Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 10-10)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله : { أَفِي ٱللَّهِ شَكٌّ … } [ إبراهيم : 10 ] هو لوْن من الخطاب الذي لا يترك لمَنْ توجه إليه الكلام أنْ يُجيب إلا كما تريد أنت . وأنت لا تفعل ذلك إلا إذا كُنْتَ واثقاً من أن مَنْ تُوجِّه إليه الكلام سيجيب - إنِ استحضرَ الحق في ذهنه - كما تريد أنت . ولذلك لم يَأْتِ الخطاب هنا بقوله " لا شك في الله " وبذلك يكون الكلام خبرياً ، وقد يقول واحد : إن هذا الكلام كاذب ، ولكن على الرغم من أن المستمعين من الكفار ، إلا أنه يأتي بالقضية في شكل تساؤل يستأمنهم على أنهم سوف يُديرون الكلام في رؤوسهم ، وسيعثرون على الإجابة التي لا يمكن أنْ ينكرونها وهي " ليس في الله شك " . وهكذا نجد أن القائل قد سكتَ عن إعلانهم الكفرَ أولاً وجاء لهم بالتساؤل الذي سيجيبون عليه " ليس في الله شك " ، ويأتي لهم بالدليل الذي لا يحتمل أيَّ شكٍّ ، وهو قوله الحق : { فَاطِرِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ … } [ إبراهيم : 10 ] . والفاطر هو الذي خلق خَلْقاً على غير مثال سابق ، مثلها مثل قوله الحق : { بَدِيعُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ … } [ البقرة : 117 ] . فلا أحدَ قادرٌ على أن يخلقَ مثل السماوات والأرض وهي مخلوقة على غير مثال سابق . وسبحانه هو مَنْ شاء أن يكون الإنسان سيداً لكل الكائنات المخلوقة ، وأن تكون تلك الكائنات مُسخَّرة لخدمته . وقد يتخيّل الإنسان أن خَلْقه أكبر من خَلْق السماوات والأرض لذلك يُنبِّهه الحق سبحانه : { لَخَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ … } [ غافر : 57 ] . ولو نظرتَ إلى الشمس وسألتَ نفسك كم من الأجيال قد استمتعوا بدفْئِها واستفادوا منها فمن المؤكَّد أنك لن تعرف عدد الأجيال لأن الشمس مخلوقة من قَبْل خَلْق البشر ، وكل إنسان يستمتع بالشمس ويستفيد منها عددَ سنوات حياته ، ثم يذهب إلى الموت . ونجد المفسر الجليل الفخر الرازي يضرب المَثل الذي لا يمكن أن يُنكِره أحد ، ويدلُّ على الفطرة في الإيمان ، ويُوضِّح أن الحق سبحانه لم يُمهل الإنسان إلى أنْ ينضجَ عقله ليشعر بضرورة الإيمان ، ويضرب المثل بطفل صغير تسلَّل ، وضرب شقيقه هنا لا بُدَّ أن يلتفتَ الشقيق ليكتشف مَنِ الذي ضربه لأن الإنسان من البداية يعلم أنْ لا شيءَ يحدث إلا وله فاعل . وهَبْ أن طفلاً جاء ليجد شقيقه جالساً على كرسي ، وهو يريد أن يجلس على نفس الكرسي هنا سيقوم الطفل بشدِّ وجَذْب أخيه من على الكرسي ليجلس هو ، وكأنه اكتشف بالفطرة أن اثنين لا يمكن أن يستوعبهما حَيِّز واحد . وهكذا يتوصل الإنسان بالفطرة إلى معرفة أن هناك خالقاً أوحد . وهكذا نجد قوله الحق : { فَاطِرِ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ … } [ إبراهيم : 10 ] . هو الآية الكونية الواسعة . ويأتي من بعد ذلك بالقول : { يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ … } [ إبراهيم : 10 ] . وهذا القول يدل على الرحمة والحكمة والقدرة والحنان وهو هنا يقول : { لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ } [ إبراهيم : 10 ] . ولم يَقُلْ : يغفر لكم ذنوبكم ذلك أنه يخاطب الكفار بينما يقول سبحانه حين يخاطب المؤمنين : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ … } [ الصف : 10 - 12 ] . وهكذا لا يساوي الحقُّ سبحانه في خطابه بين المؤمنين والكافرين . أو : أن المقصود من قوله : { لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ … } [ إبراهيم : 10 ] . هو غفران الكبائر : ذلك أن صغائر الذنوب إنما يغفرها أداء الفرائض والعبادات فنحن نعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما لم تُغْشَ الكبائر " . ويتابع سبحانه : { وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىۤ أَجَلٍ مُّسَـمًّـى … } [ إبراهيم : 10 ] . وكلنا نعرف أن الأجلَ هو الزمن المضروب والمُقرر للحدثِ . وإن شاء الحق سبحانه الإبادة فنجد ما يدل عليه قوله الحق : { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ … } [ القصص : 81 ] . كما فعل مع قارون . أو : أن قوله : { إِلَىۤ أَجَلٍ مُّسَـمًّـى … } [ إبراهيم : 10 ] مقصود به يوم القيامة . ولكن الكفار أهل لَدَد وعناد ، لذلك نجد قولهم : { قَالُوۤاْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } [ إبراهيم : 10 ] . وهكذا يعلن أهل الكفر لرسلهم أنهم يُفضِّلون أن يكونوا أهل تقليد للآباء ، ولو أنهم فكَّروا لَعِلموا أن التقليد لو شاع في المجتمعات لَما ارتقى أحدٌ عن آبائه وأجداده ، فالعالم يتطور من تمرُّد جيل على جيل سابق ، فلماذا يُصِرّ هؤلاء الكافرون على أن يحتفظوا بتقليد الآباء والأجداد ؟ وإذا كان الأبناء يتطورون في كل شيء ، فلماذا يحتفظ هؤلاء الكفار بتقليد الآباء في العقائد ؟ ولا يكتفي أهل الكُفْر بذلك ، بل يطلبون أن يأتيَ لهم الرسل بسلطان مبين ، والسلطان يُطلق مرَّة على القهر على الفعل ، ويكون الفاعل المقهور كارهاً للفعل . ومرّة يُطلق على الحجة التي تُقنع بالفعل ، ويكون الفاعل مُحِباً لما يَقْدُم عليه ، والدين لا يمكن أن ينتشر قهراً بل لا بُدَّ أن يُقبل الإنسان على الدين بقلبه ، وذلك لا يأتي قهراً . لذلك نجد القول الحق : { لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيِّ … } [ البقرة : 256 ] . وما دام الرُّشدْ قد ظهر فالإكراه لا مجالَ له لأن الذي يُكْره على شيء لا يمكن له أن يعتنق ما يُكره عليه . وإذا ما دخل الإنسان الدين فعليه أن يلتزَم بما يُكلِّف به الدين ولذلك فالإنسان لا يمكن أن يدخل إلى الدين مُكْرهاً ، بل ، لا بُدَّ أن يدخله على بصيرة . ويأتي الحق سبحانه بعد ذلك بما قاله الرسل رداً على قَوْل أهل الكفر : { قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ … } .