Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 67-67)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقد قال يعقوب عليه السلام ذلك الكلام في المرة الثانية لذهابهم إلى مصر ، بعد أن عَلِم بحُسْن استقبال يوسف لهم ، وأن بضاعتهم رُدَّتْ إليهم ، وعلم بذلك أنهم صاروا أصحاب حَظْوة عند عزيز مصر . وساعةَ ترى إنساناً له شأن فترقب أن يُعادى ، لذلك توجَّس يعقوب خِيفة أن يُدبِّر لهم أحد مكيدة لأنهم أغراب . ومن هنا أمرهم أن يدخلوا مصر من أبواب متفرقة ، وكانت المدن قديماً لها أبواب تُفتح وتقفل في مواعيد محددة ، وحين يدخلون فُرادى فلن ينتبه أحد أنهم جماعة . وقد خاف يعقوب على أبنائه من الحسد ، ونعلم أن الحسد موجود . وقد علَّمنا سبحانه أن نستعيد به سبحانه من الحسد لأنه سبحانه قد عَلِم أزلاً أن الحسد أمر فوق طاقة دَفْع البشر له ، وهو القائل : { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ * مِن شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ * وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } [ الفلق : 1 - 5 ] . وفي أمر الحسد أنت لا تستطيع أن تستعيذ بواحد مُسَاوٍ لك لأن الحسد يأتي من مجهول غير مُدْرَك ، فالشعاع الخارج من العين قد يتأجج بالحقد على كل ذي نعمة ، وإذا كان عصرنا ، وهو عصر الارتقاءات المادية قد توصَّل إلى استخدام الإشعاع في تفتيت الأشياء . إذن : فمن الممكن أن يكون الحسدُ مثل تلك الإشعاعات والتي قد يجعلها الله في عيون بعض خلقه ، وتكون النظرة مثل السهم النافذ ، أو الرصاصة الفتاكة . والحق سبحانه هو القائل : { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ … } [ المدثر : 31 ] . وإنْ قال قائل : ولماذا يُعطي الحق سبحانه بعضاً من خلقه تلك الخواص ؟ أقول : إنه سبحانه يعطي من الإمكانات لبعض من خلقه ، فيستخدمونها في غير موضعها ، وكلُّ إنسان بشكل ما عنده إمكانية النظرة ، ولكن الحقد هو الذي يولد الشرارة المُؤْذية ، ويمكنك أن تنظر دون حسد إنْ قُلْتَ : ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله ، اللهم بارك . بذلك لا تتحقق الإثارة اللازمة لتأجُّج الشرارة المؤذية ، ويمكنك أن تستعيذ بالله خالق البشر وخالق الأسرار ، وتقرأ قول الحق سبحانه : { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ ٱلْفَلَقِ * مِن شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرِّ ٱلنَّفَّاثَاتِ فِي ٱلْعُقَدِ * وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ } [ الفلق : 1 - 5 ] . وأن تقول كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كان يُعوِّذ الحسن والحسين رضي الله عنهما ، ويقول : " أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامَّة ، ومن كل عين لامَّة " . وقال صلى الله عليه وسلم : " كان أبوكما - إبراهيم - يُعوِّذ بها إسماعيل وإسحاق عليهم السلام " . كما أنه صلى الله عليه وسلم : " كان إذا حَزَبَهُ أمر قام وصلى " ، لأن معنى حَزْب أمر للرسول صلى الله عليه وسلم ، أو لواحد من أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذا الأمر يخرج عن قدرة البشر . وهنا على الإنسان أن يأوي إلى المُسبِّب ، فهو الركن الشديد ، بعد أن أخذتَ أنت بالأسباب الممدودة لك من يد الله ، وبذلك يكون ذهابك إلى الحق هو ذهاب المُضطر لا ذهاب الكسول عن الأخذ بالأسباب . والحق سبحانه يقول : { أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوۤءَ … } [ النمل : 62 ] . والمضطر هو من استنفد كل أسبابه ، ولم يَدْعُ ربه إلا بعد أن أخذ بكل الأسباب الممدودة ، فلا تطلب من ذات الله قبل أن تأخذ ما قدمه لك بيده سبحانه من أسباب . وهنا في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها نجد يعقوب عليه السلام وقد أوصى أبناءه ألاَّ يدخلوا مصر من باب واحد بل من أبواب متفرقة خشية الحسد ، وتنبهت قضية الإيمان بما يقتضيه من تسلم لمشيئة الله ، فقال : { وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ … } [ يوسف : 67 ] . أي : لست أُغْني عنكم بحذري هذا من قدر الله ، فهو مجرد حرص ، أما النفع من ذلك الحرص والتدبير فهو من أمر الله ، ولذلك قال : { إِنِ ٱلْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ } [ يوسف : 67 ] . فكل الخَلْق أمرهم راجع إلى الله ، وعليه يعتمد يعقوب ، وعليه يعتمد كل مؤمن . ونفَّذَ أبناءُ يعقوب ما أمرهم به أبوهم ، يقول سبحانه : { وَلَمَّا دَخَلُواْ … } .