذكيّ أن يختار الذين يتمتعون بالأمرين معاً : أمانة على المحكوم وثقة عند الحاكم . وبهذا تعتدل الحياة على منهج الله . وحين سمع يوسف عليه السلام هذا الكلام من الحاكم : { إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ } [ يوسف : 54 ] . قرر أن يطلب منه شيئاً يتعلق بتعبيره لرُؤْياه ، التي سبق أن أوَّلها يوسف : { قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذٰلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ ٱلنَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ } [ يوسف : 47 - 49 ] . وهذه عملية اقتصادية تحتاج إلى تخطيط وتطبيق ومتابعة وحُسْن تدبير وحزم وعِلْم . لذلك كان مطلب يوسف عليه السلام فيه تأكيد على أن الواقع القادم سيأتي وفقاً لتأويله للرؤيا ، فتقول الآيات : { قَالَ ٱجْعَلْنِي … } .